إلى جانب وظائفه المتعددة كفضاء للتواصل، حظي الشعراء بمجتمع كامل على موقع الفايسبوك. مجتمع يقرأ فيه بعضهم لبعض، ويتبادلون التهانئ بصدور دواوينهم الجديدة، ويجدون قراءات مباشرة وفورية بمجرد نشر مقاطع أو قصائد لهم على صفحاتهم الشخصية، كذلك فإن ظهور صفحات مخصصة لإعادة نشر هذه القصائد جعل الشعر أكثر كثافة وحضوراً. مسألة التلقّي نفسها لم تعد تحتاج إلى منبر أو جريدة أو مجلة، وباتت «اللايكات» والتعليقات نسخة افتراضية عن المديح والنقد الواقعي والملموس، وهي نسخة تبدو كأنها «متفوقة» في سرعتها على النسخة الواقعية القديمة.
وسواءٌ اعتبرها الشعراء كذلك أو خفّضوا من قيمتها، فإنهم يستأنسون بها، وبعضهم ينتظرها، وآخرون يجدون فيها معياراً أو مؤشراً ما، كذلك فإن نشر الشعر على الفايسبوك صار بالنسبة إلى بعض الشعراء خطوة تمهيدية لنصوص ينبغي أن تنتهي حياتها على الفايسبوك، ولنصوص أخرى تستحق حياة مستمرة في ديوان ورقيّ مطبوع. هناك شعراء شبان ولدوا في زمن الفايسبوك، وأغلبهم لم يجرّب سوى «اللايك» في اختبار قصائدهم في عالم افتراضي بات أوسع من أي مدونة أو مطبوعة ورقية. أما الشعراء الذين عرفوا القراءات التقليدية، فهم أكثر من تأثروا بالتأكيد بالتلقي الافتراضي لنصوصهم. بالنسبة إلى هؤلاء، انعدمت المسافة تقريباً بين زمن الكتابة وزمن النشر وزمن القراءة، وصار بإمكانهم أن يختبروا ردود فعل القراء الفايسبوكيين مباشرةً، بعدما كانوا يرسلون قصائدهم للنشر في الصحف، من دون أن تصلهم ردود الأفعال تلك. كانت العلاقة مع القارئ مسألة شبه مجهولة وتراكمها بطيء. أما اليوم، فبات كل قارئ معروفاً بالاسم. بعضهم يميز بين هؤلاء القراء، فاللايكات لا يشبه بعضها بعضاً، بل يجري تثمينها وتقديرها بحسب صاحب اللايك أيضاً. ببطء في البداية، تعامل هؤلاء الشعراء مع تقنية اللايك، ومع العلاقة المباشرة والسريعة مع القارئ، ثم تحول ذلك إلى مسألة اعتيادية بسبب إيقاع النشر المستمر والمتكرر. وفي الوقت نفسه، بدا وكأن اللايكات تتحول إلى نوع من النقد أو الانطباعات النقدية السريعة. وبات بالإمكان التساؤل عن أهمية اللايك وعن الدور الذي يلعبه في اطمئنان الشعراء إلى نصوصهم وقصائدهم. ماذا يعني وضع «لايك» على قصيدة؟ هل هو ممارسة نقدية من قارئ افتراضي؟ هل هو نوع سريع من النقد الأدبي؟ هل عدد اللايكات يصبح معياراً لجودة النص والاطمئنان إليه؟ أسئلة وجهناها إلى عدد من الشعراء الذين جاؤوا إلى الفايسبوك من عالم النشر التقليدي، وهنا شهاداتهم وإجاباتهم:

صلاح فائق:
مودة مستعجلة


لايك، بالنسبة إليّ، إشارة محيّرة: أشعر أنّ بعضه مبالغٌ فيه بسبب سرعة وضعه. أنا احتاج إلى وقت لقراءة أي نصّ وتقدير مستواه الإبداعي. والحال أنّ معظم الذين يضعون اللايكات على قصائدي، تراجمي وكولاجاتي، يفعلون ذلك خلال ثوانٍ من ظهور أي بوست لي في هذا العالم الافتراضي. حينئذ، أتساءل عما إذا كانت هذه اللايكات حكماً أو تقويماً نقدياً، أم مجرد موقف مؤازر وودّي؟ ألاحظ أيضاً أن الأسماء هي ذاتها تقريباً ولا تتجاوز مئة، بينما عدد أصدقائي في الفايسبوك يفوق ألفاً. إذن لماذا هؤلاء المئة فقط؟ ماذا عن البقية؟ ألا يقرأون لي؟ ربما كانوا مشغولين، أقول لنفسي، لكن لا يمكنهم أن يكونوا كذلك طوال الوقت!
من جهة أخرى، أنا لا أعرف معظم هؤلاء الأصدقاء، وقلما يضعون معلومات عن أنفسهم وحتى من أين هم. وهذه حيرة أخرى. لماذا يطلب أحدهم صداقتك ولا تراه أو تراها إلا نادراً؟ وعندما توافق على طلب الصداقة، يظهر هذا الاسم أو ذاك لمرات قليلة ثم يختفي. لديّ مئات الاسماء من هذا القبيل وأخجل من إلغائها. لا أظن اللايكات، للأسباب التي ذكرتها، ممارسة نقدية. إنها تعبير عن إظهار مودة مستعجلة. التعليقات تختلف، فهي ثناءٌ سريع وليست تعبيراً نقدياً في المعنى المدرسي إلا نادراً. وهذا في كلماتٍ حذرة، قليلة، ولا تسمح بردٍّ أو محاولة مناقشة. لهذه الأسباب، لا تثير اللايكات، في معظمها، اهتمامي. وأيضا لاقتناعي بأنّ البعض يضع اللايك من دون أن يقرأ موضوعي أو قصيدتي. وقد تأكدت من هذا مرات عدة. الفايسبوك ـ مع كل هذا ـ مكان رائع لصداقات، ومنها تجديد تلك القديمة. استفدت كثيراً من هذا العالم المدهش في توثيق كتاباتي، وقصائدي، وجمعها مرة كل أشهر في «فولدرات»، والاشتغال على القصائد التي نشرتها للوصول الى الصيغة النهائية والاقتناع بها، ثم ترتيب النسخة الالكترونية وإرسالها الى بعض الاصدقاء أو طبعها في نسخ قليلة لحفظها إلى يوم القيامة، وكعزاء يائس ضد هذا الحصار الدموي المحزن على نشر أعمال الشعراء والكتاب في هذه الارض المسماة الوطن العربي.

منذر مصري:
ربما تهمّني اللايكات


ربما تهمني اللايكات، أعترف. مع أني في الواقع، في الحقيقة، صدقوا، أقسم، لا أسعى إليها، أقصد أني لا أكتب وغايتي أن أحصل على أكبر عدد من اللايكات، ولكني أتمنى أن تأتيني مئات منها على ما أحبّ أن أكتب. ومن الواضح أن الكتابات الجادة، المهمة، حظها من اللايكات هو الأقل بالمقارنة مع الطرفات، والتفاهات، والترهات، والتهجمات. وما لا أستطيع تفهمه، لماذا عندما تزداد النبرة العدائية، يزداد عدد المعجبين. غير أني مرة جربت وأبديت احتجاجي على ذلك الكم الكبير من الشعر الرديء الذي ينتشر على صفحات الفايسبوك، فما كان من الجميع إلا أن احتج على احتجاجي: «أنت بالذات غير مسموح لك أن تحتج على هذا!؟». وفي الحقيقة أن الصورة التي صارت تعرف عني لا تسمح لي بالاحتجاج، لا على هذا ولا على غيره. أما بالنسبة إلى استخدامي شخصياً للايك، وأنا من مستخدمي الفايسبوك الباكرين بالنسبة إلى سواي من الكتاب السوريين ومجايليّ من الكتاب العرب، فقد كنت أعتبرها مجرد إشارة إلى أنني قرأت أو رأيت. لكني الآن لا أضعها إلاّ على ما يعجبني، نصاً أو... صديقاً. ورغم أن عدد اللايكات هو ما لا يتم التباهي به، ولكن قيمة اللايك يختلف حسب صاحبه، شيء جميل أن تضع لك سمر يزبك لايكاً أو ياسين الحاج صالح... فما بالك إذا وضعته لك أحلام مستغانمي؟
بالتأكيد لا أرى في اللايك، ولا حتى في التعليق الكتابي، ذلك الذي تكثر فيه كلمة «رائع» على أسوأ النصوص قاطبة، نقداً ولا حكم قيمة، إلاّ أن كليهما معاً قد أتاحا للقارئ مشاركة لم تكن متوافرة سابقاً، قد تصل أحياناً إلى نوع من السلطة. كذلك قد يخيّل إلى البعض أن كثرة عدد أصدقائه الافتراضيين تعطيه مكانة ما، باعتبارهم شبه أتباع واعتبار نفسه شبه زعيم!؟

محمد مظلوم:
تشبه المجاملات


اللايك ليس نقداً بقدر ما هو تحيَّة. هو أشبهُ برفع اليد عن بُعد للتحيَّة في هذا العالم الإيمائي، أو يعني مروراً، أو قراءة لا أكثر. لا يبدو الإعجاب اختباراً لنصِّي أو لما أختاره، بل قد يعني لي أن أتحول أنا إلى قارئ لدلالة ذلك الإعجاب، خاصة عندما يضعه أشخاص لا أعرفهم في الواقع، يواظبون على إلقاء تلك التحية، ما يعني أنهم يقرأون لي باستمرار، وهو ما يهمني. لكنني في المقابل أنشر أحياناً شيئاً قد يحتاج إلى بضع دقائق لإتمام قراءته، فأجدُ أنه لاقى إعجاباً فورياً، ما يشير إلى أن ذلك الإعجاب كان مجاملة لي وليس للنص الذي لم يتسع الوقت لقراءته. ربما يستمدُّ الإعجاب أهميته من طبيعة القارئ، شخصياً، لا أهتمَّ كثيراً هنا، الإعجاب كما يبدو لي ليس رأياً نقدياً بالتأكيد. ربما هو نوع من الاستبيان لمزاج الرأي العام، ومع هذا أجد أنه ينبغي أن يتّسم بالمسؤولية لا المجانية. أتساءل هنا، كيف فات مبرمجي فايسبوك أن يمنحوا فرصة للتعبير عن الجانب الآخر: أقصد أن يضعوا خيار «لم يعجبني» أعتقد أنَّ ذلك كان من شأنه أن يقدم لنا صورة تقريبية أوسع عن الأمر.


أنطوان أبو زيد:
ليّكلي تليّكلك


أفهم من اللايك مجرد إشارة أو علامة مطبعية. بحسب علم رموزية الأشياء المعاصرة، تدلّ على مجرد المرور. وبشكل عام أو بالمعنى العام المتداول، تعني اللايك قبولاً أولياً أو استحساناً. والأحرى أن اللايك هو دليل انتماء الى خطاب أو نص أو صورة أو حدث منقول. وقد لا يعني تبنّياً كاملاً لمضمون التعليق أو الرأي أو النص. ولا يمكن اعتبار اللايك تقييماً لنص، ولا سيما إذا كان نصاً شعرياً أو أدبياً، ولا يمكن الاستناد اليه أو إلى أعداد الملَيّكين للنظر الى أهميته الجمالية أو المضمونية. إنها لعبة اجتماعية بامتياز، تعوض بعض الدفء في العلاقات الاجتماعية المغيّبة لمصلحة أطيافها وصور أشخاصها المتوارين خلف الشاشة الصامتة. وقد تصير اللايك فعالة جداً في حال انتماء المليّك له الى سلطة فعلية، اجتماعية أو سياسية أو ثقافية، وكانت المناسبة مهيّأ لها من قبله لاستثمارها، مثلاًً: توقيع كتاب، أو مؤتمر لحزب معين، أو فعالية عامة موجهة مسبقاً، وتحت عناوين واضحة تكاد تكون حزبية ضيقة. ولا ننسى أن الفايسبوك صورة عن مجتمعنا الذي ليس كثير التقدم، بل هو نازع الى الشللية والتذرّر والتجمعات ذات المصالح المتبادلة والواضحة: «ليّكلي تليّكلك».

غسان زقطان:
تهّمني لايكات أثقُ بأصحابها


اللايك تعتمد على الشخص. لديّ قائمة غير مكتوبة لأصدقاء يهمني رأيهم، وأرى في إشارتهم مستوى أوّلياً من الانطباع النقدي، وهذا يترك أثراً لدي، وهناك أصدقاء يدفعهم الحب إلى كتابة الـ«لايك». هذا أيضاً لطيف وفيه نوع من التحية. ما يحدث هو نوع من القراءة للشعر من قبل جمهور حيث جزءٌ كبير منه افتراضي. تضع نصاً أو مقطعاً من قصيدة، وتنتظر الانطباعات على شكل لايك أو تعليق مكتوب. وحين أكتب نصوصاً جديدة، وأنشرها على صفحتي، تهمني انطباعات أسماء أعرفها، وأعرف اتجاهاتها وحساسيتها. أشعر أن نوعاً من الحوار ينشأ هنا. حوار متقشّف وسريع، ولكنه مهم. أما عدد اللايكات، وإن كان معياراً نقدياً، فأنا لا أكترث لقلته أو كثرته، بل أقيس ذلك كما قلت بقائمة محدودة من الأسماء.

محمد بنميلود:
امتداد للقراءة الواقعية


كل لايك توضع على نص أكتبه تعني لي الشيء الكثير. لا أعتبر الأسماء التي تقرأ ما أكتب أسماءً افتراضية، بل هي أسماء لأشخاص حقيقيين من لحم ودم يجلسون خلف شاشة. هكذا أرى الأمر. أغلب الذين يزورون صفحتي هم شعراء وكتاب ونقاد وقراء مواظبون على قراءة الشعر والأدب ومدمنون عليه. يمكن إلى حدّ بعيد اعتبار لايكاتهم انطباعاً نقدياً، أو إشارة نقدية عليّ التقاطها وأخذها في الاعتبار. فتفاعلهم مع نص أكثر من نص آخر وبطريقة مختلفة وبتعليقات متحمسة يعني لي أن ذلك النص أكثر حياةً وانفتاحاً على القراء، وهذا هو ما أبحث عنه. هؤلاء الذين يقرأون في الفايسبوك ويتفاعلون هم أنفسهم من يقرأون ويتفاعلون في الواقع عبر قراءة نصوص في كتب ورقية، هم أنفسهم الشعراء والكتاب والنقاد والقراء الذين يتفاعلون مع نص منشور إلكترونياً في الفايسبوك، وأي واحد منهم قد يتطوع من دون أن يطلب منه أحد ذلك ومن دون أن يَقْدُمَ من الفضاء الخارجي ليصير شاعراً أو كاتباً أو ناقداً يطبع كتباً ورقية ويوزعها في «الواقع»، ويكتب فيها بنفس الحرية، بنفس الجودة، أو بنفس الرداءة، إذ لا أعتقد أن هناك فرقاً بين ما ينشر في الفايسبوك وما ينشر في كتب، سواء كان أدباً أو نقداً. الفرق الوحيد أننا نرى حقيقتنا كثيفة وعارية ومستمرة ومهولة من دون انقطاع في الفايسبوك، في فيضان جنوني غير قابل للتهذيب، بينما نكون انتقائيين حين يتعلق الأمر بالكتب. في الفايسبوك تجد كمّاً هائلاً من الرداءة، لكن في الوقت نفسه تجد نصوصاً غير مسبوقة، وتجد أهم الكتاب العرب المعاصرين ينشرون كتاباتهم على صفحاتهم، كما أنك تجد المكتبات مليئة بالكتب الرديئة والإصدارات السخيفة، وعليك أن تبحث حتى تعرق وتتغبَّر لتجد ديواناً شعرياً واحداً ذا قيمة أو ديوانين أو كتاباً نقدياً واحداً ملمّاً كما يجب بالشعر الحديث وبأهم التجارب. الفايسبوك بالنسبة إليّ امتداد طبيعي وتطور للواقع، وكل إشارة منه عبر لايك أو تعليق تهمني وآخذها في الاعتبار وأحلل دوافعها باعتبارها تفاعلاً نقدياً من قارئ بسيط أو قارئ محترف للقراءة أو شاعر آخر أو كاتب آخر أو ناقد. لكن قبل الانطباع النقدي الذي يصلني عبر الفايسبوك أو عبر نص أنشره ورقياً، ما يهمني أكثر هو انطباعي النقدي الشخصي، واختياراتي الجمالية الصارمة، واشتغالي المتوحد والقلِق على ما أكتب، أمام نفسي في الدرجة الأولى، في إلغاء كامل لأي سلطة خارجية. حين يعجبني نص كتبته، لا يؤثر في ذلك كثيراً تفاعلٌ كبيرٌ معه أو لا. وحين أكون قلقاً إزاء نص ويلاقي تفاعلاً كبيراً وإعجاباً، لا ينقص ذلك من قلقي إزاء ذلك النص وشكي في اكتماله وإقدامي بخطى ثابتة على إعدامه، أو إعادة الاشتغال عليه. لكن، في الغالب يكون إعجابي بنص موازياً لإعجاب القراء به، وقلقي إزاءه موازياً لعدم تحمّسهم لذلك النص، وهذا ربما لأن خياراتي الجمالية تتجه صوب فتح النص على القراءة العامة، أكثر من إغلاقه فقط على قراءات نخبوية قد تكون مجرد خدعة معيارية أخرى.

مايا أبو الحيات:
ترفع المعنويات


ماذا تعني لي «لايك» على نص أو مقطع لي؟ لا شيء أحياناً، أحياناً ترفع المعنويات. حسب مزاجي في تلك اللحظة. ولا أعتقد أنها نقد أبداً. قد تكون تقييماً سريعاً، أوانطباعاً يهمني ويشعرني بالرضى، والقبول، لكن هذا الأمر يخيفني، خاصة حين لا تعجبني آراء صاحب اللايك، وقد أشعر بالانتقاص بسبب اللايك الذي وضعه لي.
أظن أن اللايك يقيس ذوق الناس وليس نقداً للنص بحد ذاته. وذوق الناس مهم لكنه ليس الأهم. لهذا أعتقد أن اللايك يُشعر الكاتب نفسه بأنه يصل، لكن ليس عليه أن يعتبر وصوله وصولاً برتبة كاتب جيد.
أما بالنسبة إلى عدد اللايكات، فحين تزيد اللايكات أحياناً، أشعر بالقلق. أشعر أنّ النص سهل وخفيف جداً، ولهذا ربما يستسهل الآخرون التلييك عليه. أحبّ اللايكات على النصوص المضحكة والساخرة، تشعرني أن آخرين ضحكوا معي في تلك اللحظة وهذا لطيف. قلة اللايكات تشعرني بالقلق أيضاً لأنها تعني أنني لم أصل إلى الحد الأدنى لذوق الناس ولا حتى للكتابة الجيدة.

جوزيف عيساوي:
تعني لي كمتابعة لا كنقد


اللايك إشارة الى توقف أحدهم عند نصك، لحظة أو أكثر. يعنيني لا كرأي فنّي أو نقدي في ما أنشر، بل كمتابعة وتواصل مع «فريندز» هم في الآخِر أشخاص «حقيقيون»، بعضهم أعرفه قبل فايسبوك وبعضهم من بَعده. حتى من لم ألتق به/ بها، يظل شخصاً حقيقياً ما دام هو يتفاعل خاصة بالتعليقات. وهذه تعنيني أكثر، لا سيما عندما تفصّل رأي صاحبها في النص، إيجاباً في الغالب أو سلباً أو جدلاً أرفع مستوى.
عدد اللايكات على البوست يتعلق بساعة إطلاقه على النت (هل هي ساعة ذروة، مثلاً، بين الخامسة والثامنة مساءً) ومزاج الفضاء الافتراضي وأحداثه ذلك اليوم، ويتعلق بطبيعة النص نفسه. لو اتخذ منحى سياسياً أو اجتماعياً لعرفت سلفاً مَن سيضع له كبسة الاستحسان. وإذا كان شِعراً لعرفت من موقفه الوجودي أي عدد نقرات سيحصد. كذلك فإن نكهة الأسلوب (التقشف في العاطفة والغنائية أو عكسهما) ترفع أو تُدني من العدد. ويفاجئني أن الصديقات لا يتورّعن عن إبداء الاعجاب بالشعر الإيروسي حتى حين يلامس بعضه البورنوغرافيا. لكن ورود كلمة «نافرة» مثل: نيك، فرج، عضو، قد يخفف حماسة حتى الأصدقاء الرجال لوضع لايك. بعضهن يُخبرْنني على البريد الخاص إعجابهن بالنص وحياءهن من «لايك» صريحة. بعض «الفريندز» ممن لهم باع في الأدب حين يُثنون على نص بإصبعهم أو بعبارة، يكون هذا مبعث رضى يستمر أو يختفي من متابعتي غير المقصودة للايكاتهم وتعليقاتهم بالذات على نصوص الآخرين انطلاقاً من حكمي عليها: فهل سياستهم هي الثناء المفتوح بلا تدقيق أم الحرص على انطباعاتهم تجاه ما يقرأون؟ وهنا لا يختلف وقع التعليق عنه عندما يصدر حول ديواني في صحيفة أو مجلة متصلاً بتاريخ الكاتب وممارسته النقدية الواقعية.

أحمد الملا:
أحدهم يربّت على كتفي


لايك هي لمسة حنونة بأنّ هناك من يهتم، انتباه ما لوجودي، لستُ العابر بلا رفقة أو الساهر بلا خلان. أحياناً أطير من الفرح وأحياناً أبحث عن شخص معين وأنتظر التفاته. وكثيراً ما يمرّ غريب لا أعرفه، فأذهب إليه، أفتش صفحته وأتخيل حياته وأركّبها كيفما أريد؛ كأنما التقاء نظرتين أو اصطدام كتفين على رصيف مزدحم.
هل اللايك هي ممارسة نقدية افتراضية؟ بالطبع لا. هي مجرد تلويحة من بعيد، وكثيراً ما أتوهم أنني المقصود، وحين أدقق أكثر، أكتشف أن تلك التلويحة تعبر من جواري ولا تعنيني بالتحديد، لأنني هنا في الفايسبوك لست الكائن الذي أعيشه بل الكائن الذي يفترضه الآخر. هل هي نقد سريع، وانطباع يهمني وأعتمد عليه؟ لا، أيضاً. اللايك لها معان عدة، تتولد مختلفة من السياقات المتعددة للمنشور، توقيته، وارتباطه بالحالة المهيمنة على المزاج العام. في رأيي، إنها مدعاة لتشكيل عصبة تجمعها حساسية متناغمة، يمكنها أن تتحول إلى خديعة كبرى في حال تم التسليم بها. ربما ما بعد اللايك هو الحاسم أكثر، أي التواصل الفردي بالرسالة الخاصة الناضجة. وأعني تلك الرسالة بين ندّين يستطيعان تجاوز مجانية المدح والذم، والذهاب أبعد في تأملات ما ينشره أحدهما أو كلاهما. عدد اللايكات لا يمكن أن يكون معياراً نقدياً، ليس من معيار أصلاً في هذا العالم الافتراضي. القليل كثير أحياناً، والكثير قليل في الوقت نفسه. ما أنشره لا أطمئن إليه، لكني لا أنتظر اختباره بمقدار اللايكات. ما أنشره من نصوص هو قراءة بصوت عال مغمض العينين، خلاصة تفكير فرداني موحش. تأتي اللايك مثل تربيتة على الكتف كأنما يقول لك شخص لا تسمعه ولا تراه: أسمعُكَ يا أخي.