strong>غرف عمليّات دوليّة وإعادة هيكلة للمجموعات وصلات مع السلطةتجمّعت العوامل المساعدة أمام الجهاديين، وبات من السذاجة التغافل عن الساحة اللبنانية، أو إبعادها عن العمل المباشر للجهاد. وكلّ ما كانت المجموعات الجهاديّة تحتاج إليه لتنظيم صفوفها، وفّرته لها أطراف فاعلة في السلطة

فداء عيتاني
كان القياديّ في القاعدة، السعودي فهد المغامس، والمعروف باسمه الحركي أحمد إبراهيم التويجري (أبو جعفر)، ينسّق في اجتماعاته خططاً وبرامج عمل مرحلية. وإلى اللحظة، لا يمكن التدقيق في ما إذا كان يعمل وفق تعليمات مباشرة من التنظيم الأم «القاعدة»، أم إنه استنسب ما يقوم به استنساباً. وخلال الاجتماعات التي عقدها، بحث في نقل العمل الجهادي إلى لبنان، خاصة مع ارتفاع عدد عناصر قوات الطوارئ الدولية، إضافة إلى تكليف مجموعته العديد من المهام، منها: شراء الأسلحة والذخائر والمتفجّرات، وتهريبها إلى العراق، والتنسيق مع عدد من المجموعات الجهادية السورية والعراقية لتأمين ممرات خاصة لنقل المجاهدين والعتاد والأسلحة إلى العراق، وتأمين وصولها إلى المناطق التي يسيطر عليها المجاهدون في العراق.
وبدأت في تلك المرحلة التدريبات على الأسلحة الخفيفة، وعلى أعمال التفخيخ وحلقات التدريب النظرية الأمنية والعسكرية. واعتُمِد عدد من المنازل التي تستخدمها «القاعدة» لأغراض التدريبات في مناطق القرعون، وبر الياس، ومجدل عنجر، في البقاع اللبناني. وساعد على أعمال التدريب مدرّبون فلسطينيّون ولبنانيّون، بقيادة السوري عرفان ياسين، وهو اسم حركي على الأغلب، وإن كان يتشابه مع اسم المدرب الفلسطيني عماد ياسين.
المغامس، أو التويجري المطلوب للأجهزة الأمنية اللبنانية، لم يطل الإقامة في لبنان. وكعادته قبل اعتقاله من السلطات اللبنانية، كان دائم التنقّل، مستخدماً جوازات سفر مزوّرة ليتحرّك ما بين بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وهولندا، لمتابعة شؤون المجاهدين هناك، والربط بين المجموعات الجهادية في عدد من الدول العربية والغربية.
وكان الربط الإلكتروني والمعلوماتي يتم في تلك المرحلة عبر مخيّم عين الحلوة، الذي تحوّل إلى غرفة عمليّات للقاعدة في لبنان، على الأقل على مستوى الاتصالات الخارجية، إذ كان يستلم الرسائل المشفرة في لبنان الفلسطيني طارق ع.، يساعده مواطنه يوسف ط.، وكانت الرسائل المشفرة تصلهما عبر البريد الإلكتروني من مسؤولين في الخارج، وتوزَّع على تنظيمات جهادية، كالحركة الإسلامية المجاهدة، وعصبة الأنصار، وغيرهما.
وبعد عمليات أمنية عديدة ضد طارق ع. بقي الشاب، الذي يشغل والده منصباً قيادياً في حركة فتح، يتولى إدارة سنتراله الخاص في المخيم، حيث كانت أعمال الاتصالات الإلكترونية تتم وفق نظام اتصالات إلكتروني دقيق، وُضع بإشراف خبراء اختصاصيين في علم الاتصالات، من بينهم المهندس المغربي محمد بورويس، وهو يقطن خارج المخيم، لكنه يزوره بشكل دائم للتأكد من صلاحية جميع الإجراءات التقنية وتحديثها. وكانت أقسى الضربات هي عملية التفجير التي تعرّض لها السنترال في حي الصفصاف في 22 آب/ أغسطس من العام 2004.
وكانت الرسائل من التنظيم الدولي تصل إلى لبنان من رجل ثقة، سبق أن كانت له باع في العمليات اللوجيستية في لبنان والخارج، وهو بلال خزعل (أبو صهيب) المقيم في أوستراليا، كما من مدير المرصد الإسلامي في لندن المصري ياسر السري، وهو لاجئ في بريطانيا ومتّهم سابق بالمشاركة في عملية اغتيال أحمد شاه مسعود في أفغانستان، ومتهم دائم بتمويل عمليات القاعدة حول العالم. كما كانت الرسائل تصل من قياديّين في القاعدة في ألمانيا في مدينة آخن، وفي هولندا.
وغير بعيد عن السنترال، وفي خريف عام 2006، كان القيادي الفلسطيني عماد ياسين يخضع المجموعة التونسية بقيادة التونسي عبد الرحيم الخليفي لدورات عسكرية. وضمت المجموعة تونسيين وسودانيين وجزائريين، كما وصلت بعض الأموال للدعم والتأهيل إلى ياسين نفسه من أحد القياديين الجهاديين في بريطانيا، وهو معروف باسم أحمد علي.
في بداية شتاء عام 2006، كانت التيارات السلفية اللبنانية، وخاصة تلك المدعومة من هيئات وجمعيات سعودية وكويتية، تعيد هيكلة عملها للتأقلم مع تغيرات لم يكن العديد من الجمعيات اللبنانية يعلم إلى أين تؤدي، إلا أنه اقترب بعضها من بعض، في تنسيق عال، وبطلب من مموليها. وكانت الأجواء السياسية المحمومة وحدها كفيلة بتجميع القوى السنّية، دونما حاجة إلى طلب من الممولين، فاندفعت هذه الجمعيات والهيئات اللبنانية إلى إعلان الدعم لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة، ولدار الإفتاء. ومثّل الدكتور حسن الشهال العمود الفقري لهذه المجموعات، وأكبر المحفّزين لها على الحركة باتجاه المرجعيات السنّية، فصارت الوفود الشعبية تدعم السنيورة المحاصر في السرايا الحكومية من المعارضة، وتتقاطر عليه من بيروت والجنوب والشمال والبقاع وإقليم الخروب. كما شمل هذا النشاط النائب سعد الحريري، وأدّى محمد الشهال دور ضابط الارتباط بين هذه المجموعات والحريري.
كما نشط في تلك الفترة اللقاء الإسلامي المستقل الذي أسسه النائب السابق خالد الضاهر، لضم مختلف الشخصيات الإسلامية في كل لبنان، إلا أن العديد من الأطراف ما لبث أن تخلى عن الحضور في هذا اللقاء، واقتصر في النهاية على مجموعة محدودة من الشخصيات، من ضمنها الشيخ بلال بارودي، والشيخ زكريا المصري والشيخ فواز الآغا، إضافة إلى أحد قياديي حركة التوحيد الإسلامية السابقين وهو الشيخ كنعان ناجي. وظهرت لافتات في الشوارع الشمالية خاصة، موقعة باسم التيار، تهاجم المعارضة اللبنانية المكوّنة من حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، وعدد من المجموعات الإسلامية السنّية الأقلّ طاقة وقدرة وانتشاراً بين الناس.
ومن يتحرّك في مخيم عين الحلوة في ذاك الخريف التالي على حرب تموز، يمكنه تجميع العديد من المعطيات عن المجموعات الجهادية التي تتحرك سراً، وتكثّف نشاطاتها في لبنان، وخاصة مجموعة جند الشام، التي أقامت صلة مع النائبة اللبنانية بهية الحريري. وتتحدث الأوساط الفلسطينية عن فكرة راودت النائبة بتعيين أحد علماء الدين والقياديين في جند الشام، أبو العبد الشمندر، إماماً ومشرفاً على مسجد هند الحريري في منطقة الشرحبيل شرق مدينة صيدا، كما رفعت فجأة «جمعية الاستجابة»، التي يشرف عليها الشيخ السلفي نديم حجازي، والمموَّلة من بعض السعوديين والكويتيين، من حجم نشاطاتها في مخيم عين الحلوة، إضافة إلى عملها الدائم في صيدا.
الأجواء المتأزمة بين المعارضة بأكثريتها الشيعية والمسيحية، والموالاة بأغلبيتها السنّية، دفعت في ذلك الحين إلى رفع مستوى التحريض الطائفي، وانخرط الجميع في هذه اللعبة، بتعاون عشرات الجمعيات السنية، وعدد من مفتي المناطق، حتى إنّه أُصدرت نشرات ممولة مباشرة أو بالواسطة من آل الحريري أو من مجموعات إسلامية، تمارس التحريض السياسي والطائفي، رغم بُعد العديد من هذه المجموعات والنشرات والمفتين عن المشارب السلفية والجهادية، إلا أن الجهاديين كانوا هناك يعملون بهدوء وسط عاصفة التحريض والتحريض المضاد.
حينها، في بدايات شهر شباط من عام 2007، باتت المعلومات ترد إلى الأطراف المختلفة عن نشاط التسلح والتدريبات العسكرية. ثمة من رسم استنتاجاً يفيد بضرورة تسلّح السنّة لخلق توازن رعب يمنع الشيعة المدجّجين بالسلاح، تحت شعار مقاومة الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية، من استخدام أسلحتهم في النزاع المحلي، وعدم السماح بتحوّل سلاح المقاومة إلى أداة ضغط سياسية. ولعب عالما دين دوراً في تجنيد الشبان، وساعدهما نائب سابق مقرّب من قصر قريطم، وأنشئت صلات مباشرة مع قريطم، وأوفد العشرات للتدريب في الأردن في معسكرات الجيش الأردني في جرش.

غداً: موفدون من التنظيم الأمّ وأجهزة مخابرات تخترق صفوف الجهاديّين


الظواهري في ديارنا
مع بداية شهر آذار من عام 2007، كانت «الحرب على الإرهاب» في أوجها في العراق. وكانت الولايات المتحدة تطالب سوريا بضبط الحدود مع العراق، شأنها منذ احتلت بلاد الرافدين. في هذا الوقت، وصل من يبلغ ويؤكد حركة الدكتور أيمن الظواهري. فالرجل الثاني في تنظيم القاعدة انتقل مع نهايات عام 2006 إلى المناطق الشمالية من سوريا، حيث أخذ الأمان من قبائل سورية عراقية، احتضنته وأخفته عن أعين المخابرات الأميركية والسورية على حدّ سواء. وراح الرجل الذي سبق أن انشقّ عن الإخوان في مصر، وصار يقود عملياً أقوى تنظيم دولي، يتنقّل بين المناطق الحدودية السورية والعراقية، ويحرّك مجموعات القاعدة في البلاد المحيطة عبر أمراء ثقات ومندوبين أشدّاء ومحنّكين، ومنهم المندوب التونسي مصطفى معز بن رجب الذي تردّد على لبنان مرّات عدّة بجواز سفر مزوّر، والتقى على دفعات جهاديين في مخيمات برج البراجنة ومار الياس وعين الحلوة والبداوي، كما التقى شخصيات فلسطينية معروفة كمسؤول الحركة الإسلامية المجاهدة جمال خطاب في عين الحلوة.