تختصِر صور «السيلفي» التي التقطها الرئيس سعد الحريري بعد إعلان لائحة «البيارتة» طريقة تعاطي تيار «المستقبل» مع بلدية بحجم بلدية مدينة كبيروت. أرادها خطوة عفوية وشعبية، لكنها لم تخلُ من خفّة ممزوجة بكثير من الفرح، بعدما كفى التوافق «المستقبل» شرّ القتال، وأمّن له إقامة مستمرة على بوابة بلدية بيروت وأموالها زمنَ الشح السعودي «أنتم أهل بيروت. أنتم البيارتة. هذه لائحتكم». هكذا توجّه الرئيس سعد الحريري الى أهل العاصمة من منزله في وادي أبو جميل. لم يقُل «نحن» بل قال «أنتم». و«الشيخ» صادق في ما يقول. «هذه لائحة العيش المشترك، هذه لائحة المناصفة الحقيقية التي نادى بها دوماً الرئيس الشهيد رفيق الحريري». استحضار الرئيس الشهيد مطلوب في مناسبات كهذه، إذ لا ذكريات لـ«الشيخ سعد» مع أهالي بيروت الذين غيّبه البعد عن الكرسي عنهم لسنوات. وفي مناسبات كهذه أيضاً، لا بد من بعض العزف على سيمفونية «العيش المشترك»، فهذه من عدّة «الشغل». لائحة «البيارتة» التي أعلنها الحريري في حضور رئيسها المهندس جمال عيتاني وأعضائها، تبنّت شعارات متواضعة، تصلح لكل زمان ومكان. الوعود وزّعها «العمدة» عيتاني على الحاضرين: الهدف الأساس أن «تظل بيروت لأهلها بس». وعد يلامس حدّ العنصرية، لرجل تناسى أنه يتحدّث عن مدينة وعاصمة. قال إنه سيضع خبرة 30 عاماً في تنظيم المدن بخدمة أهالي مدينته. هل كان يتحدّث عن التنظيم على طريقة «سوليدير» التي هجّرت «البيارتة» وغيرهم من وسط مدينتهم وأسواقه؟ أم على طريقة «العبدلي» في العاصمة الأردنية، المشروع الذي خرج منه عيتاني بطريقة لا تزال «غير واضحة» الأسباب؟ كلامه يوحي كما لو أن «سَلَفه» في رئاسة المجلس البلدي، بلال حمد، فرضته على العاصمة قوة احتلال، وأن مجلسه البلدي لم يكن كـ«شركة خاصة» مملوكة لآل الحريري! تتالت الوعود بالمشاريع: خدمة طوارئ صحية، تشجيع المشاريع الثقافية، زيادة عديد شرطة بلدية بيروت وتنظيمها، استحداث خدمة الإنترنت المجانية. كذلك تعهد «بتخمينات عادلة ومنصفة، وتسريع إنجاز معاملات المواطنين مع اعتماد الشفافية، واستحداث تطبيق على الهواتف لتقديم الاقتراحات والشكاوى، وإنشاء خط ساخن على مدار الساعة لتلقّي الشكاوى، وتخصيص يوم في الأسبوع لاستقبال المواطنين من دون أي موعد مسبق والاستماع اليهم». وأكد أنه سيتم العمل «على توأمة بيروت مع عدد من العواصم للاستفادة من خبراتها». وعود عامة وبلا أي خطة عمل، ولا تلامس المشكلات الحقيقية لبيروت وضواحيها. ربما لم تتسلل إلى «بيت الوسط» رائحة النفايات المتكدسة منذ ثمانية شهور، ولا أصوات أبواق السيارات المختنقة في طرقات مدينة بلا نقل مشترك ولا مساحات عامة، ولا روائح المجارير المنبعثة من عين المريسة، والتي لم يجد حمد حلاً لها سوى نقلها من الشاطئ إلى عمق البحر بلا أي معالجة.
حزب الله لم يتمثّل
في لائحة الحريري ولم يعلن موقفه
من الانتخابات بعد

بعد الانتهاء من مراسم إعلان اللائحة، عقد الحريري اجتماعاً مغلقاً مع رئيس اللائحة وأعضائها. وبحسب مصادر الاجتماع، كان «الجوّ إيجابياً جداً»، وخرج الجميع متفائلاً على صعيد خوض المعركة وما بعدها. وقد تمّ الاتفاق على أن يباشر المرشحون جولاتهم في مناطق بيروت منذ اليوم.
كل القوى السياسية الكبرى تمثّلت في لائحة الحريري، باستثناء حزب الله. القديم بقي على قدمه في ما يخصّ المقاعد الثلاثة المخصصة عُرفاً لأبناء الطائفة الشيعية، من بينها خليل شقير الذي سمّاه الحريري عام 2010 مكان مرشّح الحزب الذي قاطع الإنتخابات ترشيحاً وانتخاباً، تضامناً مع العماد ميشال عون. ولكن، لماذا غُيِّب الحزب ــ أو غاب ــ عن لائحة الحريري التي ضمت مرشحين عن التيار الوطني الحر هذا العام؟ وما هو مسار المفاوضات غير المباشرة التي حصلت بينه وبين تيار المستقبل عبر حركة أمل؟ هل يواصل الحزب الإعتصام بسياسة الصمت أم أنه سيُعلن شيئاً ما خلال الساعات الأخيرة قبل إغلاق باب الترشيحات؟ وهل يعني سكوته علامة رضا أم إشارة إلى عدم إعطائه غطاء للائحة؟
بحسب المعلومات «لم يحصل أي نقاش مباشر بين حزب الله والرئيس الحريري بشأن الإنتخابات البلدية». عوضاً عن ذلك «تولت حركة أمل التفاوض المباشر مع تيار المستقبل في ما يخصّ تمثيل الحزب». فكان جواب الحريري، من باب التمنّي، أن «من الأفضل أن يبقى الأعضاء الشيعة على حالهم دون تغيير، ما دام الرئيس نبيه برّي أصر على الإبقاء على مرشّحه فادي شحرور». علماً أن «رئيس مجلس النواب كان مطالباً من قبل العائلات البيروتية باستبدال شحرور بمرشح آخر». الإصرار الحريري خلق عند الحزب شعوراً بأن المقصود من كل ما يُحيكه الشيخ سعد الإبقاء على شقير في المجلس البلدي، وبالتالي توريط الحزب مع العائلات، على أساس أنه في حال اختار الحزب المشاركة فسيكون على حساب مقعد العائلات البيروتية. هنا، آثر الحزب الصمت. لم يحسمها إيجاباً ولا سلباً. وهو لا يريد أن «يُتهم بأنه يعمل على تسخين المعركة البلدية في بيروت إذا ما قابل تمنّي الحريري بالرفض». عند هذا الحدّ توقّفت النقاشات، وذهب الحريري إلى تأليف لائحة من دون مرشّح عن الحزب. مصادر فريق الثامن من آذار تجزم أن «الحزب حتى الساعة لم يتخذ قراراً في ما يتعلق بالإنتخابات». ولا يزال الموضوع «مدار بحث». الأمر الذي يضعه أمام ثلاثة خيارات: مقاطعة الانتخابات البلدية ترشيحاً واقتراعاً، كما في عام 2010، أو المشاركة انتخاباً فقط، أو المشاركة ترشيحاً وانتخاباً عبر تسمية مرشّح عنه في الساعات الأخيرة. المصادر استبعدت الفرضية الأخيرة، إذ إن أجواء الحزب تشيع بأن «المعركة مش محرزة في البعد السياسي»، وهو بالنتيجة لا يرى في هذا الغياب أي خسارة عملية. لكن حتى الآن، ماكينات الحزب «شغاّلة» لانتخابات المختارين، تماماً كما في عام 2010.