ربطة الخبز بألفي ليرة بدءاً من اليوم. هذا ما خرجت به الجمعية العمومية لاتحاد نقابات المخابز والأفران في لبنان التي انعقدت أمس، إذ قررت زيادة وزن الربطة 130 غراماً، ليصبح 1250 غراماً بسعر 2000 ليرة، بدلاً من 1120 غراماً بسعر 1500 ليرة، أي إن السعر ارتفع فعلياً بنسبة 19.40 في المئة، وهي أعلى بكثير من نسبة ارتفاع الأكلاف الثانوية (مازوت، خميرة، نايلون وأجور) التي يتذرع بها أصحاب الأفران لإمرار هذه الزيادة.وتأتي خطوة الأفران في ظل استمرار التعثّر في تشكيل حكومة العهد الجديد الأولى، وتلطّي حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وراء صفتها حكومة «تصريف أعمال» للإمعان في سياسة اليد المرفوعة، علماً بأن هذه السياسة لا تُطبّق إلا في المجالات التي تؤثّر على معيشة الفقراء ونوعية حياتهم المتردّية أصلاً.
فزيادة سعر ربطة الخبز بنسبة مرتفعة، تنضمّ إلى زيادات أخرى طالت سلعاً غذائية واستهلاكية أساسية وموادّ وخدمات حيوية، إذ ازدادت تعرفة النقل (السرفيس) في الفترة الأخيرة من 1500 ليرة إلى 2000 ليرة، وبلغت الزيادات المتراكمة في سنة واحدة على سعر صفيحة البنزين 43.42 في المئة. أمّا سعر صفيحة المازوت فازداد في الفترة نفسها بنسبة 92 في المئة، ما أسهم بزيادة كلفة الاشتراك في مولّدات الكهرباء الخاصة بنسبة 100 في المئة، فضلاً عن الآثار السلبية الواسعة على أكلاف المزارعين والصناعيين وسائر المنتجين... هذا بالإضافة إلى المؤشّر الأساس، إذ تجاوز المعدّل التراكمي لارتفاع الأسعار نسبة 75 في المئة منذ عام 1996 حتى اليوم، أي منذ آخر تصحيح للأجور، وتحديد الحد الأدنى بـ300 ألف ليرة.
وتأتي خطوة زيادة سعر الخبز أيضاً، بعدما تكبّد المجتمع اللبناني، ولا يزال، أكثر من 27 مليون دولار، منذ آب من العام الماضي وحتى اليوم، على دعم القمح المخصص لصناعة ما يسمّى الخبز العربي، وهو دعم «توزيعي ـــــ سياسي» استفاد منه كارتيل المطاحن والأفران باعترافات متكررة من وزير الاقتصاد والتجارة سامي حداد، الذي اكتفى، في مؤتمر صحافي عقده مساءً في السرايا الحكومية بعد مشاورات أجراها مع الرئيس السنيورة، بالتلويح بأنه سيطبّق القانون، وأنه سيواصل الحوار مع الأطراف المعنية للوصول إلى حل، من دون أن يعلن صراحة أنه سيحرم كل فرن يخالف التسعيرة الرسمية من الدعم السخي والعشوائي.
والمعروف أن سعر ربطة الخبز يحدد بموجب قرار يصدر عن وزارة الاقتصاد والتجارة، وبالتالي فإن قرار اتحاد نقابات المخابز والأفران مخالف للنظام، ويستدعي تحركاً قضائياً يتجاوز مجرّد التهديد، أو التلويح بإجراءات غير معلنة... واللافت أن أشخاصاً من فريق عمل الرئيس السنيورة تولوا الدفاع عن مطالب الأفران، فيما كانوا يتابعون وقائع المؤتمر الصحافي للوزير حداد في السرايا.
وقد ردّ الأمين العام للاتحاد المذكور أنيس بشارة عبر «الأخبار» على تهديد حداد بالقول: «إن أي محضر ضبط تحرره مديرية حماية المستهلك في حق أي فرن مخالف للتسعيرة الرسمية، وأي وقف لدعم أي فرن، سيواجه مباشرة بإضراب شامل للأفران على الأراضي اللبنانية».
الجدير بالإشارة أن هذا الاتحاد لا يضم كل المخابز والأفران، إذ إن نسبة كبيرة من المؤسسات العاملة في السوق فعلياً تنتمي إلى إطار نقابي آخر أُنشئ حديثاً تحت اسم «تجمع الأفران المستقلة»، وقد قال رئيس هذا التجمّع رياض السيّد في اتصال مع «الأخبار» إن الأعضاء فيه لن يلتزموا قرار زيادة سعر الربطة على الرغم من مساندتهم للدعوات إلى زيادة الدعم المخصص لصناعة الخبز العربي والتعويض عن الأكلاف الزائدة. وأشار إلى أن اجتماعاً عقد ليلاً وتم الاتفاق فيه على الانتظار ليوم أو يومين قبل اتخاذ القرار في ضوء دراسة ردود الأفعال ومدى استجابة الوزير حداد للضغوط الهادفة إلى تكبير «كعكة الدعم».
وعُلم في هذا الإطار أن موقف التجمّع جاء على أثر تحرّكات وضغوط يقودها حزب الله بطلب من الوزير حداد عبر النائب أمين شرّي، لإقناع ممثلي الأفران بالعدول عن قرارهم.
من جهتها، أوضحت مصادر مطّلعة أن هناك الكثير من الوقاحة الكامنة وراء قرار زيادة سعر ربطة الخبز، إذ تأتي هذه الخطوة في الوقت الذي يتراجع فيه سعر القمح العالمي، وهو ما دفع الجشعين للضغط من أجل الانتفاع من الفارق بين الدعم وسعر القمح الحالي، إذ كانت وزارة الاقتصاد والتجارة تدعم طن القمح بـ260 دولاراً عندما كان سعره العالمي 520 دولاراً، ومع انخفاض السعر إلى 330 دولاراً أبقت الوزارة على قيمة الدعم نفسها (260 دولاراً) بحيث وفر انخفاض الأسعار على الخزينة اللبنانية 190 دولاراً على كل طن، إلا أن أطماع «الكارتيل» أصبحت تتركز على سبل الانتفاع من هذا الفارق.
وقد جرت مفاوضات طويلة بين رموز «الكارتيل» والوزير حداد، حيث استجاب الأخير جزئياً للمطالب المرفوعة إليه، وأعلن أول من أمس زيادة الدعم بقيمة 105 آلاف ليرة على كل طن طحين، بدءاً من أول تموز المقبل، مضاعفاً بذلك هدر المال العام، ولكن هذا المبلغ لم يرض الكارتيل الذي أصرّ على زيادة قيمة الدعم بقيمة 225 ألف ليرة، أي أكثر بـ120 ألف ليرة من الزيادة المقررة.
وبرر بشارة موقف الأفران بأن زيادة الدعم بقيمة 105 آلاف ليرة فقط لا تشكل سوى 65 في المئة من فارق ارتفاع أسعار المازوت وحدها.
أمّا رئيس الاتحاد العمالي العام، فهدّد بالنزول إلى الشارع للاعتراض على زيادة سعر الخبز، محمّلاً الحكومة القائمة ووزير الاقتصاد والتجارة المسؤولية الكاملة، داعياً حدّاد إلى حرمان أي فرن لا يلتزم بالتسعيرة الرسمية ووزن الربطة من الدعم المالي. كما طالب الأجهزة القضائية المختصة بوضع يدها على هذا الملف، وفتح تحقيق شفّاف بهدر المال العام واستغلال لقمة عيش الفقراء.
وفي السياق نفسه، رأى رئيس جمعية المستهلك، زهير برو، أن رفع سعر ربطة الخبز بالشكل الرخيص الذي اتخذه اتحاد نقابات الأفران غير مقبول، وأن انتهاز وضع الحكومة المتذبذب في مرحلة تصريف الأعمال سيئ جداً. واستغرب استعجال اتحاد الأفران إقرار رفع سعر الربطة، على الرغم من «الكرم» الذي أبداه حداد في بذخه على الأفران والمطاحن بكميات الطحين المدعوم، وقال إن اتحاد الأفران يكرر ما فعلته نقابات السائقين العموميين من رفع لتعرفة النقل على حساب الفقراء من دون الأخذ بالاعتبار مصالح الناس ومشاكلهم. وطالب برو الحكومة بأن تتولى المسؤولية حيال هذا الموضوع، وخصوصاً أن الخبز سلعة حيوية ونسبة أرباح الأفران تتجاوز المعقول بسلعة خطيرة على المواطنين.