الأكثريّة تربط بين الثلث المعطّل وتقسيم الحريري لبيروت و«تهدّد» بطلب قوّات عربيّة
بعد نحو 48 ساعة على انطلاق الحوار الوطني اللبناني في الدوحة، بدت الصورة مقلقة، وسط تحذيرات جدّية من بيروت ومن عواصم أخرى بخطورة عدم التوصّل الى اتفاق يسمح بتسوية ينتظرها اللبنانيون. وجاءت مداولات المساء بنتائج أكثر سلبيّة بعدما أصر فريق 14 آذار على طروحات تعيد المتحاورين الى أجواء آخر جولات الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى قبل أكثر من شهر، فيما لجأت المعارضة الى مواقف تعكس رفضها ما سمّته «عملية ابتزاز لها من الفريق الآخر». وقد كان العماد ميشال عون أكثر المعبّرين صراحة عن الارتباك الحاصل في المفاوضات بإعلانه «أن هناك خروجاً عن جدول بيان الفينيسيا الذي تضمّن ترتيباً للأولويّات: حكومة وحدة وطنية، قانون انتخاب، ومن ثم انتخاب رئيس، لكنّ ما حدث هو «لخبطة» في هذه الوقائع مع تجاوز لبعض الحقوق المنتظر الاعتراف بها للمسيحيين، كأن يكونوا ناخبين لنوّابهم في بيروت».
ويمكن رسم ما يجري في قطر منذ وصول الوفد مساء الجمعة وفق الآتي:
أوّلاً: احتفاء قطري بالوفود اللبنانيّة، ولا سيّما السياسيّين منهم، ورغبة في ابتعاد الصحافيين والإعلاميين، وخاصة أن بعض الجهات عبّرت عن انزعاجها من لجوء الأطراف اللبنانية الى وسائل الإعلام لتحميل بعضها بعضاً مسؤولية عدم التوصل الى حل سريع. وثمّة رغبة قطرية في التوصّل الى حلول في أسرع وقت ممكن، وعُبِّر عن ذلك باجتماعات مفتوحة ومكثّفة تجري من دون توقّف في جناح رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم الذي أقام في الفندق نفسه الذي يستضيف الوفود السياسية، ثم في رفع مستوى المشاركة القطرية في الاجتماعات الى مستوى أمير البلاد الذي تولّى بنفسه إدارة الاجتماعات في فترتي بعد الظهر والمساء.
ثانياً: برودة في التواصل بين الفريقين اللبنانيين، ثم انكسار للقطيعة من خلال الاجتماعات الثنائية والثلاثية التي تعقد هنا وهناك، مع استمرار عدم التواصل المباشر بين حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل. وجرى تحقيق أول لقاء يجمع الاقطاب من الجانبين في اللقاء الذي دعا إليه أمير قطر وحضره الرئيسان نبيه بري وفؤاد السنيورة والنائب سعد الدين الحريري والعماد عون وآخرون. واستعيدت حرارة الاتصال على مستوى الوفود المرافقة للأقطاب، وعلى مستوى الإعلاميين.
ثالثاً: نجاح الإدارة القطرية في منع كل الفريق الذي يقود الوساطات من قطر ومن الجامعة العربية من الإدلاء بأي مواقف وتصريحات الى الاعلاميين، وإصرار الدوحة على وقف الاجتماعات الموسعة بين الفرقاء اللبنانيين لمنع الانفجار من خلال التصادم المباشر. وحُصر الحوار في لقاءات جانبية تركّز على البحث في البنود المطروحة.
أما على مستوى البحث التفصيلي، فإنّ الصورة جاءت على النحو الآتي:
أوّلاً: أُجِّل البحث في ملف سلاح حزب الله الى حين انتهاء الحكومة القطرية من إعداد مشروع بيان يتضمّن الاشارة الى السلاح، بما يحفظ حق المقاومة وأمنها وبما يحقق للسلطات الرسمية الضمانات التي تحول دون إشكالات كبيرة، وما يحقق لفريق 14 آذار مطلبه بعدم لجوء المعارضة الى استخدام السلاح لمواجهة القضايا الداخلية.
وبدا أن كل الضغوط التي مارسها فريق الاكثرية لجعل هذا البند أساسياً، لم تنجح في فتح حوار خاص أو مستقل. وكان لافتاً أن القطريين يدركون بواقعية شديدة أن الوقت ليس للبحث في هذا الأمر، وأن الاتفاق الذي أعلن في بيروت أشار الى أن النقاش بشأن السلاح يجري في بيروت ومن خلال برنامج برعاية الرئيس الجديد للجمهورية.
ثانياً: على مستوى البند الحكومي، تولّى أقطاب من فريق الاكثرية إبلاغ العماد عون وحزب الله بأن فريق 14 آذار لا يمكنه أن يقبل بمنح المعارضة الثلث المعطل، لأن في ذلك إعلاناً للهزيمة الكاملة، فيما كان بري يؤكد تلقّيه مواقف واضحة من جانب قوى رئيسية في السلطة تقول بأن الحكومة سوف تتألف وفق قاعدة إعطاء المعارضة الثلث الضامن وتوزيع بقية المقاعد بين فريق الأكثرية ورئيس الجمهورية الجديد، علماً بأن المداولات الجانبية التي جرت في وقت لاحق، كشفت عن مقايضة تقضي بموافقة الموالاة على الثلث المعطّل شرط أن توافق المعارضة على تقسيم بيروت بحسب مقترح تيار «المستقبل»، غير أن الموقف الأكثر صراحة جاء خلال الاجتماع الموسع الذي عقده أمير قطر مع فريقي المعارضة والموالاة، وتضمّن إشارة الى حكومة تنال فيها المعارضة الثلث المعطل مقابل تنازل الأخيرة عن مطالبها بشأن التقسيم الانتخابي لبيروت.
ثالثاً: استحوذ ملف قانون الانتخاب على معظم النقاشات. وقد رفضت المعارضة بقوّة اقتراحاً نقله النائب السابق غطاس خوري الى المسؤولين القطريين ويتناول تقسيم بيروت بطريقة لا تناسب المعارضة، وهو القانون الذي يبقي لتيار المستقبل الحصاد الأكبر لمقاعد بيروت. وحاول هذا الفريق رشوة العماد عون بالطلب الى القيادة القطرية إبلاغ الأخير بأنه مستفيد من تقسيم بيروت، بما يفسح المجال أمام تمثيل مسيحي نقي.
ثم تراجع فريق الاكثرية عن اقتراحه الخاص بالأقضية الادارية بعدما اكتشف أنه سيربح في مكان ويخسر في مكان آخر، وعاد الى قانون عام 1960 مع إصراره على تقسيم بيروت الى ثلاث دوائر تعطيه الأغلبية، وذلك بحجّة أنه مستعدّ لمقايضة القانون هذا بمنح المعارضة الثلث المعطّل، وأنه لا يقدر على تحمّل خسارة ميدانية في بيروت ومن ثم خسارة في الحكومة ومن ثم خسارة ومشاركة في اختيار نواب العاصمة.
وتردّد أنّ هناك من اقترح تقسيماً جديداً للعاصمة. وقد جرى الاطلاع على هذا الاقتراح الذي يبقي الأشرفية والصيفي والرميل في دائرة واحدة (منطقة مسيحية صافية) ويجمع رأس بيروت وعين المريسة والمصيطبة والمزرعة في دائرة ثانية (أغلبية سنية ساحقة) ويجمع المرفأ والمدور وميناء الحصن والباشورة وزقاق البلاط في دائرة ثالثة (مختلطة)، لكن من دون التعرف على هوية صاحب هذا الاقتراح.
وبعد جدل طويل، تدخل أمير قطر ليعقد اجتماعات منفصلة بينه وبين قيادتي الأكثرية والمعارضة، قبل أن يعود الى ترتيب الاجتماع المشترك. وهنا جرى التقدم باقتراح جديد لحل الأزمة يقوم على القاعدة الآتية:
1- يُنتخب الرئيس الجديد مباشرة.
2- تؤلّف حكومة وحدة وطنية برئاسة شخصية من فريق 14 آذار على أساس 11 وزيراً للمعارضة، و16 وزيراً لفريق الموالاة و3 وزراء لرئيس الجمهوريّة.
3- إحالة مشروع القانون الذي أعدّته لجنة الوزير الأسبق فؤاد بطرس الى المجلس النيابي لدراسته وإقراره أو إدخال تعديلات عليه.
وبحسب مشاركين في الاجتماع، فإن النائب الحريري أبلغ أمير قطر رفضه التام اعتماد قانون بطرس. ولمّا أجابه الرئيس بري بأنه يحق له في المجلس النيابي مناقشته وحتى تغيير كل بنوده إذا لزم، أصرّ الحريري على رفض المشروع. وفي الوقت نفسه، كان العماد عون يبلغ الحاضرين رفضه لهذه الصيغة التي تعدّ فسخاً لبنود التفاهم الذي يمنع على أحد انتخاب الرئيس قبل التوافق على مشروعي قانون الانتخاب وتأليف الحكومة الجديدة. وقال عون: «لستُ هنا لأدخل في عمليات بيع وشراء». وتوجّه الى أمير قطر مشيراً الى أنه دفع الكثير من رصيده، وهو غير نادم على ذلك، لكنّه يرفض بالتأكيد أن يصار الى تجاوزه في أمر مصيري كهذا. واقترح عون في المقابل تأليف حكومة انتقاليّة مصغّرة تحيل مشروع قانون الانتخابات الى المجلس النيابي للمناقشة، شرط أن لا يُنتخب رئيس جديد للجمهورية قبل انقضاء الفترة الانتقالية. وقد انضمّ حزب اللّه إلى عون في الرفض المطلق للاقتراح القطري، فتوقّفت المفاوضات عند هذه النقطة.
وجاء ردّ الأكثريّة سريعاً على لسان دبلوماسي عربي نقل استعداد فريق 14 آذار لمطالبة الجامعة العربية والأمم المتّحدة بتأليف لجنة تحقيق في الحوادث الأخيرة التي جرت في بيروت والجبل، باعتبارها جريمة ضدّ سيادة الدولة اللبنانية، وطلب إرسال قوّات عربيّة إلى لبنان، إذا استمرّ تعذُّر التوافق.
وليلاً، قصد عون الكنيسة الجديدة في قطر، فيما عقد الأمين العام للجامعة العربية جلسة خاصة مع النائب الحريري بغية التوصّل معه الى حل وسط. وبعد انتهاء الاجتماع، أشاع الحريري مناخات إيجابيّة من دون أن تتوضّح حقيقة ما حصل.

ميشال سليمان

من جانبه، أجرى قائد الجيش العماد ميشال سليمان سلسلة من الاتصالات بمشاركين في اجتماعات الدوحة، متحدّثاً عن مخاطر عدم التوصّل الى حل قريب. وأبدى سليمان استغرابه لما أثير عن قانون الانتخابات، إذ تبيّن أن مساعد النائب الحريري الدكتور غطاس خوري كان قد زار سليمان قبل السفر الى الدوحة وعرض أمامه مشروع عام 1960، إضافة إلى تعديل تقسيم بيروت على أساس ما كان الوزير السابق سليمان فرنجية قد اقترحه عام 2005.