كأنّ رئيس الحكومة العراقيّة نوري المالكي لم يكن يدري أنّ سيادة بلاده مغتصَبة من الاحتلال الأميركي منذ عام 2003، ليعلن نعياً صريحاً للاتفاقيّة طويلة الأمد، التي تستعجل إدارة جورج بوش توقيعها مع حكومة بغداد قبل انتهاء ولايته، بحجّة أنّ النسخة المعروضة تنتهك السيادة العراقيّة، «وهو أمر لا يمكن السماح به أبداً».نعي، إن أضيف إليه إعلان السيد مقتدى الصدر تشكيل مجموعات خاصّة لمقاتلة قوات الاحتلال، يُعتَبَر صفعة قويّة للمشروع الأميركي في المنطقة عموماً والعراق تحديداً، وخصوصاً أنّ الإدارة الأميركيّة بدت كأنها تعيش في وهم كبير، عبّر عنه بوش في إيطاليا أمس، عندما بشّر العالم بأنّ النفوذ الإيراني في العراق آخذ في الانحسار.
إعلان يبدو مشكوكاًَ في صحّته؛ فالتصريحات العراقيّة بقيت قبيل زيارة المالكي إلى طهران في الأسبوع الماضي، مرحّبة بالاتفاقيّة ومتحمّسة لتوقيعها. لكن يبدو أنّ الرفض الإيراني المطلَق للمعاهدة، التي توحي مسوّدتها أنها ستحوّل بلاد الرافدين إلى قاعدة أميركيّة هائلة ومطلقة الصلاحيات في المنطقة، فعل فعله عند حليفه العراقي، وهو ما عبّر عنه تصريح المالكي في عمّان أمس. أمّا الردّ الأميركي فجاء ضعيفاً بدوره، محاولاً ابتلاع الصدمة عبر اللعب على العبارات التي استعملها المالكي.
وقال رئيس الحكومة العراقية، خلال لقائه عدداً من رؤساء تحرير صحف أردنية، إنّ المباحثات مع واشنطن حول الاتفاقية الأمنيّة «وصلت إلى طريق مسدود، لأنّ مطالب الجانب الأميركي تخلّ خللاً كبيراً في سيادة العراق، وهذا لا يمكن أن نقبل به أبداً». كلام المالكي عالي النبرة، حاول تخفيفه بشيء من «الإيجابيّة» عندما طمأن الطرف الآخر، خلال لقائه الجالية العراقيّة في الأردن، بأنّ المفاوضات «ستستمرّ حتى الوصول إلى اتفاق مقبول».
وعزا المالكي الأسباب التي دفعت به إلى نعي الاتفاقيّة إلى أنّه «لا يمكن أن نسمح للقوات الاميركية باعتقال عراقيين أو أن تتولّى مسؤولية مكافحة الإرهاب بشكل مستقل».
وأشار المالكي إلى أنّ «المسودة الأولى التي طرحت وصلت إلى طريق مسدود، وفيها نقاط خلاف، لذلك ترك الطرفان المسودات الأولى وذهبنا إلى أفكار جديدة، وستستمر المفاوضات بطرح أفكار تحت عنوان خطة ألف وخطة باء وخطة جيم حتى نصل إلى القرار الذي يؤكد سيادة العراق».
وعن الرفض الشعبي لاتفاقيّة تقضم السيادة العراقيّة إلى أمد طويل، أوضح المالكي أنّ «هذه قضية حياة ومستقبل وطن ومصلحة وطنية عليا، وما لم يحصل عليها إجماع وطني داخلي بكل أبعادها فلن تكون، وإن لم يصوت عليها مجلس النواب بموجب دستورنا الجديد، فلن تكون».
على أنّ الرفض الإيراني للاتفاقيّة الأميركية ــ العراقية جدّده خطيب صلاة الجمعة في طهران محمد إمامي كاشاني، الذي وصفها بأنها «مخزية»، داعياً العراقيين وحكومتهم إلى التصدي لها.
وفي واشنطن، التي فقدت جنديين أميركيين في العراق، جدّدت المتحدثة باسم البيت الأبيض دانا بيرينو نيّة بلادها مواصلة مفاوضاتها مع الحكومة العراقيّة للتوصل إلى توقيع الاتفاقيّة. وحاولت التخفيف من وقع إعلان المالكي عندما لفتت إلى أنّها «ليست متأكّدة من العبارة التي استخدمها».
وردّت بيرينو على ما رأى المالكي أنه خرق للسيادة العراقيّة بالقول: «نحن نحترم سيادتهم بشكل كامل ولا تنسوا أننا في النهاية حاربنا لتحريرهم» من نظام صدام حسين.
في هذا الوقت، صدر عن الصدر موقف لا يقلّ سخونة عن كلام المالكي، إذ أمر زعيم التيار الصدري بتأليف «مجموعة خاصة» من «جيش المهدي» تتولى «مقاومة الاحتلال الأميركي».
وقال الصدر، في بيان تلاه إمام جمعة مسجد الكوفة، الشيخ عبد الهادي المحمدواي: «إلى إخوتي في جيش المهدي، وإلى كل العراقيين الرافعين شعار المقاومة، يجب أن تعلموا بأن المقاومة ستكون حصراً على مجموعة خاصة سيتم الإعلان عنها من قبلنا»، موضحاً أنّ تنظيمه «لن يحيد عن مقاومة المحتل حتى التحرير أو الشهادة».
وأشار الصدر إلى أن أفراد هذه الجماعة «من ذوي الخبرة، ولهم إذن مسبق من الحاكم الشرعي ومن القيادة العليا (للتيار الصدري) وسوف يكون السلاح حصراً بيدهم ولا يوجهونه إلا إلى المحتل».
وطالب الصدر بقية عناصر «جيش المهدي» بالاهتمام بالقضايا العقائدية والاجتماعية والابتعاد عن العسكرة.
وفي السياق، رأى أقرب مساعدي الصدر، الشيخ صلاح العبيدي، أنّ «القرار تأكيد لموضوع تجميد جيش المهدي» وأنّ الصدر «يخطو خطوة أخرى على طريق مقاومة الاحتلال بصورة جديدة».
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)