لم يكن لتأخّر وصول الوفد العربي الى بيروت حتّى اليوم أيّ معنى سياسي، وظلت مبرراته تقنية. إلا أنّه سبّب تأخير انعقاد مجلس الوزراء لإعلان التراجع عن القرارين المشؤومين، وتوجُّه فريقي الموالاة والمعارضة الى طاولة الحوار. وبدا الوقت الضائع مناسبة للقوى كافة لتملأه بسلسلة من المواقف التي تعكس حالة الاحتقان السياسي القائم، دون أن تقفل الابواب أمام معالجات يؤمل منها وقف التوترات الامنية ومنع تمددها. وإذ ضجّت الاوساط السياسية أمس بموقف وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل الذي هاجم المعارضة وسوريا وإيران، واحتمال وقوفه خلف موقف قوى 14 آذار الرافض إنجاز التسوية سريعاً، فإن النائب وليد جنبلاط حرص على إبلاغ الرئيس نبيه بري من جديد أن قرار التراجع عن قرارات الحكومة نهائي، وأن الجميع يريدون الذهاب الى الحوار، ولكنْ هناك أوضاع على الارض يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لأن قوى معارضة تتصرف كأنها حققت انتصارات بطريقة تجعل البعض يرفض التحرك من مكانه.وعلم أن السعودية رفضت اقتراحاً بأن تستضيف قطر طاولة الحوار بين القادة اللبنانيين، وذلك بعدما اقترحت مصادر دبلوماسية عربية أن تتولى قطر، بمعاونة الامانة العامة للجامعة العربية، إدارة الحوار بين الفرقاء اللبنانيين، انطلاقاً من أزمة الثقة القائمة وبعيداً عن الإعلام والضغوط. لكن الرياض رفضت الأمر باعتبار أنها ترى في الموقف القطري انحيازاً لمصلحة أطراف في المعارضة اللبنانية.
وذكرت المصادر المطلعة أن تبادل الرسائل ظل قائماً بين الفريقين من خلال وسطاء سياسيين وأمنيين، فيما كانت الأنظار تتجه صوب الجيش اللبناني الذي واجهت قيادته الاختبار الاصعب منذ زمن بعيد، والذي تمثل في تقديم مساعد مدير المخابرات العميد غسان بلعة ونحو 40 ضابطاً يميلون الى فريق الموالاة استقالتهم من الجيش احتجاجاً على «طريقة إدارة الاوضاع في بيروت والمناطق»، ما دفع بقائد الجيش العماد ميشال سليمان الى الاجتماع ببعضهم، وتوجيهه رسالة شدّدت على أن «الجيش يواجه الآن حرباً أهلية ولا يمكنه القيام بذلك من خلال القمع»، داعياً الضباط الى التوحّد خلف المؤسسة لمواجهة التحديات القائمة ومنع انفجار البلاد.
وعلم أن سليمان رفض هذه الاستقالات، فيما اتخذ سلسلة من التدابير على مستوى إدارة غرفة العمليات ورئاسة الأركان، بما يجنّب الجيش مواجهات داخلية، وخصوصاً أن كلاً من جنبلاط والنائب سعد الحريري ورئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع أعربوا لقيادة الجيش، مباشرة أو من خلال موفدين، احتجاجهم على «ترك أمر قيادة الجيش لضباط يتبعون للمعارضة وللعماد ميشال عون على وجه الخصوص».
وإذ بدا موقف الفريقين المتنازعين مرحِّباً بالوفد الوزاري العربي الذي يصل اليوم الى بيروت، لم يخلُ الأمر من تحفّظات صدرت عن الجانبين. لكنّ اللافت في كلّ مواقف أمس كلام النائب سعد الحريري الذي اتّسم بلهجة تصعيدية، علماً بأن الأوساط القريبة منه ذكرت أنه مضطرّ لمخاطبة أنصاره وخصومه بهذه اللهجة، لكنّه موافق على اقتراحات جنبلاط. وقالت إنّ موقفه الأخير اقترن بمعطيات منها معارضته اتّخاذ القرارين في توقيت عدّه غير صائب. إلا أنه تعرّض لضغوط من حلفائه في قوى 14 آذار لحمله على الموافقة عليه، وأن اتفاقاً حصل بين مسؤولين أمنيين من تيار المستقبل وحزب الله الاثنين قضى بتجميد التحرّك المسلح لحزب الله وحلفائه في مقابل إلغاء حكومة السنيورة قراريها.
وكانت بعض المعلومات التي بلغت إلى معاوني الحريري تحدّثت عن إمكان ممارسة حزب الله مزيداً من الضغوط بفتح جبهة عسكرية في الشوف واستهداف رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط ومحاصرته سبيلاً إلى تقويض حكومة الغالبية، علماً بأن الحريري كان قد أبلغ بري عبر وسيط قريب منه موافقته على إلغاء القرارين والجلوس إلى طاولة الحوار.

برّي

ومساء امس قال الرئيس بري إنه ينتظر ما يحمله معه الوفد الوزاري العربي الزائر الى بيروت من أفكار حيال التسوية، مشيراً الى أن الجامعة العربية «اكتشفت» أخيراً ضرورة أن يكون الحل من ضمن سلّة متكاملة وألا يقتصر على بنود دون أخرى، الأمر الذي لم تلحظه على نحو صريح المبادرة العربية. كذلك اكتشف الوزراء العرب في اجتماع الجامعة العربية من خلال بيانهم الختامي أنه لا أحد في لبنان يستطيع تجاهل موقع طائفة في المعادلة الداخلية. ولم يمانع بري المشاركة في طاولة حوار وطني تعقد خارج لبنان وتدعو إليها قطر في الدوحة ويحضرها الأعضاء الـ14 لطاولة الحوار وليس أقل من ذلك، وعندئذ لا يكون هذا الحوار برئاسته لأنه بدعوة رسمية من أمير قطر ورعايته، فيترأسه رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري. أما في حال انعقاد طاولة الحوار في بيروت، فهو يترأسها ولا يديرها لأنه سيكون طرفاً فيها.
وانتقد بري بعض ما ورد في المؤتمر الصحافي للحريري قائلاً: «يتحدث الآن عن مسدّسات على الطاولة. عندما دعونا الى الحوار لم تكن هناك مسدسات، لا على الطاولة ولا الى الرؤوس، ومع ذلك رفضوا أن يحاوروا. ومن قال إن المسدسات من طرف واحد؟». وأخذ عليه أنه «يبشّر بالفتنة السنية ـــــ الشيعية في بيروت بعدما بردت الأرض عوض أن يرفضها أو يقول بمقاومتها ومنعها. على الاقل لم يقتد بوليد جنبلاط الذي فوّض في عز العمليات العسكرية في الجبل الى خصمه في المنطقة طلال أرسلان نشر الجيش، وقال إنه مستعد لأن يصبح أسير حرب ولا يسبّب حصول فتنة في الجبل بين اللبنانيين، وبذل جهوداً مضنية لمنعها وساعد على نشر الجيش وأيّد الحوار الوطني».
كذلك لم يمانع بري «أن تبيع الحكومة إلغاء القرارين للجنة الوزارية العربية إذا أرادت ذلك، إذا كانت هذا ما تفكر فيه. لكن عليها أن تلغيهما تماماً وهي حرة في الطريقة التي تبحث عنها، لكن ذلك هو المدخل الى الحل والذهاب الى الحوار ووقف العصيان المدني الذي سيستمر الى حين الذهاب الى الحوار. حتى مساء الاثنين كانت حجتهم أن لا نصاب لمجلس الوزراء. وها هو اكتمل. ونحن ننتظر إلغاءهما. إلا أن البديل من الحوار يجعل الخيارات الصعبة متاحة، وهذا ما لا نريده. نريد حوار اللبنانيين واتفاقهم في ما بينهم».
وأوضح بري ان «الجيش قدم للحكومة المخرج الملائم للقرارين بعدما كانت قد أعلنت احتكامها إليه، فطلب منها إلغاءهما بعد التحقيقات التي أجراها، وأرسل إليها كتاباً بذلك وعليها أن تستجيب، ولديّ نسخة منه إذا لم تكن تريد أن تصدق، وسأنشره إذا حاول رئيسها كما فعل قبلاً أن يكذّب الحقائق».
ورداً على ما قاله الحريري من أنه يريد أمن بيروت وانتخابات رئاسة الجمهورية بندين أولين في طاولة الحوار، قال بري: «أنا ملزم بجدول الأعمال الذي وضعته قبلاً وهو من بندين، حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب. أما انتخابات الرئاسة فهي موضوع متفق عليه، أي انتخاب العماد ميشال سليمان، مع يقيني بأن الموالاة لا تريده رئيساً إلا لضرب المعارضة والمقاومة. يريدون استخدام رئاسة الجمهورية لهذا الهدف. لكننا في المعارضة، وأنا شخصياً، لم نتخلّ عن ترشيح العماد سليمان. أما ما يتعلق بموضوع سلاح المقاومة، فما دام هناك شبر أرض تحتله إسرائيل، فإن المقاومة مستمرة في الاحتفاظ بسلاحها. وليسعوا مع أصدقائهم الأميركيين للضغط على إسرائيل كي تنسحب من مزارع شبعا، وعندئذ لا يعود هناك مبرر لوجود سلاح المقاومة».

واشنطن

من جانبها، نفت الناطقة باسم البيت الأبيض دانا بيرينو، عشية زيارة الرئيس جورج بوش الى المنطقة، أن تكون بيانات الدعم الاميركي لحكومة رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة قد ضعفت، مؤكدة أن الدعم الأميركي للبنان لا يزال قوياً. وقالت إن الرئيس بوش أصدر بياناً شجب فيه أعمال حزب الله الأخيرة في بيروت ومناطق لبنانية أخرى، وجدّد استمرار الدعم للبنان.
وأضافت ان وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس شاركت في محادثة هاتفية مع «أصدقاء لبنان» وأصدرت بياناً صحافياً تضمن دعماً قوياً للبنان.
وامتنعت بيرينو عن التعليق على مسألة نشر قوات دولية في مطار بيروت ومرفئها. وقالت إن هذه المسألة بحثت مع أصدقاء لبنان وإنها لن تعلق قبل اتخاذ قرار نهائي إزاء هذه المسألة.
وقالت إن بوش يود بالتأكيد الاجتماع مع الرئيس السنيورة في شرم الشيخ بمصر، لكن هناك اعتبارات يجب أن تؤخذ بالحسبان، ومنها أن السنيورة قد لا يستطيع العودة الى بلاده إذا ما غادرها للقاء بوش. لكنّ بيرينو رأت أن احتمال عقد اللقاء لا يزال قائماً.