strong>برّي ينتظر موافقة صريحة على الحوار و14 آذار تستنجد بالخارج والجيش يتسلّم مراكز الموالاة


ليس أقسى من العنف المدوّي في المدينة سوى العنف الذي يرمي بثقله في المكان الخطأ. وكلّ احتجاج سابق أو لاحق على أداء وسيلة إعلاميّة، لا يمكن أن يتحوّل حجّة للإقدام على عمل كالذي تعرّضت له مجموعة «المستقبل» الإعلامية أمس. والصمت الذي أطبق على وسيلة مرئيّة ومسموعة ومطبوعة لمجرّد أنّها تمثّل رأياً مختلفاً، ليس هو الصمت الذي يمنع وصول الصوت. هو نفسه الصوت الذي حاول كثيرون من مواقع مختلفة ولأسباب مختلفة كتمه، لمجرّد أنّه لا يروق لمن بيده الأمر.
خطأ المعارضة في التعرّض لوسائل إعلام «المستقبل» جسيم، لا يبرّره أيّ جموح أو مبالغة، هو خطأ لا تعالجه لعبة رمي المسؤولية على هذا أو ذاك.
كلّ التضامن مع مجموعة «المستقبل» الإعلاميّة.
«الأخبار»


لم تفتح أبواب الحلول بعد، والتطوّرات الميدانية التي أحدثت الصدمة والإحباط لدى فريق السلطة لم تترجَم تغييرات سياسيّة جوهريّة، فيما باشرت عواصم غربية وعربية مدّ فريق 14 آذار بالدعم المعنوي وسط تباين بشأن إمكان انعقاد اجتماع وزاري عربي غداً في القاهرة. وبقيت دعوات أقطاب الاكثرية النيابية الى تسوية وسطية مع المعارضة دون تجاوب، مع بروز مبادرة يمنيّة تدعو الى استقالة الرئيس فؤاد السنيورة مقدّمةً للحلّ.
وفيما انحسرت الاشتباكات بصورة شبه كاملة من العاصمة التي باشر الجيش انتشاراً واسعاً في أحيائها، انتقل التوتّر منذ ظهر أمس الى مناطق الشوف وعاليه، وسط توقّعات بأن يبتّ الجيش خلال الساعات المقبلة مصير مراكز ومسلّحي الحزب التقدمي الاشتراكي و«المستقبل» في جبل لبنان، بعدما تسلّم بعد منتصف الليل كافة المراكز الاشتراكية في الشوف، وذلك تفادياً لمواجهة بدت حتميّة من خلال «إنذار» وجّهته المعارضة بأنّ «عدم إنجاز الأمر سريعاً سوف يؤدّي الى أوضاع مختلفة في تلك المناطق»، وخصوصاً أنّ مواجهات متفرّقة حصلت في سوق الغرب وعاليه وبعض البلدات الشوفية. ورفض النائب محمد الحجار تسليم مراكز «المستقبل» والأسلحة الى الجيش في إقليم الخروب.
وبينما أعلنت قوى 14 آذار رفضها استقالة حكومة الرئيس السنيورة وطالبت بدعم عربي وخارجي، أعلن رسمياً في الجامعة العربية أمس الجمعة أن وزراء الخارجية العرب سيعقدون يوم غد الأحد اجتماعاً طارئاً لبحث الأزمة اللبنانية، تلبيةً لطلب السعودية ومصر اللتين تقدّمتا رسمياً امس بطلب الاجتماع في ضوء التطورات، وأعربتا عن قلقهما ومخاوفهما من انعكاس الحوادث على المنطقة.
أما في واشنطن، فقد أعلن الناطق باسم البيت الأبيض أن الولايات المتحدة تجري مشاورات مع حلفائها في مجلس الأمن ودول أخرى لاتخاذ إجراءات تتضمّن تحميل «المسؤولية» لمن قال إنهم وراء أعمال العنف في بيروت، في إشارة إلى حزب الله وسوريا ولبنان.
وفي بيروت، لم يتأكد ما إذا كان النائب وليد جنبلاط قد أبلغ الرئيس نبيه بري الموافقة على مبادرته الحوارية، إلا أن رئيس المجلس كان قد أكد لزواره أنه لا يزال ينتظر رد النائب سعد الحريري على مبادرة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. ويقول بري إنه لا حل خارج هذه التسوية. وأدرج موقفه وفق المعطيات الآتية:
1ـــــ لا يزال متمسكاً بدعوته الى الحوار الوطني وفق البندين اللذين سبق أن اقترحهما وهما حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب. وإذا رفضت الحكومة وقوى 14 آذار استجابة الدعوة، فإنّ الإضراب العام سيستمر، وسيتحوّل تدريجاً الى عصيان مدني، الأمر الذي يوجب على الغالبية ملاقاة المعارضة في الحوار إذا كانت تريد إخراج البلاد من المأزق.
2ـــــ ليس في الوارد استغلال ما حدث في الساعات الاخيرة سياسياً، ولذا يقول بري إنه لم يُدخل أي تعديل أو شروط جديدة على مبادرته للحوار، ورفض مطالبة بعض أفرقاء المعارضة بدعوة السنيورة الى الاستقالة، لأن المطروح حالياً هو التراجع عن القرارات الاخيرة والذهاب الى طاولة الحوار فوراً. وقال: «كانت قرارات خاطئة لا أكثر من ذلك، ولم يؤيّدها كل الوزراء. وكانت الحكومة تعرف أنها لن تستطيع تنفيذ قرارات كهذه. لا بد لها من إلغائها فوراً والعودة الى ما كان عليه الوضع قبل اتخاذها في ذلك الفجر ونذهب من ثم الى الحوار».
وأوضح أن صوته بحّ في السنوات الثلاث الماضية وهو يدعو الى الحوار ويحذر من الوصول الى ما وصلت إليه الأوضاع في الساعات الاخيرة، و«استخدمت شتى التعابير في معرض التحذير كالشر المستطير وسواها، كي لا نصل الى ما وصلنا إليه الآن، لكن لم يشأ أحد أن يصغي الى أن أصبح الحوار في الشارع. فهل هذا ما يريدونه».
3ـــــ يصر رئيس المجلس على انتشار الجيش في كل أحياء بيروت وسحب المسلحين من الشارع. ويتذكر النتائج الاولى التي انتهت إليها انتفاضة 6 شباط عام 1984 وحصلت يومذاك فوضى وتجاوزات حملته على القول إن بيروت قميص وسخ لا يريد أن يلبسه في معرض حديثه عن الأمن في بيروت. وأضاف بري: «الظروف تغيّرت ولا بد من وضع الامن في عهدة الجيش كي يتحمّل هو مسؤوليته، وهو مستعد لذلك».
4ـــــ لم ينقطع الاتصال بين بري وجنبلاط مباشرة أو من خلال النائبين علي حسن خليل ووائل أبو فاعور. ومساء امس اتصل بري بجنبلاط وسأله عن موقفه من الحوار، فرد الاخير بأنه يؤيّد دعوته الى الحوار، فقال بري إنه لا يزال ينتظر موقف الآخرين في إشارة الى الحريري.
5ـــــ تلقى بري مساء امس سلسلة اتصالات أبرزها من رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم، ومن وزير الخارجية الإسباني ميغل أنخل موراتينوس ومن وزير الخارجية الايطالي الجديد فرانكو فراتيني. وأبلغ موراتينوس بري دعمه مبادرته للحوار ورأى فيها مدخلاً مهماً للحل، قائلاً إنه سيبذل جهوداً أوروبية لتشجيع تحقيق هذه الخطوة وإنهاء الأزمة الحالية في لبنان. أما فراتيني فعزّى بري بالمعاون الأول في شرطة المجلس الذي قتل برصاص أنصار تيار المستقبل على منزل بري في عين التينة، واستوضحه وضع القوة الدولية في جنوب لبنان في ضوء الحوادث الاخيرة واحتمال تعرّضها لأخطار، فرد بري بأنه يدعم الجنود الدوليين منذ عام 1978 و«بيننا خبز وملح ودم وزواج ومصاهرة، ولا مشكلة حيالهم». كذلك شجع الوزير الايطالي على الحوار الداخلي بين الافرقاء اللبنانيين.
6ـــــ لا يرى رئيس المجلس مصلحة في انعقاد الاجتماع الوزاري العربي في القاهرة غداً وقال: «إذا كانوا سيجتمعون من أجل إدانة فريق لبناني ودعم آخر والدخول طرفاً في المشكلة فإن الجامعة العربية والدول العربية ستفقد دورها لأن المطلوب تشجيع الحوار وليس الانحياز الى فريق دون آخر. كما أن تصرفاً كهذا سيؤدي الى خلافات بين الدول العربية على الوضع اللبناني وعلى ما حدث أخيراً لكونه شأناً داخلياً. وعوض الاجتماع أفضّل تأليف لجنة مساع حميدة عربية على غرار اللجنة العربية السداسية واللجنة الثلاثية العربية العليا عام 1989 فتعمل بعيداً عن الأضواء من أجل مساعدة اللبنانيين على الاتفاق».
ميدانياً
ومنذ صباح امس استفاقت العاصمة على مشهد مختلف، إذ كانت مجموعات من المعارضة قد أحكمت سيطرتها على غالبية المناطق والشوارع، فيما كانت مجموعات كبيرة من مقاتلي المستقبل والحزب الاشتراكي تسلم أنفسها مع الأسلحة الى وحدات من الجيش اللبناني التي عملت على انتشار سريع وكثيف وتسلمت كل المناطق دون انسحاب كامل لمقاتلي المعارضة الذين كانوا يعملون على «قضم» تدريجي لكل الشوارع الفرعية المؤدية الى منزل جنبلاط وقصر قريطم والسرايا الحكومية. وكان لافتاً الانتشار الكثيف لمجموعات من الحزب السوري القومي الاجتماعي في مناطق الحمرا والروشة في رأس بيروت، بينما كانت الاتصالات تنجح في إيجاد حل لمنطقة الطريق الجديدة حيث انتشر الجيش وتسلم مراكز «المستقبل» ونقل عدداً كبيراً من المسلحين الى مراكز له قبل تسهيل انتقالهم الى قراهم في الشمال والبقاع.
وكانت العمليات العسكرية قد أدت الى محاصرة المباني التي تقع فيها مجموعة المستقبل الإعلامية من المحطات التلفزيونية في سبيرز الى الروشة الى مبنى الجريدة في الرملة البيضاء. وتعرّض مبنيان في الروشة والرملة البيضاء لاعتداء وحرق، فيما كانت إدارة التلفزيون تتحدث عن دخول الجيش برفقة مسلحين عملوا على قطع وسائل الإرسال، قبل الاعلان عن توقف البث ومغادرة الموظفين الى منازلهم، بينما كان مقاتلون يرفعون علم الحزب السوري القومي فوق مبنى المستقبل المحترق في الروشة.
لكن الأنظار كانت قد توجّهت منذ الصباح الى خارج بيروت، وتحديداً الى ضواحي خلدة وعرمون وبشامون والشويفات وخلدة التي شهدت معارك بين مقاتلي الموالاة والمعارضة أدّت إلى حسم الأمور لمصلحة قوى المعارضة، فيما كانت مختلف قرى منطقتي عاليه والشوف تشهد حالة غليان واستنفارات وسط أجواء توحي باحتمال اندلاع مواجهات عنيفة، بعد مقتل عنصرين من تيار النائب السابق طلال أرسلان والتعبئة في صفوف أنصار جنبلاط وخصوصاً بعد صدور بيان قوى 14 آذار.
وحتى مساء أمس، سجّلت قوى الأمن استشهاد 18 مقاتلاً ومدنياً وسقوط نحو 54 جريحاً منذ صباح الثامن من أيار الحالي.


واشنطن تبحث قراراً أمميّاً ضدّ حزب اللّه

أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض الأميركي غوردون جوندرو أن «علاقات حزب الله مع إيران وسوريا، وماضيه على صعيد الأنشطة الإرهابية الدولية ودعم وتدريب المجموعات المتطرفة في العراق، تؤكد التهديد الذي يمثّله للسلام والأمن الدوليين».
وأضاف المتحدث في بيان صدر في كروفورد (تكساس) حيث يمضي الرئيس جورج بوش نهاية الأسبوع، إن «الولايات المتحدة تستشير في الوقت الراهن حكومات أخرى في المنطقة ومجلس الأمن الدولي بشأن تدابير يتعين اتخاذها لمحاسبة المسؤولين عن أعمال العنف في بيروت».
ولم يحدد المتحدث التدابير التي تناقشها الولايات المتحدة، لكنه أشار صراحة إلى قرارات في مجلس الأمن تؤكد سيادة لبنان، وأشار إلى أن حزب الله يعارض هذه القرارات من خلال «تقويض» سيادة البلاد.
تحرّكات في مجلس الأمن
ومن نيويورك، أفاد الزميل نزار عبود أن البعثة الأميركية في الأمم المتحدة مدعومة من فرنسا وإسرائيل بدأت حشد تأييد في مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرار بشأن الوضع في لبنان. وخلال اتصالات غير رسمية جرت خارج المجلس، تحدثوا عن «اغتصاب للسلطة» و«انقلاب» جرى في لبنان على أيدي «منظمات إرهابية تتحرك تحت غطاء مذهبي». وقالوا إن «المتمردين» يهدّدون بجعل لبنان «مرتعاً للإرهاب» وبأنهم «يأخذون لبنان رهينة ويهددون السلم والأمن في المنطقة»، وأن «سوريا هي التي تقف وراء دعم تلك العناصر والتنظيمات».
لكن مصادر دبلوماسية مطلعة قالت لـ«الأخبار» إن التجاوب مع الأميركيين وحلفائهم كان ضعيفاً، ولا سيما من الدول التي تحتفظ بقوات لها بين صفوف اليونيفيل، فيما فضلت البعثة الروسية التشاور مع موسكو في هذا الشأن. وردّت كثير من البعثات الأعضاء في مجلس الأمن بأن الحكومة لا تزال في السلطة، وأن الجيش هو الذي يمسك بالأمر، وفضّلوا التريث ومتابعة الأمور عن كثب. لكن المشاورات ستستمر حتى خلال عطلة نهاية الأسبوع.