إخلاء الوسط يسبق إخلاء السرايا وإجراءات إداريّة تمهيداً لانتخاب الرئيس وترحيب عربي ودولي
كان أمس يوماً مميّزاً رحّب فيه اللبنانيون بإعلان اتفاق الدوحة. وشهدت بيروت ومناطق لبنانية أخرى حركة توحي بأنّ الناس يخرجون لتوّهم من الحرب، فيما عاد المتحاورون الى بيروت ليواجهوا الاسئلة الكبرى المتعلّقة بتقويم ما حصل وحسابات الربح والخسارة، فيما لم يظهر الندم على من اقترفت يداه مآسي البلاد خلال العامين المنصرمين. وتحول النقاش فوراً الى متابعة الجانب البروتوكولي من الانتخابات الرئاسية والكلام الأصعب عن تأليف الحكومة الجديدة، والسؤال عن هوية رئيسها. وإذا كانت وسائل إعلام المعارضة والموالاة ستضطر خلال الساعات المقبلة الى التوقف عن كل كلام حاد أو تحريضي، فإن قيادات كثيرة من الطرفين سوف تمنح إجازة مفتوحة، علماً بأن أهم ما تحقق ربّما في الدوحة هو فتح الباب أمام صياغة تحالفات جديدة، تعيد خلط الأوراق بين تحالفي المعارضة والموالاة.
وما إن أعلن الاتفاق من الدوحة حتى شرعت المعارضة برفع الاعتصام من وسط بيروت بعد إقامة دامت منذ كانون الأول عام 2006، فيما باشرت الدوائر المختصة في رئاسة الجمهورية ومجلس النواب بالإعداد لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية المنتظر أن تعقد يوم الأحد المقبل في ساحة النجمة، ومن المنتظر أن يدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى هذه الجلسة اليوم.
ومن المرجّح أن تجري استشارات التكليف والتأليف في شأن الحكومة الجديدة إثر انتخاب رئيس الجمهورية بحيث لا ينتهي الأسبوع المقبل إلا وتكون الحكومة قد ولدت، وخصوصاً إذا لم تواجهها أي عقد استيزار لدى هذا الفريق أو ذاك، ولا سيما في ما يتعلق بالوزارات السيادية، إذ إن بعض المشاركين في الحوار من الموالاة قال لـ«الأخبار» إن المتحاورين في الدوحة اتفقوا على الحصص العددية في الحكومة، ولكنهم لم يبحثوا في الوزارات التي يفترض أن تسند إلى أيّ منهما.
برّي و«البذلة المدنيّة»
وتلقّى بري قبيل مغادرته الدوحة اتصالاً من العماد سليمان هنأه بالاتفاق، واطمأن بري منه إلى الوضع الداخلي قائلاً له: «جهّز بذلة مدنيّة».
وتطبيقاً للآلية المنصوص عليها في الاتفاق، ينتظر أن يجري بري اليوم اتصالاً بالعماد سليمان للاتفاق معه على موعد جلسة الانتخاب الأحد. ويبدو بحسب برّي أن هذه الجلسة ستعقد الرابعة بعد ظهر الأحد ثم ترفع بعد الانتخاب لتعقد جلسة ثانية لأداء الرئيس الجديد اليمين الدستورية.
ويأمل بري أن يحضر أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الجلسة، ويلقي بعد كلمة بري وخطاب القسم، كلمة باعتباره كان راعياً لتسوية الدوحة. وعُلم أن الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى سيحضر هذه الجلسة.
وكانت الساعات الأخيرة قبيل إعلان الاتفاق قد شهدت مصالحة سنية ـــــ شيعية برعاية الأمير شارك فيها بري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة ورئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الدين الحريري ورئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، وهي أول مصالحة بين الحريري وحزب الله بعدما كانت سبقتها الاثنين، برعاية أمير قطر أيضاً، مصالحة بين بري والسنيورة ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون والحريري.
ولم تنجح الجهود التي بذلت لمصالحة حزب الله مع رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، لكن جنبلاط تصافح ورعد أمس في فندق شيراتون الدوحة حيث انعقد مؤتمر الحوار.
وقال بري قبيل عودته «إن الساعات التالية لانتخاب الرئيس هي تأليف حكومة وحدة وطنية لأنها الاستحقاق الداهم».
وسئل بري هل يستعيد الاتفاق الثقة بين الأفرقاء اللبنانيين، فقال: «إذا أحسنّا العمل من الآن حتى موعد الانتخابات النيابية فسنعيد الثقة كاملة بين الأطراف، لكن ذلك يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين». وأبدى ارتياحه إلى ما حصل، وقال «إن الظروف الأخيرة أوجبت هذه التسوية وكنا نتمنى أن نصل إلى تسوية أفضل على صعيد قانون الانتخاب».
ونفى بري نفياً مطلقاً أن تكون مداولات اتفاق الدوحة قد تناولت شخصية رئيس الحكومة المقبل والوزراء والحقائب، وأشاد بأمير قطر قائلاً: «إنه لم ينقطع يومياً عن زيارة المتحاورين اللبنانيين في مقر إقامتهم وبذل جهود من أجل تسوية الأزمة، حتى إنه فور عودته فجر أمس من السعودية توجه فوراً إلى الفندق والتقى أركان الطرفين وبحث معهم في الاتفاق الذي تم التوصل إليه».
مواقف مرحّبة
وتوالت أمس المواقف العربية والدوليّة المرحّبة بالاتفاق اللبناني الذي أبرم في الدوحة، وصدر أبرزها عن دمشق وطهران، اللتين شدّدتا على دعم الاتفاق، فيما رأت واشنطن أنه «لا ينهي الأزمة»، مطالبة بتطبيق بنوده المتعلّقة بالأمن.
وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم إن سوريا «تدعم الاتفاق الذي من شأنه أن يضع حداً للأزمة السياسية في لبنان»، وقال: «إن بلاده تدعم كل ما يتوافق عليه اللبنانيون». وأعلنت وكالة الأنباء القطرية أن الرئيس السوري بشار الأسد اتصل بأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وهنّأه بالاتفاق الذي توصّل إليه الأفرقاء اللبنانيون.
ورحّبت إيران باتفاق الدوحة، وأشارت إلى أنها كانت قد كرّست كل إمكاناتها لإنجاح مؤتمر الحوار الوطني اللبناني.
وفي واشنطن، قال مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد ولش، في مؤتمر صحافي، «هذا تقدّم إيجابي وضروري». وشدد المسؤول الأميركي على أن اتفاق الدوحة يجب أن يوضع الآن موضع التنفيذ «بمجمله»، ولا سيما في بنوده المتعلّقة بالأمن. ورأى أن هذا الاتفاق «لا يمثّل نهاية الأزمة» اللبنانية، مشيراً إلى «وجوب أن يطبّق اللبنانيون هذا الاتفاق». وفي الرياض، قال سفير السعودية في لبنان، عبد العزيز خوجة، إن المملكة تؤيّد وتدعم الاتفاق الذي توصّل إليه الأفرقاء اللبنانيون، مضيفاً «نحن سعداء جداً بالتوصل إلى الاتفاق». وأكد أنه سيعود «قريباً إلى لبنان».