موسى لن يتدخّل في تأليف الحكومة وسليمان يستعدّ لاستضافة قمّة روحيّة
بات واضحاً أنّ العقدة الأساسيّة التي تعترض تأليف الحكومة هي الإصرار على فرض إلياس المرّ وزيراً للدفاع الوطني. وقد صعّدت المعارضة أمس في مواقفها، رافضةً منح المرّ هذه الوزارة السياديّة، إلا إذا احتُسبت من حصّة الموالاة، لا من حصّة رئيس الجمهوريّة. ولمّا كان اتفاق الدوحة ينصّ ضمناً على إعطاء رئيس الجمهورية حقيبة سيادية واحدة، فإنّ العماد ميشال عون لن يتنازل عمّا يعتبره حقّاً له في حقيبة سياديّة، إضافة إلى حقيبة الخارجية التي ستكون من حصّة المعارضة. وقد رفض الجنرال أمس عرضاً تقدّمت به الموالاة واقترحت فيه أن يكتفي عون بتعيين رئيس الجمهورية وزير داخلية ترضى عنه الرابية.
وسط هذه الأجواء، وصل إلى بيروت، بعد ظهر أمس، الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في زيارة تستمرّ يومين، يلبّي خلالها دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى حضور حفل زفاف كريمته الذي سيقام مساء اليوم في «البيال»، وسط بيروت. إلا أنّ هذا الزفاف الذي سيجمع، إلى موسى، أركاناً من المعارضة والموالاة، لن يخرج بـ«زلغوطة» ولادة الحكومة.
فعلى المستوى السياسي، لم تحمل زيارة موسى أي جرعة أمل للبنانيين في إمكان حصول تدخل عربي لحل الأزمة الحكومية. وقد أكّد موسى أنّ اللجنة الوزاريّة العربية التي رعت وضع اتفاق الدوحة لن تتدخل في شأن لبناني داخلي كتأليف الحكومة حقائبَ ووزراء، إلا أنه ربط بين الاستقرار وتأليف الحكومة. ولم يقلّل من عتبه ودهشته لتأخّر تأليف الحكومة التي اعتبرها جزءاًَ لا يتجزّأ من اتفاق الدوحة.
وبدا موقف موسى بمثابة إشارة إلى أن اللجنة الوزارية العربية تأمل إنجاز تأليف الحكومة بجهد لبناني داخلي، وأنها ليست في وارد الضغط على اللبنانيين في هذا الإطار. ورغم الطابع الاجتماعي لزيارة موسى، فهو سيجري لقاءات مع المسؤولين اللبنانيين، استهلّها أمس بالاجتماع برئيس الجمهورية ميشال سليمان والنائب ميشال المر والنائب سعد الدين الحريري. إلا أن موسى أضفى على تحركه طابع الاستطلاع وجمع المعلومات.
إلا أن انحسار أي تدخل عربي لتعويم البند الثاني من اتفاق الدوحة، وهو تأليف حكومة وحدة وطنية، لم يخفف وطأة الجمود الذي أطبق في الساعات الأخيرة على المشاورات والاتصالات. وقال الرئيس المكلف فؤاد السنيورة إنه ينتظر أجوبة العماد ميشال عون على تشكيلتين حكوميتين أرسلهما إليه مع مستشاره السفير محمد شطح، قبل ثلاثة أيام، من دون تخلّيه عن إصراره على إعطاء رئيس الجمهورية حقيبتين سياديتين، هما: الدفاع الوطني والداخلية، على أن تتقاسم الموالاة والمعارضة الاثنتين الأخريين، أي المال والخارجية. وأجرى السنيورة، أمس، اتصالاً هاتفياً بعون سعياً إلى تذليل العقبات من طريق تأليف الحكومة الجديدة، بينما يبدو رئيس تكتل التغيير والإصلاح مصرّاً على حقيبة سيادية. وبحسب أوساط العماد، فهو يتمسك بحقيبة الدفاع الوطني لتكتله من غير أن يعكس ذلك موقفاً ضد توزير إلياس المر الذي يمكن رئيس الجمهورية أن يعثر له على حقيبة أخرى غير الدفاع الوطني. والواضح من سلسلة اتصالات أمس استمرار تناقض المواقف. ذلك أن الغالبية ترفض إعطاء حقيبة الدفاع الوطني لعون، فيما يتمسك رئيس الجمهورية بتوزير المر لا بحقيبته، ويسعى إلى أن لا يكون توزيره عقبة في طريق أولى حكومات عهده. ووفق مصادر رسمية فإن سليمان مهتم بانطلاقة قوية لعهده من خلال أولى حكوماته، وهو يرى أن تكون وزارة الدفاع في عهدة وزير محايد لا من الموالاة ولا من المعارضة لتفادي وضع الفيتوات المتبادلة التي تجعل من حقيبة الدفاع الوطني العقبة الكأداء في طريق تأليف الحكومة. ويتلاقى هذا المناخ مع ما تشيعه السرايا من أن حقيبة الدفاع هي التي تعترض تأليف الحكومة الجديدة، ويُتوقع تزخيم الاتصالات والمشاورات في الساعات الـ72 المقبلة لاخراج الحكومة الجديدة.
ورغم المعطيات المتوافرة ليلاً بأن لا اختراق جدياً في الجهود المبذولة، وإن بدا أن أوساط رئيس المجلس نبيه بري تأمل إبصار الحكومة الجديدة النور في عطلة نهاية الأسبوع، علمت «الأخبار» أن بري اتصل أمس برئيس الجمهورية والرئيس المكلف وطلب منهما اتخاذ مبادرة حيال عون تستجيب لمطالبه، بينما نصح السنيورة بالحوار المباشر مع الجنرال وزيارته للاتفاق معه على حصته في الحكومة الجديدة. ويعكس موقف رئيس المجلس تأييد المعارضة لما يطالب به عون، انطلاقاً من أنه لا إمكان لتأليف حكومة جديدة لا تأخذ في الاعتبار مطالب ركن رئيسي فيها، الأمر الذي أبقى الأزمة الحكومية تراوح مكانها في الجمود.
وعلمت «الأخبار» أن لقاءً سيعقده رؤساء الطوائف اللبنانية المسيحية والإسلامية في قصر بعبدا بمثابة قمة روحية في حضور رئيس الجمهورية الذي أبدى رغبته أمام البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير في دعوة الموفد البابوي الذي سيشارك في تطويب الأب يعقوب الكبوشي، إلى غداء تكريمي في بعبدا غداة مراسم التطويب، وأن يكون هذا اللقاء بمثابة تأكيد لوحدة الموقف ودعم العهد الجديد.
وجاء طرح هذا اللقاء في الزيارة التي قام بها صفير لرئيس الجمهورية، أمس، رداً على زيارة سليمان بكركي. ووفق مصادر المجتمعين، أطلع الرئيس البطريرك على الجهود المبذولة لاستعجال تأليف الحكومة، فأمل صفير أن تجمع كل الأفرقاء اللبنانيين. وتحدثا في سبل تعزيز الموقف المسيحي بعدما أدى انتخاب رئيس للجمهورية إلى وضع حد لما قيل عن تهميش مسيحي في الحكم، وأكد البطريرك دعمه لسليمان، وقد أتى إلى بعبدا على رأس وفد كبير من المطارنة في سابقة مثلت حجم التأييد الذي تمحضه بكركي لرئيس الجمهورية.
كذلك علمت «الأخبار» أن انعقاد المؤتمر الوطني للحوار الذي نصّ عليه اتفاق الدوحة برعاية رئيس الجمهورية وضع على نار خفيفة في انتظار تأليف الحكومة الجديدة. وبدأ رئيس الجمهورية وفريق عمله يتداولان إطاره وتوقيته ومضمونه المتعلق بمناقشة سلاح المقاومة والبحث في الاستراتيجيا الدفاعية. ومع أن انعقاد مؤتمر الحوار رهن بنيل الحكومة ثقة مجلس النواب، مما سيجعله ينتظر أسبوعين على الأقل، فإن بضع أفكار بدأت جوجلتها في اجتماعات بعيدة عن الأضواء بين الرئيس ومساعديه انطلاقاً من إصرار سليمان على التنفيذ الكامل لبنود اتفاق الدوحة وعلى سحب الذرائع من طريق تعطيل هذا التنفيذ.