دخلت صفقة تبادل الأسرى بين حزب الله وإسرائيل في دوامة التسويف وشد الحبال الإسرائيلية من خلال الحديث عن إرجاء حسم رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، للموقف النهائي منها، بحجة وجود جملة من العوائق التي طفت فجأة على سطح النقاش، وذلك على الرغم من أن الانطباع الذي كان سائداً يفيد بأن العراقيل المطروحة مصطنعة، وأن أولمرت شخصياً كان مطلعاً على كل تفاصيلها.ذلك كله يطرح تساؤلات جدية عن النية والغاية الحقيقية للموقف الإسرائيلي الجديد، حيث تتراوح الخيارات بين إمكان رفض الصفقة المتبلورة بذريعة عدم القدرة على تحمل تبعات تنفيذها، واللجوء إلى مناورة اللحظة الأخيرة في محاولة ابتزاز واضحة بهدف تحسين شروطها، وسعي أولمرت إلى تهيئة الرأي العام الإسرائيلي لتقبل أثمان تنطوي عليها قد تكون أكبر من التي جرى التداول فيها حتى الآن.
فقد أعلن مصدر حكومي إسرائيلي أن القرار المتعلق بإطلاق سراح أسرى لبنانيين في إسرائيل في مقابل الجنديين الأسيرين لدى حزب الله ألداد ريغيف وإيهود غولدفاسر قد أُرجئ، فيما نقلت «هآرتس» عن مصدر سياسي إسرائيلي قوله إن أولمرت يدرس إمكان إلغاء صفقة التبادل كلها.
وأجمعت التقارير الإعلامية العبرية على أن هذا الموقف صدر في أعقاب المداولات التي عقدها أولمرت مع كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية، والتي شارك فيها وزير الدفاع إيهود باراك، ورئيس الأركان غابي أشكنازي، ورئيس شعبة الاستخبارات اللواء عاموس يدلين، ورئيس الموساد مئير دغان، ورئيس المخابرات يوفال ديسكن، واللواء في الاحتياط إيلان بيران الذي يعالج قضية رون أراد، والمكلف بالمفاوضات عوفر ديكل.
وأوضحت التقارير نفسها أنه ثارت في القيادة السياسية ـــــ الأمنية خلافات حادة في هذه المسألة الحساسة، ظهرت من خلال معارضة داغان وديسكين للصفقة، وتحفظ يدلين، في مقابل تأييد أشكنازي، وموافقة باراك رغم تحفظه. وأشارت التقارير إلى أن أولمرت لم يجمل موقفه النهائي خلال المداولات.
وبحسب «هآرتس»، فإنه على الرغم من ذلك، أمر أولمرت بمواصلة الاتصالات بخصوص الصفقة مع الوسيط الألماني غرهارد كونراد، لكنه أرجأ طرحها على الحكومة أو المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية للمصادقة عليها في هذه المرحلة، فيما أكد مصدر أمني لـ«يديعوت أحرونوت» أن من سيصادق على الصفقة هي الحكومة الإسرائيلية، لا المجلس الوزاري المصغّر.
وعللت مصادر إسرائيلية أجواء التأجيل بثلاث عقبات أساسية هي: مطالبة حزب الله بالإفراج عن معتقلين فلسطينيين في إطار عملية التبادل؛ ومطالبة إسرائيل لحزب الله بتزويدها بتقرير مفصل عن الجهود التي بذلها من أجل معرفة مصير رون أراد؛ ومعارضة مسؤولين رفيعي المستوى في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وبينهم داغان، للصفقة بشكلها الحالي بسبب مسألة إطلاق سراح سمير القنطار من دون الحصول على معلومات عن أراد، وأيضاً بسبب إطلاق إسرائيل سراح أسرى أحياء في مقابل «استعادتها جثتي الجنديين».
وعلى صعيد العقبة الأولى، تدعي المحافل الإسرائيلية أن حزب الله أعاد طرح قضية الإفراج عن معتقلين فلسطينيين، بعدما كان قد تخلى عن هذا المطلب. بيد أنه يبدو أن هذه العقبة مصطنعة، وأنه إذا صح هذا المطلب، فهو قديم وغير جديد، وهو ما دفع مصادر أمنية إسرائيلية وعائلتي الجنديين الأسيرين إلى اتهام مكتب أولمرت، بحسب «هآرتس»، «بتضخيم مطلب حزب الله، بخصوص إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، في اللحظة الأخيرة لأسباب غير واضحة». ونقلت «هآرتس» عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين قولهم إنه لا علم لديهم بعودة حزب الله للمطالبة بإطلاق سراح فلسطينيين.
وما يؤكد صحة اصطناع «العقبة الفلسطينية» تأكيد العديد من المحافل الإسرائيلية أن قضية الأسرى الفلسطينيين وردت في متن الصفقة المتبلورة من قبل الحديث عن تراجع أولمرت عنها. وفي هذا المجال، نقل المراسل العسكري لـ«هآرتس»، عاموس هرئل، عن أهالي الجنود الأسرى قولهم إنهم أُبلغوا أنه سيُفرَج عن عشرات المعتقلين الفلسطينيين في إطار صفقة التبادل مع حزب الله، على أن يُعرض الموضوع كبادرة حسن نية تجاه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، فيما أشار المحلل السياسي في «يديعوت»، شمعون شيفر، إلى أنه «في إطار الصفقة لتحرير الجنديين الأسيرين ستحرر إسرائيل أيضاً سجناء فلسطينيين كبادرة طيبة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة».
وكشف شيفر عن أنه «بحسب مسار الصفقة المطروحة، التي اتفق عليها مع الوسيط الألماني، سيعاد الجنديان المخطوفان في مقابل تحرير سمير القنطار وأربعة من مقاتلي حزب الله، إضافة إلى إعادة جثامين 199 لبنانياً (بينهم فلسطينيون أيضاً)».
ونقلت «يديعوت» عن مسؤولين إسرائيليين تقديرهم «أنّ الحديث يدور حول عملية سوف تمتد وقتاً أطول مما هو مخطط، بعد مطلب حزب الله تحرير الأسرى الفلسطينيين. مطلب يعارضه بشدّة رئيس الحكومة، الذي لا يريد إعطاء إنجاز لحسن نصر الله، الذي يطالب بزيادة رصيده في العالم العربي. والتقدير هو أن العرض سيوضع أمام الحكومة، خلال حوالى أسبوع أو أسبوعين، بعد دورة أخرى من المحادثات مع الوسيط الألماني كونارد ومع حزب الله».
بالنسبة إلى العقبة الثانية، نقلت «يديعوت» عن مصدر أمني رفيع قوله إنّ «القرار، الذي اتخذ في المداولات الأمنية التي أجراها أولمرت، كان أن إسرائيل تنوي الطلب من حزب الله الحصول على كل المعلومات، التي بحوزة الحزب، قبل تحرير سمير القنطار». وأضافت أن «إسرائيل تتوقع الحصول من حزب الله على تقرير مفصل بشأن الجهود التي قام بها والشهادات التي جباها ممن رأوا أراد قبل أن يختفي في عام 1988. وهذا الطلب سوف يُثيره الوسيط عوفر ديكل، عبر الوسيط الألماني، متى صادقت الحكومة الإسرائيلية على صفقة تبادل الأسرى يشكّل فيها القنطار المحور الرئيسي». مع ذلك، يوضّح المصدر الأمني أنّه «وفق تقديرات المؤسسة الأمنية، ليس بحوزة حزب الله المزيد من المعلومات الجوهرية المرتبطة بمصير رون أراد».
وفي ما يتعلق بالعقبة الثالثة، برزت معارضة شديدة من رئيس الموساد مئير داغان، لإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين، ولا سيما القنطار، من دون الحصول على معلومات عن مصير آراد، ولا سيما في ظل «التقدير الاستخباري الإسرائيلي الذي يشير بمعقولية مرتفعة جداً إلى أن الجنديين الأسيرين ليسا على قيد الحياة، وبالتالي ضرورة كسر معادلة إطلاق سراح معتقلين أحياء في مقابل قتلى إسرائيليين»؛ والمعارضة ذاتها برزت من رئيس الشاباك ديسكين، على خلفية التداعيات السلبية الكبيرة للصفقة المتبلورة على مستقبل التفاوض مع الفلسطينيين حول تبادل الأسرى، ولكونها تمثّل، بحسب رأي ديسكين، خطراً على حياة الجندي الإسرائيلي الأسير لدى «حماس»، جلعاد شليط.
في هذه الأثناء، نقلت «هآرتس» عن عائلات الجنود الأسرى قولهم إن «رئيس الحكومة ووزير الدفاع لا يُشركان سائر الوزراء بتفاصيل المفاوضات مع حزب الله»، وأن «رئيس الحكومة يحتفظ بالأوراق في صدره»، في إشارة منه إلى إحاطتها بالسرية.
وكانت ميكي غولدفاسر، والدة إيهود، قد شنت هجوماً غير مسبوق على من تسميهم «محافل سياسية هدامة وشريرة تنشر شائعات بشكل رخيص لعرقلة الصفقة، وكأن حزب الله طرح شروطاً جديدة لعقدها».
بدوره هاجم أيال ريغيف، شقيق الداد، تصريحات كبار مسؤولي شعبة الاستخبارات التي بموجبها «يجب إعلان الأسيرين قتيلين». وقال ايال: «لا أدري إلى ماذا يستند تقديرهم الاستخباري، ولكنه بالتأكيد لا يمكنه أن يمثّل عاملاً لعدم تنفيذ الصفقة».
(الأخبار)