بـرّي: الحوار لدعم المبادرة العربيّة والموالاة والمعارضة متّفقتان على حكومة الـ 10+10+10نفّذت الهيئات التعليميّة إضراباً تحذيرياً ناجحاً أمس، وأكّدت مرّة أخرى وحدتها في مواجهة السياسات الحكوميّة بمعزل عن انتماءات أعضائها وتلاوينهم السياسية والطائفية. وقد فرض هذا النجاح تكثيف الاتصالات التي يقوم بها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لإيجاد صيغة «تسوويّة» سريعة لمسألة تصحيح الأجور، وهي المسألة الأبرز في تحرّك القطاع التعليمي، التي ستكون عنواناً وحيداً للإضراب التحذيري الذي دعا إليه الاتحاد العمالي العام في السابع من أيار المقبل، في خطوة أولى باتجاه التحرّك التصعيدي في الشارع.
إلا أن تحرّك الرئيس السنيورة اقتصر على البحث عن مخرج لمطلب تصحيح الأجور في القطاع الخاص من دون القطاع العام، متسلّحاً بما يراه «تعطيلاً للمجلس النيابي»، باعتبار أن أي زيادة على أجور الموظفين الحكوميين تحتاج إلى قانون. وقال وزير المال جهاد أزعور لـ«الأخبار» إنّ مسألة تصحيح الأجور في القطاع العام ستُطرح للبحث على طاولة مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب، ولكنّه استبق ذلك بطرح التساؤل عن مدى قدرة المالية العامة على إعطاء زيادة في ظل الوضع الراهن. وردّاً على سؤال عن استعداد الحكومة للإفراج عن فروقات سلسلة الرتب والرواتب لموظّفي الإدارات العامة والأسلاك الأخرى المستحقة منذ عام 1998، قال: «إن هذه فكرة جديرة بالبحث».
ورفض أزعور الإفصاح عن أي أرقام ونسب يجري تداولها لتصحيح الأجور في القطاع الخاص، مؤكداً أن أي قرار لم يُتّخذ بعد في هذا الشأن، وبالتالي فإنّ أي قرار لا بد من أن يخضع لدراسة مستفيضة لمعرفة انعكاساته على أكلاف الدولة والاقتصاد، ولا سيما الفاتورة الاستشفائية.
وكشف مصدر في الهيئات الاقتصادية لـ«الأخبار» أن الرئيس السنيورة أجرى اتصالات عدّة مع ممثّلي هيئات أصحاب العمل، بهدف «تليين» موقفهم الرافض حتى الآن لأيّ بحث في إعطاء زيادة على شطور الأجر، وقال إن السنيورة لم يطرح اقتراحاً محدّداً، إلا أنه طلب مساعدته في إيجاد مخرج «مقبول». ونفى هذا المصدر أن يكون أيٌّ من ممثّلي الهيئات قد أعطى وعوداً في هذا الشأن، مشيراً إلى اجتماع سيعقد بعد ظهر اليوم لاتخاذ الموقف النهائي، متوقعاً أن يقوم هذا الموقف على تجديد الرفض للزيادة والتهديد باللجوء إلى مجلس شورى الدولة للطعن بأيّ مرسوم قد يصدر في هذا الشأن، إلا إذا اقتصر على رفع الحد الأدنى للأجور من دون الشطور الأخرى.
من جهته، قال وزير معني إن الرئيس السنيورة يدرس حالياً خيارات عدّة لطرحها أمام مجلس الوزراء قريباً، وهي خيارات سبق أن طُرحت في اجتماعات لجنة مؤشر غلاء المعيشة التي تضم ممثلين عن الدولة وأصحاب العمل والعمال، وأبرز هذه الخيارات:
* رفع الحد الأدنى للأجور إلى 450 ألف ليرة، وعدم إعطاء أي زيادة على شطور الأجر الأخرى، والاكتفاء بزيادة بدل النقل والانتقال من 6 آلاف ليرة إلى 8 آلاف ليرة عن كل يوم عمل فعلي.
* رفع الحد الأدنى للأجور إلى 375 ألف ليرة فقط، وإعطاء الأُجراء في القطاع الخاص سلفة غلاء معيشة بقيمة مقطوعة قيمتها 100 ألف ليرة، بشرط أن لا تدخل في صلب الراتب، وبالتالي لا تحتسب في إطار اشتراكات الضمان الاجتماعي.
* رفع الحد الأدنى للأجور إلى 400 ألف ليرة، وإعطاء زيادة بنسبة لا تتجاوز 10 في المئة، وضمن سقف للشطور لا يتجاوز مليوناً و500 ألف ليرة من الأجر، على أن يكون احتساب الزيادات التي منحتها المؤسسات لعمالها في السنوات الأخيرة من ضمن هذه الزيادة، باستثناء الزيادات الإدارية السنوية التي يحصل الأُجراء عليها دورياً.
وقد رفض رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن كل هذه الخيارات، مشيراً إلى أن الاتحاد متمسك بتصحيح الأجر بنسبة غلاء المعيشة المتراكمة منذ عام 1996، التي بلغت 63 في المئة. وقال إن الاتحاد يقبل بالحوار «الجدّي» مع الحكومة وأصحاب العمل، بشرط أن يؤدي هذا الحوار إلى بدائل يمكن أن تعوّض الخسارة في القدرات الشرائية عبر إجراء التعديلات الضريبية وزيادة التقديمات المباشرة وغيرها من الإجراءات التي تستهدف تحسين الأوضاع المعيشية للأسر الفقيرة.
وكان وفد من هيئة الإنقاذ في الاتحاد العمالي العام المحسوبة على قوى 14 آذار قد اجتمع مع الرئيس السنيورة أمس، وأعلن مصدر في الوفد أنه تلقّى وعداً بأن تتخذ الحكومة قراراً بإعلان تصحيح الأجور قبل نهاية الشهر الجاري. والجدير بالإشارة أن هذا الاجتماع رُتِّب على عجل صباح أمس، وهو يأتي بعدما أعلن وزير العمل المستقيل طراد حمادة تعطّل لجنة المؤشر بسبب التغيُّب المتعمّد لمندوبي وزارة المال والإحصاء المركزي عن الاجتماعات.
وقال السنيورة، خلال الاجتماع مع الوفد النقابي، «إن الحكومة مدركة لحجم الضغوط التي يتعرض لها المواطن، وهي تجهد لتحسين مستوى عيش اللبنانيين رغم الظروف الصعبة والاستثنائية التي تمر بها البلاد، وهي لذلك شجّعت على عقد اجتماعات لجنة المؤشر، وهي تشجع على استمرار الحوار بين العمال وأرباب العمل تمهيداً للوصول إلى نتيجة تستطيع البلاد أن تحقق من خلالها أفضل الممكن بالنسبة إلى جميع الأفرقاء، ولا تنعكس سلباً على الاقتصاد الوطني ولا على المستوى الحقيقي لعيش اللبنانيين».
ودعا السنيورة إلى التعالي عن الأغراض السياسية وإبعاد لقمة عيش الناس عن التسييس، مطالباً الحركة العمالية بالموضوعية والواقعية وعدم المبالغة في طرح الأمور، لأن ذلك لن يكون لمصلحة المواطنين، «فالتركيز على الأزمة المعيشية من دون النظر إلى الاستقرار في الأوضاع الأمنية لن يخدم مصلحة المواطنين، إذ إن الأسعار ارتفعت، لكنّ هناك أسباباً أخرى لاستمرار الأزمة المعيشية، وليس آخرها إقفال الوسط التجاري، وبالتالي إقفال أبواب الرزق أمام الناس ومنع تحقيق النمو في الاقتصاد الوطني وكذلك إقفال أبواب مجلس النواب أمام النظر في المشاريع الاستثمارية الجديدة التي تعود بالنفع على المواطنين والحركة الاقتصادية»، مشيراً إلى أنّ «تراجع القدرة الشرائيّة للمواطن اللبناني كبرت بسبب الضغط السياسي الذي يتعرّض له الاقتصاد من أطراف معروفة ولأهداف معروفة، وهي تتركّز في إقفال النوافذ من أمام المواطنين وإشعارهم بالضغط والحصار ومنع البلاد من التطوّر والنموّ».
وجاءت هذه التطوّرات، وفي مقدّمها الإضراب التعليمي، بالتزامن مع إعلان جمعية المستهلك أن مؤشرها الخاص أظهر أن الأسعار الاستهلاكية ارتفعت بنسبة 43.03 في المئة بين تموز 2006 وآذار الماضي، ما يعني أن الأجور خسرت نصف قيمتها الشرائية في غضون 21 شهراً، وتركز الارتفاع الأكبر في سلة السلع الغذائية التي تستهلك الجزء الأساسي من ميزانيات الأسر الفقيرة.
عودة برّي
على الصعيد السياسي، عاد رئيس مجلس النواب نبيه بري من أثينا أمس، وباشر اتصالاته تحضيراً لما سيكون عليه مصير المبادرة العربية التي شددت القمة العربية الأخيرة على الاستمرار فيها لحل الأزمة اللبنانية وأعادت تكليف الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى العمل لدى طرفي الأزمة اللبنانية، الموالاة والمعارضة، على تنفيذها.
وقال بري أمام زواره إنه متمسك بالمبادرة العربية، وإن مبادرته الأخيرة التي دعا فيها إلى الحوار ليست قفزاً فوق المبادرة العربية ولا تخطياً لها، بل هي لدعمها إذا اقتضى الأمر ذلك.
وذكّر بري بأنه كان قد قال لدى إطلاق مبادرته إنه سينتظر سبعة أيام بعد انتهاء القمة العربية ليقرّر في ضوء نتائجها التحرك الذي سيقوم به من أجل دعم المبادرة العربية، وهذا التحرك يتضمن القيام بجولة عربية، وخصوصاً على دمشق والرياض والقاهرة. وأكد أن تحركه رهن تجاوب الأطراف معه.
وقال إن هناك اتفاقاً بين الموالاة والمعارضة على رئيس الجمهورية، كذلك «فإننا متّفقون على حكومة الـ10+10+10 خلافاً لما يشاع عكس ذلك، فضلاً عن أننا متفقون أيضاً على قانون الانتخاب باستثناء بعض التفاصيل الصغيرة التي يمكن معالجتها».
وقال بري إن المبادرة العربية قالت بفورية انتخاب الرئيس وتأليف حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب وليس فيها «فوراً فوق ولا فوراً تحت»، وأضاف أن المبادرة هي سلّة حلول متكاملة وأن كلام موسى الأخير يؤكد أيضاً إقراره بهذه السلّة، خلافاً لأحاديث البعض في الموالاة عن تجزئتها. ورأى أن الدعوة إلى انتخاب رئيس جمهورية فقط، تتناقض مع المبادرة العربية لأنها سلّة متكاملة.
وشاطر بري رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط التمسك بمقررات مؤتمر الحوار الوطني، وقال إن هذه القرارات لا مناقشة فيها، سواء في موضوع العلاقة مع سوريا أو تحديد الحدود معها والسلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها والاستراتيجية الدفاعية. وأكد أن هذه القرارات «قائمة وللتنفيذ» ولا رجوع عنها، وأن الحوار الذي دعا إليه مجدداً سيركز على حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب، لأن التوافق على رئيس الجمهورية بات محسوماً.
ورداً على سؤال عن طرح الموالاة أولوية انتخاب الرئيس ليتولى هو إدارة الحوار، قال بري: إن رئيس الجمهورية التوافقي ستكون مهمته إدارة حوار في القضايا الأخرى غير ما تقرّر على طاولة الحوار عام 2006 وغير بنود المبادرة العربية التي ينبغي أن تنفَّذ بالتكامل مع انتخابه.