تفاهم برّي ـ جنبلاط يمهّد للحلّ وعون يطرح الحكومة الانتقاليّة والجميّل وجعجع عينهما على السلاح
ينطلق في الدوحة اليوم مؤتمر الحوار الوطني بين الموالاة والمعارضة، تظلّله مناخات إقليمية ودولية تراوح بين التشجيع على خروجه باتفاق يحقّق الحل المتكامل الذي تقضي به المبادرة العربية، وبين التفاؤل الحذر والمتضمّن بعض الإيحاءات الى حرف الحوار عن البرنامج المحدّد له بنقطتين، وهما حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب الجديد، حتى إذا ما تم الاتفاق عليهما يعود المتحاورون الى بيروت ويشرعون في انتخاب رئيس الجمهورية على الفور. وقد انتقل الفريقان الى قطر على متن طائرتين، واحدة للنائب سعد الدين الحريري وثانية تخص رئيس وزراء قطر. وعُقدت مجموعة من الخلوات في الطائرة القطرية حيث اختلى الرئيس نبيه بري بالنائب وليد جنبلاط لمدّة نصف ساعة. وجرى تبادل قبل بين النائب ميشال عون والرئيس أمين الجميّل الذي عقد اجتماعاً مع رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، فيما لم يسجَّل أي لقاء بين وفد حزب الله ووفدي جنبلاط وجعجع.
وعند وصول الوفود إلى الدوحة، انتقل الجميع مباشرة الى فندق الشيراتون حيث مقر الإقامة وحيث ستعقد الاجتماعات. وجهزت للمناسبة قاعتان، واحدة جلس فيها الرئيس بري والعماد عون وبقية وفد المعارضة، وأخرى جلس فيها وفد الموالاة، ثم جاء أمير قطر ليدعو الفريقين الى قاعة ثالثة حيث ألقى الكلمة الترحيبية. وقد حصل خطأ برتوكولي مع جعجع الذي توجه بداية الى القاعة التي يجلس فيها المعارضون، قبل أن يعود الى حيث رفاقه. وقد عقد أركان 14 آذار اجتماعاً لتنسيق المواقف في ما بينهم تمهيداً لجلسات الحوار التي ستعقد اليوم.
وقال أحد أقطاب الحوار إن احتمال النجاح كبير، لمجرد الموافقة على آلية العمل في بيروت حيث حُصرت الخلافات في جدول الأعمال، وبالتالي ينبغي التركيز على موضوع حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب. وفي المقابل، أعرب مصدر في فريق الموالاة عن ضرورة عدم الاكتفاء بإقرار جدول الاعمال، إذ يجب أن يعود المتحاورون الى بيروت بما هو أهم من ذلك، وهو إعادة الثقة بين الاطراف. ورأى أن المدخل الى الحل هو المناقشة الجدية لملف سلاح المقاومة وكيف يريد حزب الله أن يبني علاقته مع الدولة اللبنانية.
بدوره، أعرب مصدر في الجامعة العربية عن تفاؤله قائلاً: لقد عدنا الى النقطة التي كانت المفاوضات قد توقفت عندها، ولكن مع جديد نوعيّ يتمثل في تراجع فريق الموالاة عن كثير من الشروط، وحتى تخفيف المعارضة من شروطها. ولذلك هناك فرصة جدية بالتوصل الى تفاهم.
وقد بدا واضحاً من أجواء الدوحة أنّ موسى والقطريّين يعملون على أن يبدأ الحوار بمناقشة جدول الأعمال وإقراره، لحسم الاتفاق على حصر البحث في بندي الحكومة وقانون الانتخاب قبل الانتقال الى مناقشة عامة للمواضيع الاخرى المرتبطة بالحوار الوطني. أما فريق 14 آذار فيضغط في اتجاه أن يبدأ البحث بمناقشة عامة لمجمل المواضيع، وخصوصاً ملف سلاح المقاومة، ثم الانتقال بعد تسجيل مواقف والحصول على مكاسب معينة، الى البحث في بندي الحكومة وقانون الانتخاب.
وفيما يأمل القطريّون أن يعود الجميع إلى لبنان خلال ثلاثة أيّام، وأن يتم انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية يوم الثلاثاء المقبل، يبدي الفريقان تشكيكاً في قدرتهما على إنجاز اتفاق بهذه السرعة.
وفيما لم تعقد المعارضة أي اجتماع تنسيقي بين أعضائها في الدوحة، فإنّ الرئيس نبيه برّي يبدو متفائلاً بعد اجتماعه بجنبلاط، إذ تم التفاهم بينهما على حكومة الثلاث عشرات، وقانون انتخاب قائم على القضاء مع إبقاء النقاش مفتوحاً حول بيروت. ولا يبدو أنّ الحريري سيعارض اتفاقاً كهذا. أمّا العماد ميشال عون الذي لا يبدو متفائلاً بإمكان إنجاز اتفاق متكامل، فسيدافع عن فكرة حكومة انتقاليّة مؤلفة من ستّة أقطاب، ترأسها شخصية محايدة، وتشرف على انتخابات نيابية. ولن يعارض حزب الله اقتراحاً كهذا. أمّا الرئيس الجميّل والنائب الحريري وجعجع، فيبدو أنّ الأولويّة بالنسبة إليهم ستكون طرح موضوع سلاح حزب الله على بساط البحث.
وقد أدلى جعجع بحديث لقناة «الجزيرة» قال فيه «هذه المرة لدينا هواجس فعلية، وما حصل أن 100 قتيل سقطوا في لبنان ومئات الجرحى خلال 3 أيام والبعض يطرح كأنه لا شيء حصل في بيروت»، وأضاف: «لا يمكننا ترك ما حصل جانباً والبحث في قانون الانتخابات أو الحكومة»، وشدد على ضرورة إيجاد حل لمشكلة حزب الله وإلا فسيكون الباقي تفاصيل بلا فائدة». وكشف عن نيته تقديم خطة لتنظيم علاقة حزب الله بالدولة، مشيراً الى مشاورات تجري بين أعضاء وفد الموالاة لتنسيق المواقف خلال الجلسات الحوارية المقبلة.
وبث تلفزيون «أخبار المستقبل» نقلاً عن مصادر حكومية أن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة سيطرح خلال اجتماع الحوار الوطني في الدوحة صيغة حكومة 13+10+7. وتوقعت أن يدوم الحوار من 4 الى 5 أيام، «وإلا فذلك يعني أن الأزمة معقدة والحوار سيطول كثيراً». وأكدت «أن الأفرقاء اللبنانيين جميعاً متفقون على اعتماد قانون انتخاب على أساس القضاء».
وكان المؤتمر قد عقد جلسته الافتتاحية في فندق شيراتون الدوحة برعاية أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وحضور رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى وجميع أعضاء الوفود اللبنانية المشاركة في مؤتمر الحوار، واقتصرت أعمال الجلسة على كلمة مقتضبة للأمير، على أن تعقد الجلسة الأولى العاشرة والنصف قبل ظهر اليوم.
مواقف من المؤتمر
وتعليقاً على الأحداث الأخيرة في لبنان، أمل وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أن تقف إيران على مسافة واحدة من الأطراف المتصارعة في لبنان، مؤكداً أن المملكة تقف على المسافة نفسها من الجانبين.
وشدد الفيصل على أن «استخدام القوة إجراء خاطئ»، وقال «يجب ألا يصوّب السلاح اللبناني إلى اللبنانيين». واستغرب موقف إيران، متسائلاً (من دون أن يسمّيها) عما إذا كانت تقف على المسافة نفسها من الطرفين.
ورداً على سؤال عن التشكيك في قدرة السنيورة على إدارة الأمور في لبنان، قال الفيصل: «السنيورة يمثّل الشرعية اللبنانية، ومن أجل ذلك نقف في صف الشرعية الدولية وحتى إن تغير (الأمر)، الوقوف بجانب السنيورة سيكون مستمراً».
وقال الفيصل إن «المملكة إذ تعبّر عن دعمها ومساندتها لما تم التوصل إليه من اتفاق يستند إلى الدستور اللبناني واتفاق الطائف، فإنها تؤكد أن المحك الحقيقي يتوقف على التطبيق الكامل والشامل لبنود هذا الاتفاق، وخصوصاً لجهة رفض استخدام العنف المسلح لتحقيق أهداف سياسية. وأضاف الفيصل «كما أننا نشدد على الالتزام بالأسس الدستورية وعناصر الحل التوافقي الشامل للمبادرة العربية التي تنص على البدء بالانتخاب الفوري للرئيس التوافقي العماد ميشال سليمان، وتأليف حكومة وحدة وطنية، والشروع في مراجعة قانون الانتخاب».
بدورها، أعربت الولايات المتحدة عن دعمها الكامل لمؤتمر الدوحة، وأكدت أنها «لن تتدخل» في المفاوضات بين الحكومة اللبنانية وحزب الله. وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية للصحافيين «نريد قبل كل شيء أن نقول إننا ندعم هذه العملية لأن هناك كثيرين يريدون أن يقولوا إننا لا ندعمها». وشدد على أن واشنطن لا تريد أن يعمد حزب الله، الذي تعدّه واشنطن منظمة إرهابية، الى التذرع بتصريحات أميركية لمغادرة طاولة الحوار إذا رأى أن التنازلات التي سيطلب المتحاورون منه تقديمها لا تناسبه.
كذلك أعلن المتحدث باسم البيت الابيض جوردون جوندرو أن السنيورة ألغى محادثات مع الرئيس الأميركي جورج بوش في مصر غداً الأحد حتى يتمكن من التعامل مع الأزمة السياسية في لبنان. وأشار جوندرو الذي يرافق بوش خلال زيارته للسعودية في إطار جولته الشرق أوسطية الى أن السنيورة ألغى المحادثات «نظراً للوضع على الأرض» في لبنان.
الى ذلك، أفادت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) الرسمية أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم اتصل هاتفياً برئيس الوزراء القطري وعبّر له عن «دعم سوريا وتقديرها للجهود التي بذلها واللجنة الوزارية العربية بغية التوصل الى اتفاق بين الاطراف اللبنانية»، معرباً عن أمله «أن يتوصل الحوار بين اللبنانيين في الدوحة الى توافق على تنفيذ المبادرة العربية».
وتلقى الشرع اتصالاً من الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى «جرى خلاله تقييم الجهود التي بذلتها اللجنة الوزارية العربية مع الأطراف اللبنانية والتي توّجت بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في بيروت».


كلمة الافتتاح

ألقى أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني كلمة مقتضبة رحّب فيها بالقادة اللبنانيين المشاركين في الحوار، وقال في كلمته:
«أيها الإخوة، يسعدني أن أرحب بكم هنا في الدوحة ممثلين لقوى الشعب اللبناني أو مندوبين عن الدول ومؤسسات عربية يعنيها ما يجري في ذلك البلد الشقيق الذي نريد جميعاً أن نحمي مستقبله بالحفاظ على وحدته. إن قطر بلد يعرف حدوده، وهو لا يسعى لدور يفوق طاقته. لكنه يطمح أن يكون ساحة لقاء للنوايا الحسنة تفتح الأبواب لحوار مفيد.
إنكم قادمون إلى هنا من بلد تقوم حياته على التراضي، وضع المؤسسون الأول ميثاقه الوطني الجليل الذي مهد لاستقلال لبنان وأسس لوطن الحرية والثقافة كما عرفته الأمة وتعلقت به، وأحسب أن لبنان كما عرفناه حاضر معكم بكل تاريخه ومستقبله، وتأمل شعوب الأمة، كما آمل معها التوافق، قادرين بإذن الله على تجنب مزالق خطرة في أوقات خطرة تهدد وطناً يستحق منا جميعاً أن نحافظ عليه ونصونه والله يوفقكم».