سليمان يستعدّ لجولة تبدأ بسوريا والبيان الوزاري خليط من نسخة سابقة وخطاب القسم واتّفاق الدوحة
انطلقت أمس الجولة الأولى الأكثر جدية في المشاورات الهادفة الى تأليف الحكومة الجديدة. وأظهرت المداولات أن لا وجود لمشكلة سياسية كبرى تواجه العملية، وأن الأمر إذا تأخر لبعض الوقت، فإنه يكون مرتبطاً بنقاش متوقع ومفاوضات قاسية حول توزيع الحقائب. ويتوقع البعض أن ينجز الأمر خلال الأسبوع المقبل، ومباشرة الحكومة عملها في وقت قريب، بعد إقرار بيان وزاري ينطلق من بيان الحكومة المستقيلة معطوفاً على خطاب القسم.
وفيما يصر أركان الحكم على إنجاز الأمر سريعاً، بدأت الأمور تهدأ على جبهة العلاقات السياسية، وخصوصاً أن الرئيس فؤاد السنيورة يحرص على الحديث عن الصفحة الجديدة، ويبدو أن المعارضة في مناخ منحه الفرصة كاملة، فيما تنصبّ الاهتمامات الآن على صورة العلاقات الخارجية للبنان، حيث يُتوقع وصول عدد كبير من الضيوف العرب والأجانب الى لبنان خلال الاسابيع المقبلة، فيما تحدثت مصادر عن احتمال قيام الرئيس ميشال سليمان بزيارة قريبة الى سوريا تكون المحطة الاولى في جولاته الخارجية، على أن يزور في وقت لاحق مصر والسعودية وقطر.
واستناداً الى المطلعين على موقف سليمان، فهو ليس لديه موقف محدد حتى الآن من الحكومة في انتظار أن يطلع من السنيورة على نتائج استشاراته بغية تأليف حكومة جديدة تعبّر عن الإرادة النيابية. وأبدى ارتياحه الى الأجواء التي رافقت الاستشارات النيابية في مجلس النواب في جولتيها، ولاحظ أنها كانت أكثر إيجابية من تلك التي أجريت في قصر بعبدا. ويأمل الرئيس التوصل الى تأليف حكومة من وزراء متزنين يلقى تأييدهم صدى إيجابياً لدى الموالاة والمعارضة في آن واحد، ولا يرغبون في نقل الخلاف الى مجلس الوزراء، ولا يمثلون اتجاهات متشددة، ويرغبون في العمل فريقاً واحداً منسجماً يعكس الصورة التوافقية لاتفاق الدوحة، ويكون كذلك على صورة التوافق والإجماع الذي التف حول رئيس الجمهورية عند انتخابه، ويعمل على إمرار الأشهر المقبلة حتى إجراء الانتخابات النيابية ربيع 2009.
وأبلغت كتلة «الوفاء للمقاومة» السنيورة رغبة «حزب الله» في تمثيل المعارضة بوزيرين سني ودرزي. وعلم أن هذا الأمر الذي يؤيّده بري كان موضع بحث بينه وبين النائب سعد الحريري في ساحة النجمة إثر مشاركة الأخير في استشارات التأليف. وقد استمهله الأخير للتشاور في هذا العرض مع حلفائه، فيما نقل أن النائب وليد جنبلاط أبلغ الرئيس السنيورة أنه يريد المساعدة ومستعدّ للتخلّي عن كل الوزارات، وأبدى إيجابية في شأن طلب حزب الله مقايضة وزير شيعي بآخر درزي، كما قال إنه غير متمسّك بالوزير مروان حمادة الذي يبدو أن الرئيس السنيورة يريد له أن يرتاح، وهو الذي عانى منه في الحكومة السابقة.
من جهة ثانية، تبلّغ الرئيس السنيورة من وفد نوّاب حزب الله أن الحزب يريد المقايضة، وهو يتمنى أن تكون هناك صفحة جديدة مع رئيس الحكومة، وأبلغه أيضاً قرار الحزب التخلي عن حقيبة الطاقة نهائياً. فردّ السنيورة مستغرباً لأنه يريد بقاء الوزير محمد فنيش في موقعه من زاوية: «نريد وزراء جدّيين لا وزراء للمناكدة»، فرد عليه النائب محمد رعد بأن الحزب لا يريد المناكدة ولا أي شيء آخر ولكنه لا يريد وزارة الطاقة، وأن الحزب وحركة امل متفقان على المطالبة بحقائب: الزراعة والعمل والخارجية والاتصالات والصحة، الى جانب وزير دولة، وأن الشخصية التي سوف تتولى وزارة الخارجية لن تكون حزبية، علماً بأن الفريقين يدرسان إمكان أن لا يمثلهما أي وزير حزبي.
وفيما نقل زوار بري عنه توقعه ولادة الحكومة منتصف الأسبوع المقبل في الحد الأقصى، وأنه يستبعد أن تواجه عقبات أو عقد استيزار كبيرة، قالت مصادر قريبة من الحريري إن الأجواء «إيجابية»، وإن فكرة التبادل «ليست سيئة» ويمكن أن يؤخذ بها، مشيرة الى أن حزب الله يطرح بعض العروض في هذا الصدد وهي قيد الدرس.
أما في شأن البيان الوزاري، فقد طلبت الكتلة تضمين هذا البيان نصّاً يشدّد على وجوب الحفاظ على المقاومة ودورها في التحرير والدفاع عن لبنان في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية، وفق ما جاء في البيان الوزاري للحكومة السابقة وما عاد وأكده وزراء الخارجية العرب في مبادرتهم. وقد لمست الكتلة تجاوباً لدى السنيورة مع هذا الطلب، مبدياً الاستعداد لفتح صفحة جديدة من التعاون مع حزب الله.

التشكيلة والعقبات

ورغم الأجواء الهادئة، قالت مصادر رسمية مطلعة إن مشكلة توزيع الحقائب تبدو جدية، حتى إن الرئيس السنيورة قال إنه يتوقع بعض الصعوبات التي قد تؤخر التأليف. ولفتت المصادر إلى أن الجولة الأولى من المشاورات والاتصالات تركزت على الطلبات المتبادلة والتي لخصتها المصادر بالآتي:
أوّلاً: مطالبة فريق 14 آذار بأربعة مقاعد مارونية يذهب أحدها الى الوزير جهاد أزعور الذي سيكون وزير دولة على أن يتولى إدارة وزارة المال التي يريد الرئيس السنيورة أن يحتفظ بها لنفسه. ويذهب وزير آخر الى الرئيس أمين الجميل أو من ينوب عنه، وثالث الى القوات اللبنانية ورابع الى أحد نواب زغرتا الثلاثة. وهذا يعني أن على العماد عون أن يتنازل عن أحد المقعدين المارونيين المفترضين من حصته، لأنه سيكون هناك وزير سادس وأخير يسمّيه الرئيس سليمان لوزارة الداخلية.
ثانياً: إصرار القوات اللبنانية على الحصول على مقعد وزاري ثانٍ وعلى حقائب أساسية لا تقل قوة عن حصة العماد عون، وكذلك إصرار نواب زغرتا الزاوية على التمثيل مع حقائب خدمات أساسية.
ثالثاً: مطالبة التيار الوطني الحر بوزارة المال، وهو الأمر الذي يصطدم بموقف تيار المستقبل الذي يريد الاحتفاظ بها الى جانب وزارة العدل، ويقترح أن يتولى وزير من التيار الوطني منصب وزير الدفاع، وأن يكون من الأرثوذكس. ثم إن عون يرفض مساواته بأي من قوى 14 آذار المسيحية. أمّا مرشّحو التيار الوطني الحر، فهم: جبران باسيل، نبيل نقولا (أو إبراهيم كنعان)، إيلي سكاف، وعصام أبو جمرة، وألان طابوريان عن الطاشناق.
رابعاً: الخلاف حول التمثيل السنّي لقوى الاكثرية بعدما أبلغ النائب الحريري الرئيس السنيورة أنه يجب تثبيت الوزير محمد الصفدي، علماً بأن رئيس الحكومة المكلّف يفضل أن يترك الأمر لغيره، وثمة اتصالات مع النائب محمد كبارة لإقناعه بتولي حقيبة وزارية مقابل تركه التكتل الطرابلسي الذي يترأسه الصفدي، علماً بأن السنيورة يفضّل أن يكون أي وزير من خارج كتلة المستقبل من دون حقيبة، إضافة الى وجود نيّة بإسناد وزارة الشباب الى نادر الحريري، واستبدال أحمد فتفت بسمير الجسر من الشمال أو جمال الجراح من البقاع.
خامساً: بداية امتعاض الرئيس سليمان من المداولات غير المنطقية القائمة، وانزعاجه من بعض التسريبات، وتأكيده أمام زوّاره أنه لا ينوي ترشيح أحد من آل المر الى وزارة الداخلية التي يعمل على اختيار شخصية غير عسكرية لتولّيها تكون محطّ إجماع فريقي الموالاة والمعارضة، لكن سليمان يبحث عن وزارة أخرى لأحد أبناء المر.