معارضـون يتحدّثون عـن إنفاق سعودي لدعم خصوم عون المسيحيّين خلافاً للعادة، لم يصدر رئيس مجلس النواب نبيه بري، مساء أمس، بياناً يرجئ جلسة انتخابات رئاسة الجمهورية المقررة اليوم. وفيما يدرك الجميع صعوبة انعقاد الجلسة بسبب غياب التوافق السياسي، فإنّ عدداً غير قليل من نواب فريق 14 آذار غادروا لبنان، خلال الأسبوعين الماضيين، إلى دول عربية وغربية، بحجة ورود معلومات عن احتمال تجدّد الاغتيالات. أمّا المتواجدون منهم على الأراضي اللبنانية، فقد قرّروا حضور الجلسة ما لم يتم تأجيلها رسمياً صباح اليوم. واللافت أنّ عدداً كبيراً من هؤلاء النوّاب تلقّوا قرار المشاركة عبر رسالة قصيرة على هاتفهم الخلويّ (SMS)، وسط أنباء عن احتمال عودة النائب سعد الدين الحريري من السعوديّة والحضور إلى المجلس النيابي.
وعُلم أنّ نوّاب المعارضة سيحضرون أيضاً، وسيكون الرئيس برّي متواجداً في مكتبه لحثّ الأطراف على الحوار.
وكان برّي أجرى أمس، بواسطة مساعديه، سلسلة من المشاورات مع قيادات المعارضة للتباحث في فكرة ألّا يضمّن بيان التأجيل أيّ تحديد لموعد جديد، بل أن يحصر الكلام في الدعوة إلى الحوار المفتوح،.
وأوضحت مصادر مطّلعة على موقف بري أنه «سئم من توجيه الدعوات المتكرّرة لانتخاب رئيس لا يحصل، ولذا قرّر ألا يخوض هذا الغمار مجدّداً، إلا بعد حصول اتفاق سياسي واضح بين الموالاة والمعارضة، من خلال الحوار الذي لا بديل منه».
وقالت المصادر إن بعض قادة المعارضة دعوا إلى التروّي في الأمر، خشية أن تُحمّل المعارضة مسؤولية تعطيل الانتخابات بصورة أكبر. لكن هذه المصادر قالت إن بري أقفل مشاوراته أمس على توجّه عام، دون الانتهاء من عرض التفاصيل.
ولفتت المصادر إلى أن برّي عبّر أخيراً عن امتعاضه بقوة من الموقف السعودي من الأزمة الحالية ومن استمرار رفض تحديد موعد لاستقباله في الرياض. وقالت المصادر إن موقف الرياض هذا من شأنه تعقيد الأمور أكثر، وهو يعني ببساطة أن السعودية لم تعد تدعم الحوار، بل تريد فرض وجهة نظر فريق السلطة على الآخرين. ولفتت إلى أن الأمر لم يعد يتوقف عند هذا الحد، ولا سيما أن السعودية باشرت إنفاق كميات هائلة من الأموال على فريق السلطة، وهي تركّز الآن على دعم القوى المعارضة للعماد ميشال عون، وطلبت من وسائل إعلامية تابعة لها، مثل قناة «العربية» المباشرة بحملة تحت عنوان «ما سبب تراجع شعبية عون؟».
وقالت المصادر إن الأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، لم ينجح هو الآخر في إقناع القيادة السعودية باستقبال برّي، وإن التبريرات تركّز على أن الرياض تربط موقفها من المسألة اللبنانية بخطوة أولى تبادر إليها المعارضة، وتكون بالدعوة إلى انتخاب الرئيس فوراً.
اجتماع الكويت
وبينما قادت الموالاة، أمس، حملة تحت عنوان ما حصل في زحلة، أول من أمس، إلا أن الأنظار ظلّت متوجّهة إلى الكويت، حيث يفترض عقد اجتماع خاص بلبنان، بناءً على دعوة فرنسية على هامش اجتماع دول الجوار العراقي. وذكرت مصادر متابعة أن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير سوف يعقد اجتماعات مع عدد من الوزراء، بينهم وزير الخارجية السوري وليد المعلّم، من دون التطرّق إلى الملف اللبناني، في إشارة إلى انقطاع الحوار بين البلدين بشأن لبنان. وكان كوشنير قد دعا إلى اجتماع لبحث الأزمة اللبنانية، من دون أن يوجّه دعوة إلى المعلّم حتّى ساعة متأخّرة من ليل أمس. وكان الوزير طارق متري ومستشار رئيس الحكومة محمد شطح قد توجّها ليلاً إلى الكويت لتمثيل الرئيس فؤاد السنيورة، وإلقاء كلمة في الاجتماع.
ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مصدر حكومي قوله إن متري «سيشدّد على أهمية تطبيق قرارات مجلس الأمن المتعلّقة بلبنان، وتحديداً 1559 و1701، ولا سيّما البنود المتعلّقة بمعالجة السلاح غير الشرعي في لبنان، إضافة إلى إقامة علاقات دبلوماسية بين سوريا ولبنان، وضمان فاعلية منع دخول أسلحة إلى لبنان، وخصوصاً برّاً». وأكد المصدر أن «أهمية هذا الاجتماع أنه دولي عربي، وسيجري البحث عن طريقة لمنع أن يكون لبنان مسرحاً للصراعات الإقليمية والدولية».
أما المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية، باسكال أندرياني، فقالت إن «هذا الاجتماع يهدف إلى دعم جهود الجامعة العربية». وأوضحت أنه «سيضم ممثّلين عن ألمانيا والسعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة والأردن وإيطاليا ولبنان والكويت وقطر وبريطانيا وروسيا و(الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي) خافيير سولانا و(الأمين العام للجامعة العربية) عمرو موسى وممثلاً للأمين العام للأمم المتحدة».
إلى ذلك، قالت وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، التي ستشارك في الاجتماع الكويتي الخاص بلبنان، «هناك التزام قوي جداً بلبنان قادر على تصريف شؤونه بنفسه، في جو من السيادة والديموقراطية، من دون تدخل خارجي».
لجنة عربية
وقال مصدر مطلع على الموقف الفرنسي لـ«الأخبار» إن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير سيلتقي وزيري خارجية سوريا وإيران، الأمر الذي سيشكّل تناقضاً مع موقف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي كان قد أعلن قبل أشهر وقف الاتصالات مع سوريا ما لم تُسهِّل انتخاب رئيس جمهورية للبنان، وذلك على أثر الزيارات الشهيرة لموفديه إلى العاصمة السورية.
واستبعد هذا المصدر صدور نتائج عملية عن اجتماع الكويت الخاص بلبنان، لأن الهدف الفرنسي منه هو القيام بحراك معين يوحي بأن باريس ترغب بأداء دور يدعم المبادرة العربية، وخصوصاً أنها تستعد لتولّي رئاسة الاتحاد الأوروبي في تموز المقبل.
وتوقع المصدر أن يزور موسى دمشق وبيروت إثر اجتماع الكويت الذي سيشارك فيه، ولم يستبعد أن تتبلور بعد هذا الاجتماع فكرة تأليف لجنة عربية لدعم جهود موسى تضم ممثلين عن الجزائر والكويت وقطر، وتتولى مهمة تنقية الأجواء العربية، وتحديداً بين سوريا من جهة ومصر والسعودية من جهة ثانية.
الموقف السعودي
من جهة ثانية، دعت الحكومة السعودية اللبنانيين إلى العمل من أجل تماسك بلادهم والتوحّد لمواجهة «محاولات الهيمنة الجديدة». وقال بيان صدر إثر الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء السعودي، برئاسة الملك عبد الله، إن الدعوة وجّهت إلى اللبنانيين «للعمل على تماسك لبنان في جبهة واحدة لا تدين بولائها إلا للبنان». وأضاف أن مثل هذه الجبهة «تملك القدرة على تجاوز مرحلة الهيمنة التي تعرّض لها لبنان، ومحاولات الهيمنة الجديدة التي يتعرض لها والتي تسعى لجعل لبنان حلقة في سلسلة نفوذ إقليمي يناقض في أساسه مفاهيم الخيار القومي ووحدة الصف الإسلامي».