strong>نصر الله يعلن معركة الدفاع عن المقاومة والحريري يريد الحوار وجنبلاط يطلب الحماية
لم تمض ساعات قليلة على إنهاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مؤتمره الصحافي، حتى كانت مجموعات من مقاتلين تابعين لقوى من المعارضة قد احتلت مراكز تيار المستقبل في مناطق عديدة من بيروت، وحصرت المواجهات في بعض الطرقات الفرعية المؤدية الى قصر قريطم والسرايا الحكومية ومنزل النائب وليد جنبلاط في كليمنصو، فيما أبقيت منطقة الطريق الجديدة خارج دائرة المعارك بقرار من قيادة المعارضة.
وفيما ظلت عمليات إطلاق النار تجري بصورة متفرقة في المناطق المحاذية للطريق الجديدة، طلب النائب وليد جنبلاط من الرئيس نبيه بري توفير الحماية الشخصية له ولأنصاره قرب منزله في كليمنصو، في مقابل أن يسلم جميع مراكزه للجيش اللبناني ويعود جميع مقاتليه الى بيوتهم.
وترافق الانهيار الميداني للموالاة مع تراجع سياسي غير مكتمل، تمثّل في مواقف صدرت عن جنبلاط والنائب سعد الحريري ركزت على الحوار ووقف المعارك، وذلك على اثر خطاب نصر الله، الذي حذر من أن المقاومة تعتبر نفسها في حالة دفاع عن النفس وهي مستعدة للذهاب الى أبعد الحدود في معركة الدفاع عن سلاحها. لكن الموالاة طرحت مبادرة حوارية، رفضتها المعارضة بلسان الرئيس بري، الذي أبلغ الموقف مباشرة الى الحريري وجنبلاط ودعاهما الى الأخذ بطرح السيد نصر الله.
وفيما كانت أوساط الموالاة تصاب بالذهول إزاء الانهيار الكبير والسريع في الشارع، كانت القيادات الموالية تعيش وضعاً أصعب بعد سماع نصر الله الذي «كان مفاجئاً في حدته، والأمر لا يستأهل كل هذه الضجة وهناك إمكان لمعالجة ما قرّرناه في مجلس الوزراء» على ما قال الرئيس فؤاد السنيورة لوزراء كانوا في مكتبه، علماً بأن موظفاً رفيعاً في وزارة الاتصالات كان قد تعرض للتأنيب من السنيورة نفسه عندما ناقش معه أمر شبكة الاتصالات قبيل الجلسة الشهيرة للحكومة، وذلك بعدما قال الموظف إن الأمر لا يحتاج الى قرار كبير وإن الأبعاد السياسية ستكون مدمّرة، فرد السنيورة عليه «انتبه أنت موظف ولا يحق لك الكلام في السياسة».
والبارز في كلام نصر الله كان إعلانه أن البلاد دخلت مرحلة جديدة بعد قرارات «حكومة وليد جنبلاط» كما سمّاها. وبرغم الطابع الهادئ لمؤتمره الصحافي، فإن حزماً اتسمت به مواقفه التي حددها برفض وقف الاحتجاجات القائمة الآن في الشارع حتى يتراجع فريق الأكثرية عن قراراته الخاصة بالمقاومة وسلاحها وشبكة الاتصالات الخاصة بها وإلغاء قرار إعفاء رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير من مهامه والعودة الى طاولة الحوار.
وكان لافتاً إعلان نصر الله التخلي عن كل الخطوط الحمراء التي كانت قائمة سابقاً. وقال بلغة تشبه لغته الحاسمة التي توجه عادة الى الاسرائيليين إن «اليد التي ستمتد الى المقاومة ومناصريها والذين يساعدونها ستقطع». كما رفض التهويل بالفتنة السنية ـــــ الشيعية، مشدداً على أن المخرج الوحيد هو عودة الاكثرية عن القرارات والذهاب الى طاولة الحوار.
وعلم أن اتصالات جرت ظهر أمس بين قيادات فريق 14 آذار، وضمنها زيارة لغسان تويني إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل دقائق من تعرّض منزل الأخير للقذائف، ثم استؤنفت الاتصالات على اثر المؤتمر الصحافي للسيد نصر الله. وبرزت أكثر من وجهة نظر أبرزها لقائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع، الذي طالب بإعلان الاستنفار ودعوة جميع القوى الامنية والعسكرية الى الشروع في عملية عسكرية ضد قوى المعارضة. وحمل جعجع على موقف قيادة الجيش، وخصوصاً بعد تعثر اقتراح إعلان حالة الطوارئ وفرض نظام منع التجول.
في هذا الوقت، كان هناك قياديون في تيار المستقبل يتحدثون عن استعدادات على الأرض لما سمّوه «شن هجوم مضاد». لكن الواضح أن جنبلاط، الذي رأى في كلام نصر الله «قراراً بإعدامه»، أصر على الحريري أن يتم الخروج بموقف يدعو الى الحوار والى الحل.
وأجرى جنبلاط والحريري اتصالين بالرئيس بري، الذي كان يستمع الى انفجارات القذائف والرصاص المنهمر بالقرب من مقر الرئاسة الثانية. وهو أبلغ الحريري كما جنبلاط، أن المعارضة لا يمكن أن تقبل باقتراح رئيس الأكثرية، لأن الحكومة هي من قرر والجيش يتولى التنفيذ.
وقال بري لجنبلاط «هذه المراسيم لا تلغى إلا بمراسيم، فلا تحاول المراوغة قانونياً. ولماذا تريدون توريط الجيش أكثر؟». ثم عاد وقال للحريري «على أساس أنت لا تتحدث إلا مع السيد حسن؟ ثم أنا سمعتك على التلفزيون، وهذا لا ينفع. اسحبوا هذين القرارين ثم لنذهب إلى الحوار. وكيف تضعون (العماد ميشال) سليمان على رأس الحوار.. أبصفته رئيساً؟ أنتم تريدونه أن يكون رئيساً لكم ويدير لكم الحوار، أم بصفته قائداً للجيش وعندها تورّطون الجيش أكثر. المطلوب هو العودة الى حوار وليس إنهاء المبادرات وسلة الحل، والمطلوب الآن العودة الى طاولة الحوار في المجلس وليس انتخاب الرئيس أولاً».
وأكد بري للرجلين أن موقف المعارضة واضح وقد أعلنه السيد نصر الله ولا عودة عن الخطوات المتخذة على الارض. وقد تبيّن لبري أن جنبلاط هو من صاغ تلك «المبادرة الرباعية» ومررها إلى الحريري كي يعلنها على انها مبادرة منه. وقرر بري إرجاء أي اتصالات سياسية إلى الصباح.

ميدانياً

وبعد فترة من الهدوء استمرت لساعات نهاراً، كان عناصر من تيار المستقبل، بمساندة عناصر من الحزب التقدمي وبعض العناصر الأمنيين الرسميين الذين يعملون في مواقع الحماية والحراسات، قد أظهروا مؤشرات على نيتهم الهجوم على بعض المناطق، ولا سيما مقر بري في عين التينة ومقر الاعتصام في وسط بيروت.
وخلال خمس ساعات، استسلم نحو 800 مقاتل من تيار «المستقبل» في المناطق الممتدة من رأس النبع وبشارة الخوري ومار الياس والزيدانية وعائشة بكار وفردان وساقية الجنزير وطلعة فردان وصولاً الى مناطق الملا. فيما نقلت مجموعات من هؤلاء المقاتلين الى تجمعات في الحمرا ومستشفى الأطباء في الوتوات، بينما كانت الحشود الاخرى تنتقل الى مناطق في الطريق الجديدة التي أقفلت على نفسها، وخصوصاً بعدما فر العشرات من عناصر الحزب التقدمي الاشتراكي من مناطق الكولا ووطى المصيطبة، رافضين حتى القتال لوصل الطريق الجديدة بالمنطقة الممتدة صوب الاونيسكو. وتلقت جهات قريبة من تيار «المستقبل» تحذيرات من منظمات فلسطينية من مغبة توريط المخيمات الفلسطينية في المعارك الدائرة.
وبعد عقد ثلاثة اجتماعات في قريطم ضمّت مسؤولي التيار الميدانيين وقيادات من جهات أمنية رسمية، تم الاتفاق على حصر التجمعات العسكرية في المناطق المحيطة بقصر قريطم ومنزل جنبلاط في كلمينصو والطلب الى الجيش تعزيز حضوره بالقرب من السرايا الكبيرة، فيما كانت البلبلة تسود صفوف المقاتلين الذي صاروا يطلقون النار بعشوائية قبل أن يتركوا السلاح ويلجأوا الى منازل مدنية للاختباء. وتبيّن أن غالبية هؤلاء من مناطق شمالية وبقاعية.

الجبل والمناطق

وفيما بادر مسلحون من قوى الموالاة الى قطع عدد من الطرقات في البقاعين الأوسط والغربي وعلى الساحل المؤدي الى صيدا، سارعت قيادات من تيار «المستقبل»، تتقدمها النائبة بهية الحريري، الى مطالبة هؤلاء برفع العوائق، بينما كان مناصرون لجنبلاط يسحبون عدداً من المقاتلين من بعض قرى إقليم الخروب بناءً على أوامر منه دعت الى «حصر المواجهة بين المستقبل وحزب الله». وطلب جنبلاط من وفد من رجال الدين الدروز التوجه اليوم الى بلدة القماطية في قضاء عاليه لـ«حفظ العيش المشترك» في الجبل، وذلك فيما كان رؤساء عشائر في البقاع يتواصلون مع وجهاء مقربين من حزب الله لمنع انتقال الصدام الى تلك المناطق.
أما في الشمال، فقد تولى قياديون في «المستقبل» ورجال دين يعملون مع دار الفتوى العمل على إطلاق عملية تعبئة لنقل مئات المقاتلين الى بيروت، إلا أن اتصالات جرت ليل امس لوقف هذه العملية، لأنه لم تعد هناك إمكانية لإيصال هؤلاء الى مقار قد أخليت. وقد سادت حالة من الهرج والمرج في صفوف مجموعات أمنية وعسكرية تابعة لفريق الموالاة، علماً بأن مقاتلين من أنصار «القوات اللبنانية» استنفروا في مناطق بشري والكورة.

مجلس الأمن

وفي نيويورك، لوّح المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة، زلماي خليل زاد، بعقوبات دولية إذا لم تتحرك سوريا وحزب الله لتسوية الازمة في لبنان. وأضاف «أصبح لبنان مرة أخرى على شفا هاوية»، مشيراً إلى أن حزب الله يحاول إقامة «دولة داخل دولة» وأنه ينبغي له أن «يعمل في إطار القانون ويكف عن تحدي الحكومة الشرعية في لبنان ويدعم انتخاب رئيس». وقال زاد «هناك تدخل من دول المنطقة... بما يرمي الى زعزعة استقرار لبنان». وأضاف، رداً على سؤال عن الخطوات التي قد يتخذها مجلس الأمن، «تعلمون الخيارات المتوافرة لدى المجلس. هناك القرارات وهناك العقوبات. كل هذه خيارات متوافرة للمجلس».
وكان خليل زاد يتحدث بعد اجتماع لمجلس الأمن حذر خلاله ناظر القرار 1559 تيري رود لارسن من أن الأزمة في لبنان هي الأسوأ منذ الحرب الاهلية. وقال «أستطيع فقط أن أكرر ما قلته للتو من أن جميع القضايا التي تجري في لبنان يجب أن تحل من خلال الحوار السياسي. رئيس البرلمان (نبيه بري) دعا الجميع إلى حوار لا يتعلق فقط بالأمور اليومية المباشرة المتعلقة بوقف العنف، بل أيضاً القضايا السياسية الأعمق من أجل إيجاد حل للقضايا التي تهدد استقرار البلاد».
وفي باريس، عبّرت وزارة الخارجية الفرنسية عن «القلق» من الوضع السائد. ودعت، في بيان، إلى «الاعتدال في التصريحات والأعمال» وإلى «العودة إلى الحوار داخل الإطار الدستوري».
وكان مصدر سياسي سوري قد أعرب لـ«الأخبار» عن تخوّف بلاده من أن تكون «الفتنة» بدأت في لبنان، فيما دعت واشنطن حزب الله إلى «التوقف عن نشر التوتر». وأعربت القاهرة عن دعم عقد اجتماع عاجل لوزراء الخارجية العرب لبحث الوضع اللبناني، الذي دعت السعودية أطرافه إلى عدم خدمة «قوى التطرّف الخارجية».