سليمان يفكّر بالمرّ للداخليّة والمعارضة ترفض... والموالاة تبحث في حصّة مسيحيّيها وعرض حزب اللّه للمقايضة
تعاملت قوى المعارضة وقسم من اللبنانيين مع إعادة تكليف الرئيس فؤاد السنيورة تأليف الحكومة الجديدة كأنها صدمة لما كان متوقعاً بعد اتفاق الدوحة. لكن فريق الموالاة اختصر الأمر بالقول إن السنيورة لا يمثّل شخصه، بل يمثّل فريقاً سياسياً، ووجوده في رئاسة الحكومة أمر عادي في ظلّ الحديث عن توافق. وبرّر أقطاب في فريق 14 آذار حال الابتهاج الناريّة التي أبداها أنصار تيّار المستقبل والحزب التقدّمي الاشتراكي بأنّها ردّ على ما يقوم به أنصار المعارضة، وقد جاء الرد بعدما حاولت المعارضة إقصاء السنيورة كأنه عدوّ للّبنانيين.
وإذ يبدو أنّ النقاش الذي دار حول أسباب تسمية السنيورة سيظل مفتوحاً بعض الوقت، فإنّ الواضح أنّ فريق المعارضة ليس في وارد التعامل مع هذه الخطوة على أنها ناقضة لاتفاق الدوحة، وبالتالي فإنها ستسير باتجاه التعاون في تأليف الحكومة وذلك خلال الأيام القليلة المقبلة، وستدرس طريقة تدعيم تمثيلها في الحكومة من خلال الحقائب والأسماء المرشّحة لتولّي المناصب الوزاريّة، لكنّها أقرّت بأن بقاء السنيورة بات يفرض على المعارضة البحث عن تمثيل وزاري سياسي ومن الوزن الذي يسمح بمواجهة فريق 14 آذار، لمنع أي محاولة جديدة لتعطيل الحكومة أو لإقامة أحلاف داخل السلطة التنفيذية. وأخذت أوساط المعارضة على فريق الموالاة عدم اهتمامه بالصورة العامة للتوافق، وفتح ثغرة يمكن أن تؤدّي الى خلافات بين رئيسي الجمهورية والحكومة أو بين رئيس الحكومة وممثلي المعارضة داخل الحكومة.
وتوقّفت أوساط المعارضة عند مسارعة السنيورة فور تبلّغه تكليفه تأليف الحكومة الجديدة، الى الإدلاء ببيان مسهب كان أقرب الى بيان وزاري، مستبقاً مناقشة الموضوع مع رئيس الجمهورية والمعارضة التي ستحصل على الثلث المعطل في الحكومة الجديدة. ولاحظت الأوساط نفسها أن الرئيس المكلف أورد مواقف مطابقة لوجهة نظر قوى 14 آذار أوحى بها أنها ستكون مرشده في عمل الحكومة، الأمر الذي يتناقض مع الطبيعة الائتلافية لحكومة الوحدة الوطنية كما حدّدها اتفاق الدوحة.
وقالت مصادر الرئيس نبيه بري إن المعارضة كانت تنتظر من الموالاة أن ترشّح شخصية توافقية لرئاسة الحكومة انسجاماً مع اتفاق الدوحة والتوافق الذي حصل حول رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، إلا أنها سمّت الرئيس السنيورة ولم تستشر أحداً، وهذا حق ديموقراطي لها ولن تناقش فيه.

وقائع لقاء قريطم

وبحسب المشاركين في اجتماع الأمانة العامة لقوى 14 آذار ليل أول من أمس، الذي تم في نهايته الاتفاق على تسمية السنيورة لرئاسة الحكومة، فإن النائب سعد الدين الحريري كان قد التقى الرئيس السنيورة منفرداً في وقت سابق، وافتتح اللقاء بإعلانه ترشيح السنيورة قبل أن يصل الاخير الى قريطم. وقال الحريري إن تولّيه رئاسة الحكومة سيؤدّي إلى انشغاله عن خوض المعركة الانتخابيّة، وسيفتح الباب أمام هجوم سياسي عليه من باب استغلال رئاسة الحكومة في الجولات على المناطق. وردّ موقفه الى ثلاثة أسباب هي انشغاله بترميم الوضع السنّي ومعالجة تداعيات ما حصل بداية هذا الشهر، وإشراف الحكومة على الانتخابات النيابية، وهو ما سيحتاج إلى جهد وخبرة كبيرين، إضافة إلى نيّته خوض هذه الانتخابات وثقته الكبيرة بأن السنيورة قادر على مواجهة التحديات. وتمنّى الحريري عدم البحث في الاجتماع بموضوع تأليف الحكومة.
وقالت هذه المصادر إن طرح اسم السنيورة حصد إجماعاً كاملاً، وإنّ الكلمات والمواقف التي أطلقتها بعض الشخصيات اكتفت بتأكيد سياسة الأكثرية ودعم شخص السنيورة. وتواصل اللقاء دون أن يُطرح اسم الوزير محمد الصفدي لرئاسة الحكومة العتيدة، والصفدي «لم يطلب حتى الكلام»، ولم يتناول الاجتماع موضوع الوزارات وتقسيم الحقائب بين قوى الأكثرية.
وتحدّث الرئيس أمين الجميّل، وقال إنه يحترم خيارات الحريري، رغم أن الكتائب تُفضّل تولّي الحريري رئاسة الحكومة، «ولكنّنا نحترم خيارك». ثم تحدث كارلوس إدّه، فالدكتور سمير جعجع الذي أثنى على اعتبارات الحريري، مشدّداً على دور الحريري الأساسي في انتخابات عام 2009. وتحدّث عدد من الحاضرين أبرزهم وليد جنبلاط، مكرّرين الموقف نفسه ومجمعين على النقطة نفسها، إضافة الى رغبة 14 آذار في إنجاح اتفاق الدوحة والتعاطي بإيجابيّة مع تأليف الحكومة.
ثم كانت مداخلة للرئيس السنيورة، فأكّد أنه جزء من 14 آذار ومن تطلّعاتها ورؤيتها، وأن قراره هو عدم الانضمام إلى نادي رؤساء الحكومة السابقين الذين ينتظرون فرصة جديدة، و«عندما أترك سأذهب إلى أي مجال يُفيد 14 آذار في رؤيتها».
وقال الوزير مروان حمادة لـ«الأخبار» إنه خلافاً لكلّ ما يشاع، فإن الحريري لم يكن مرشحاً لرئاسة الحكومة حتى يقال إنه تراجع عن هذا الترشّح. وأكد أن أركان 14 آذار درسوا في اجتماعهم أول من أمس كل المواقف والحيثيات التي أملت عليهم تسمية السنيورة، واستبعاد تسمية الحريري لأن الأخير ليس في وارد تطبيع العلاقة مع دمشق حالياً قبل ظهور الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

تشكيلة الحكومة

أما على صعيد المداولات الخاصة بالتشكيلات الوزارية، فإن المشاورات الرسمية سوف تبدأ الجمعة في المجلس النيابي. وسوف يقوم الرئيس السنيورة اليوم بجولة على الرؤساء السابقين للحكومة وسيكون البارز في جولته لقاؤه مع العماد عون الذي جرت أمس مراسلات إضافية بينه وبين الرئيس بري وقيادة حزب الله.
وتوقّع أحد أقطاب الموالاة أن يأخذ السنيورة وقته في تشكيل الحكومة، وذلك رغبة منه في أن تهدأ النفوس أكثر، في ضوء ردود الفعل السلبية التي أبدتها المعارضة على تسميته للرئاسة الثالثة. واعترف القطب بأن اتفاق الدوحة لم يحقق الوفاق المطلوب على كل القضايا بين أركان الموالاة والمعارضة، وروحيته الأساسية كانت التوافق على رئيس الجمهورية، ولكن الوفاق ينبغي أن يحصل عندما تؤلف حكومة الوحدة الوطنية على أساس برنامج يتوافق عليه الجميع.
وقالت جهات في الموالاة إن البحث يتركز الآن على أمرين: الأول يتعلق بمطلب حزب الله مقايضة مقعدين شيعيّين بواحد سني وآخر درزي، وهي تتوقع أن يضغط الحزب في هذا الاتجاه. أما الأمر الآخر فيتعلق بتمثيل الفريق المسيحي لقوى 14 آذار، الذي يطالب بخمسة مقاعد كما هي حصة الفريق المسيحي في المعارضة، وتطالب «القوات اللبنانية» بحصة مماثلة لحصة التيار الوطني الحر، أي ثلاثة مقاعد وزارية مع حقيبة خدمات رئيسية، فيما يطالب الرئيس أمين الجميّل ونواب البترون وزغرتا والنواب الأرمن في بيروت بتمثيلهم، الأمر الذي سيعقّد الأزمة.
أما من جانب المعارضة، فإن العماد ميشال عون يبدو مرتاحاً الى تمثيل كتلته بكاثوليكي وأرثوذكسي وأرمني ومارونيين، علماً بأن نقاشاً قام ولم ينته بعد بشأن احتمال تخلي العماد عون عن أحد المقعدين لقوة مسيحية من فريق المعارضة. ورشحت جهات في المعارضة تمثيل الوزير السابق سليمان فرنجية الذي أصر من جانبه على رفض هذا الأمر، فيما يتردّد اسم نعمة الله افرام نجل الوزير الراحل جورج افرام. أما من جانب الرئيس بري، فالمرجح هو تثبيت الوزير الحالي محمد جواد خليفة في وزارة الصحة وتسمية السفير السابق جهاد مرتضى لمنصب وزير الخارجية، فيما يبقى عليه تسمية وزير ثالث. ومن جانب حزب الله، فإن المرشح الأوفر حظاً هو محمد فنيش لوزارة الطاقة، على أن يترك أمر المقعدين للمقايضة الممكنة مع الحريري وجنبلاط. أما النقاش الخاص بفريق رئيس الجمهورية، فلا يبدو أنه انتهى الى صيغة محددة، إذ لا يزال هناك من يدعم تولي الوزير الياس المر وزارة الداخلية، الأمر الذي ترفضه المعارضة بقوة لأنها تعد المر من فريق 14 آذار وليس حيادياً، ثم إنه سيترشح هو أو والده في الانتخابات النيابية المقبلة.