عون «يحرج» المعارضة بإصراره على الأشغال والاتّصالات والسنيورة يوقف المفاوضات والمرّ وجعجع يهدّدان بالانسحاب
هل باتت المشكلة داخل المعارضة أم لا تزال بين المعارضة والموالاة؟
السؤال مردّه إلى الأجواء الملتبسة التي سادت بعد ظهر أمس إثر التعثّر الذي أصاب المساعي الأخيرة لتأليف الحكومة. فقد أعلن العماد ميشال عون مساءً أنّ الرئيس المكلّف فؤاد السنيورة طلب من مستشاره السفير محمد شطح الاتّصال بالرابية وإبلاغ من يهمّه الأمر أن العرض الذي سبق أن نقله الى عون وناقشه السنيورة أمس مع القيادي في التيار الوطني الحر جبران باسيل، قد سُحب من التداول.
وقالت مصادر حكومية إن المبادرة التي سحبت لم تكن مبادرة 14 آذار أصلاً، بل مبادرة أتت من المعارضة ونقلها الرئيس نبيه بري الى الرئيس المكلف ومن ثم الى فريق 14 آذار من خلال النائب وليد جنبلاط، بعدما أطلقها إعلامياً عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله. وترافقت هذه المبادرة مع تلقّي رئيس الجمهورية ميشال سليمان تأكيدات من جانب المعارضة بأنّ عون موافق عليها، إن أخذت بها الاكثرية النيابية. ولكن ما حصل هو أن العماد عون رفض التعامل معها إلا من ضمن سلة شروط تخص ما يريده من حقائب خدماتية إضافية من جهة، ومحاولته وضع فيتو على نيل الفرقاء المسيحيين في 14 آذار حقائب أساسية، من جهة أخرى.
وحمّلت المصادر الحكومية عون مسؤولية العرقلة وقالت إن المطالبة بالأشغال مع الاتصالات تُعدّ خرقاً للاتفاق الأوّلي مع الرئيس بري الذي رأى أن عرض حقيبة الأشغال جاء ربطاً بأن عون لن يحظى بحقيبة سيادية. ولكن عندما اقتُرح المخرج بأن يأخذ عون الاتصالات أو العدل، كان واضحاً لدينا ـــــ تضيف المصادر الحكومية ـــــ أن الأشغال سوف تعود الى الأكثرية باعتبارها من حصتها الخدماتية.
ومن جانب الرئيس بري وحزب الله، فإنّ الصورة لم تكن أقل تعقيداً، وخصوصاً أن الإحراج بدا واضحاً على موقف الطرفين باعتبار أن المبادرة ـــــ المخرج جاءت على لسان النائب فضل الله، وأن مضمونها يعبّر عن تفاهم تم في الاجتماع القيادي للمعارضة، كما أن بري تناقش مع سليمان والسنيورة وجنبلاط على هذا الأساس. وبالتالي، بقيت مصادر حزب الله وأمل أمس على مسافة من الحدث، كي لا تقع في موقع المطالَب بالدفاع عن المبادرة ـــــ المخرج وبالتالي التصادم مع عون، كما أن تغطية موقف عون تنسف أساس المبادرة وتحمّلها مسؤولية اقتراح غير مضمون مسبّقاً.
لكن عون شرح الأمر وفق قريبين منه على الشكل الآتي:
منذ اليوم الأول، كانت كتلة التغيير والإصلاح تطالب بحقيبة سيادية الى جانب حقيبة خدماتية أساسية. وعندما جرى توزيع الحقائب، أعطت السلطة الكتلة حقيبة الأشغال. لكن رفض الاكثرية إعطاء حقيبة سيادية عقّد الأمر، وجرت محاولة تكبير منصب نائب رئيس الحكومة وتصويره على أنه إنجاز لمصلحة الكتلة، بينما هو أمر واقع في حال توزير اللواء عصام أبو جمرة لأنه أحق بالمنصب بحكم الأقدمية من الآخرين، وتحديداً من الوزير إلياس المر.
وفي مرحلة لاحقة، جرى الضغط على الكتلة والعماد عون للتنازل، وعندما وافق ضمناً على اقتراح أخذ الاتصالات أو العدل، فإن ذلك تمّ بدلاً من الحقيبة السيادية، لا تخلياً عن حقيبة خدماتية. أمّا العرض الأخير الذي نقله السنيورة الى الرابية، فيفرض على عون وكتلته التخلّي عن الحقيبة السيادية وعن الحقيبة الخدماتية أيضاً، وهو الأمر الذي لا يمكن الموافقة عليه.
ويضيف المقربون من عون: «حتى في الاجتماع القيادي للمعارضة، فإن الاتفاق لم يحصل على أساس أن نتنازل نحن عن الحقيبة الخدماتية، وبالتالي عندما شرعنا في المحادثات مع السنيورة كانت الأمور واضحة من جانبنا، علماً بأن الأخير قدم لنا الكثير من المبررات عن عدم إمكان الموافقة على منحنا حقيبة الأشغال لأسباب تتصل بوضع الأكثرية، وبالتالي فإن هذه المشكلة ليست من مسؤولية التيار أو الكتلة».

مسار أمس

وقبل منتصف ليل امس، تهاوت الآمال بعد رفض متبادل من السنيورة وعون للعروض المتقابلة، فعادا بالأزمة الحكومية الى النقطة الصفر. وباتت مفتوحة على تمديد جديد في ظل تعارض المواقف والشروط المتبادلة. وتوصلت خلاصة مشاورات واتصالات أمس إلى نتائج أبرزها:
1 ـ العودة إلى الصيغة السابقة للوزراء الثلاثة لرئيس الجمهورية، أي توزير الياس المر في حقيبة الدفاع الوطني، ووزير ماروني لحقيبة الداخلية، وآخر كاثوليكي وزير دولة. ولا يزال سليمان يتكتّم على هويّة الوزيرين الماروني والكاثوليكي.
2 ـ إخراج الحقائب السياديّة من بازار التجاذب والشروط واعتبار تقسيمها وتوزيعها نهائياً، بحيث رست كالآتي: حقيبتان سياديّتان لرئيس الجمهورية هما الدفاع الوطني والداخلية، وحقيبة سياديّة للمعارضة هي الخارجية، وحقيبة سياديّة للموالاة هي المال.
3 ـ باتت المشكلة في الحقائب الأساسية. فالسنيورة يريد بقاء الوزير خالد قباني في حقيبة التربية الوطنية والتعليم العالي، بينما تردّد اسم النائبة بهيّة الحريري لهذه الحقيبة، الأمر الذي أحرج السنيورة. والنائب سمير الجسر من تيار المستقبل سيعيّن وزيراً للعدل لأن التيار يتشبّث بها، والرئيس أمين الجميّل يريد استرجاع حقيبة الصناعة التي كانت لنجله الوزير الشهيد بيار الجميل. أمّا درزيّاً، فسيظل الوزير غازي العريضي على رأس حقيبة الإعلام، بينما أكدت معلومات موثوق بها أن النائب جنبلاط لن يتخلّى عن الوزير مروان حمادة الذي سيبقى في الحكومة الجديدة، من غير أن يكون واضحاً حتى الآن إن كان سيتسلّم حقيبة أم سيعيّن وزير دولة. أمّا الوزير الدرزي الثالث فهو النائب السابق طلال أرسلان.
أما بالنسبة الى العماد عون، فإن حصته هي خمسة وزراء. وسيكون لحزب الطاشناق وزارة دولة. وقد استمر الجدل حول هوية حقائب عون. وتعقّد الأمر مع دخول القوات اللبنانية على خط وزارة الأشغال والنقل ومطالبتها بها كي تتساوى حصتها في الحقائب الأساسية بحصة عون لكونها تعتبر نفسها منافسة له على الساحة المسيحية. وفي حال الإصرار على إبقاء حقيبة السياحة فقط بيد القوات، فإنّها ستعتذر عن عدم المشاركة، علماً بأن جعجع لا يزال مصراً على مقعدين وزاريين.
ومساءً تبادلت أوساط السنيورة وعون الاتهامات برفض العروض. وفيما قالت أوساط الرئيس المكلف إنها ترفض إعطاء حقيبتي الاتصالات والأشغال العامة والنقل لعون وإن عليه أن يختار إحداهما مع الحصة الباقية المعروضة له وهي نيابة الرئاسة والشؤون الاجتماعية والشباب والرياضة ووزارة الدولة، قالت أوساط عون إنه مصر على الحقيبتين وإلا فلن تبصر الحكومة الجديدة النور، الأمر الذي يجعل تأليف الحكومة في مأزق جدي في ظل التفاف المعارضة حول عون واعتبارها أن لا حكومة جديدة لا تحظى برضى عون وموافقته.
كذلك برز أمس عائق آخر تمثّل برفض الوزير الياس المر، وفقاً لمصادر أكثريّة، التخلّي عن موقع نائب رئيس مجلس الوزراء للّواء عصام أبو جمرة، وأبلغ المعنيّين تفضيله التنحّي الكامل في هذه الحال. وشكّكت مصادر مقرّبة من تيار المستقبل في قدرة السنيورة على إيجاد حل، قائلةً إنّه «يساوم في معظم الحالات على غير ما يملك».