غزة ــ رائد لافيمجزرة إسرائيلية جديدة نفذتها قوات الاحتلال في غزة أمس، حصدت 20 شهيداً، ترافقت مع عملية نوعية للمقاومة، التي فاجأت القوات المجتاحة بـ«حقل موت» أدّى إلى مقتل 3 جنود إسرائيليين، أقرت بعدها الدولة العبرية بأن الفلسطينيين «استخلصوا العبر وباتوا أكثر إبداعاً». واستشهد 14 فلسطينياً، جلهم من الأطفال، في قصف جوي ومدفعي استهدف مجموعة من المدنيين كانت تحاول الفرار من منطقة جحر الديك، جنوب شرق مدينة غزة، التي شهدت توغلاً إسرائيلياً محدوداً أمس.
وقالت مصادر محلية إن مجموعة من الأطفال والنساء كانت تحاول النجاة من حمم القذائف الإسرائيلية في المنطقة، فسلكت طريقاً زراعياً بالقرب من مسجد الإحسان في المنطقة، غير أن صواريخ الاحتلال وقذائفه لاحقتهم فسقطوا بين شهيد وجريح.
كما استشهد طفلان فلسطينيان، وأصيب آخرون بجروح متفاوتة، عندما استهدفتهم المدفعية الإسرائيلية بالقرب من جسر صلاح الدين المؤدي إلى منطقة التوغل.
ولم تسلم وسائل الإعلام من الاعتداءات، فاغتالت قوات الاحتلال المصور الصحافي فضل شناعة من وكالة «رويترز»، أثناء تغطية اجتياح جحر الديك. وقال صحافيون إن شناعة كان يستقل سيارة خاصة بالوكالة تظهر عليها علامات واضحة ومميزة تدل على أنها سيارة صحافة.
وكانت المقاومة الفلسطينية وجهت ضربة مؤلمة لقوات الاحتلال الإسرائيلي، عندما قتلت ثلاثة جنود إسرائيليين وجرحت ستة آخرين، بينهم اثنان في حال الخطر، في عملية فدائية تبنتها «كتائب عز الدين القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس».
وباغت مقاومون في «كتائب القسام» قوة إسرائيلية من «لواء جفعاتي» بكمين محكم، أطلقت عليه اسم «حقل الموت»، بعد تسللها لمسافة 500 متر من الجدار الإلكتروني الفاصل بين قطاع غزة وفلسطين المحتلة عام 48، جنوب شرق حي الزيتون في مدينة غزة.
وجاءت العملية بعد ساعات من الاشتباكات المسلحة بين مقاومين وقوات الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، استشهد خلالها أربعة من مقاتلي «كتائب القسام» هم القائد الميداني عبد الكريم أحمد الخيسي (35 عاماً) ومصطفى عدنان التتر (22 عاماً) وكرم أكرم الوادية (22 عاماً) ومحمود توفيق حلس (21 عاماً)، وجميعهم من سكان حي الشجاعية، بينما استشهد المزارع هاني زعرب (33 عاماً) في بلدة بيت لاهيا شمال القطاع.
وقال المتحدث باسم «كتائب القسام»، أبو عبيدة، إن ثمانية مقاومين من «كتائب القسام» تمكنوا من نصب كمين محكم مكوّن من خطين قتاليين، أحدهما متقدم والآخر متأخر، مشيراً إلى أن المجاهدين «في الخط القتالي المتقدم (تركوا) القوة الصهيونية الخاصة تتسلل إلى داخل أرضنا المحررة لتقع بين فكي كماشة».
وقال أبو عبيدة «اشتبك مجاهدونا في الخط المتأخر مع القوة الخاصة بالأسلحة المتوسطة، ففرّت القوات الخاصة صوب الجنوب ليتلقفها مجاهدونا في الخط الأمامي ويشتبكوا معها بالأسلحة الرشاشة عن بعد أمتار قليلة».
وبينما أقرت مصادر قوات الاحتلال الإسرائيلي بمقتل ثلاثة جنود وإصابة ستة آخرين، شدد أبو عبيدة على أن خسائر الاحتلال أكبر بكثير، وأنه تمت «إبادة القوة الصهيونية من لواء جفعاتي بالكامل». وأشار إلى أن «وحدة المدفعية القسامية» شاركت في «العملية بشكل قوي، وأطلقت عشرات قذائف الهاون لقطع الإمداد الفوري عن جنود العدو، وتصدت وحدة الدفاع الجوي للطيران الذي حاول التقدم، ما أدى إلى إعاقته بعض الوقت وتأخرت وصول الإسعافات الصهيونية للمكان».
وأكد أبو عبيدة أن جنود الاحتلال انشغلوا في الصراخ من هول المفاجأة من دون أن يطلقوا رصاصة واحدة، حيث انسحب المجاهدون من المكان بسلام، متوعداً بمزيد من العمليات التي «تقض مضاجع الصهاينة الجبناء، وترسل برسائل مفادها أن أي محاولة لتدنيس أرضنا المحررة لن تكون نزهة صيفية، بل ستكلفهم ثمناً باهظاً». وقال إن «الخيارات المطروحة أمام الجندي الصهيوني عند دخوله قطاع غزة هي أربعة خيارات، إما أن يسقط قتيلاً أو يقع أسيراً أو أن يصاب بإعاقة مستديمة، أو أن يعود بمرض نفسي إلى الأبد، وأنه لن يعود منتصراً بأي حال من الأحوال».
وترك مقتل الجنود الثلاثة أصداءً واسعة في صفوف الجيش الإسرائيلي، وخصوصاً أن عدد الجنود الذين قتلوا منذ مطلع العام الحالي وصل إلى ثمانية، في مقابل مقتل ثلاثة جنود طوال عام 2007.
وأشارت تقارير إعلامية إسرائيلية إلى خلافات داخل جيش الاحتلال بشأن كيفية التعامل مع تزايد الخسائر في صفوفه في قطاع غزة. ويرى العديد من الضباط الرفيعي المستوى أن «عدم اعتماد الجيش سياسة هجومية يمس بمقاتليه، انطلاقاً من أن المقاتل الذي يهاجم يكون أكثر حذراً ودقة».
واعترف ضباط الاحتلال بأن «المخربين عملوا بذكاء» عندما استدرجوا الجنود من خلال إرسال مجموعة بهدف انكشافها، ليلحق بها الجنود الذين تعرضوا لكمين فلسطيني ينتظرهم. وحاول مصدر عسكري إسرائيلي رفيع المستوى أن يشرح أسباب الخسائر المتوالية التي تعرّض لها جيش الاحتلال منذ مطلع السنة الجارية، بالقول إن عمليات الجيش أصبحت أكثر كثافة، وتعرّض الجنود للمزيد من الأخطار، فضلاً عن أن «المنظمات الإرهابية تتعلم من أخطائها، وتتسلح وتصبح أكثر إبداعاً».
وأسف الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز لمقتل الجنود الثلاثة. وقال، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره البولندي ليخ كاتشينسكي في وارسو، «إنها لحظات صعبة بالنسبة إلينا». وتدارك «لكن علينا مواصلة النضال رغم حزننا. وأنا واثق بأننا سنكسب».
أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس فأدان «بشدة»، خلال زيارته إلى موسكو، العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. وقال المتحدث باسم الرئاسة، نبيل أبو ردينة، إن عباس «دعا الحكومة الإسرائيلية إلى وقف العدوان فوراً، ودعا جميع الأطراف إلى التجاوب مع الجهود المصرية من أجل التهدئة ورفع معاناة شعبنا، وتجنيبه ويلات التصعيد العسكري المستمر».
وفي إطار تداعيات الحصار على المرضى، أعلنت مصادر طبية فلسطينية، أمس، عن استشهاد الرضيعين نور الهدى الكيلاني (7 أشهر) ومحمد زياد العجلة (شهران) جراء عدم توافر العلاج اللازم لهما في مستشفيات القطاع، ورفض سلطات الاحتلال الإسرائيلي سفرهما للخارج لتلقي العلاج.