الرياض تربط مشاركتها في القمّة بدعوة حكومة السنيورة... ودمشق تتوقّع زيادة الضغوط
لا تزال صورة المشاركة في قمّة دمشق غير واضحة، عشيّة اجتماع وزراء الخارجية العرب غداً في القاهرة، مع بروز شروط جديدة ربطت الحضور السعودي بتوجيه دعوة إلى حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وفي ظل مخاوف خليجية من «انقلاب يغيّر المعادلات السياسية والطائفية في لبنان».
وذكرت مصادر مطلعة في العاصمة السورية أن دمشق باتت ترجّح غياب ملكَي السعودية والأردن والرئيس المصري عن القمة، مشيرة إلى تلقيها تأكيدات في شأن حضور جميع الدول العربية بمستويات تمثيل متفاوتة.
وأضافت المصادر أن الأمين العام للجامعة العربية نقل إلى الرئيس السوري بشار الأسد، خلال زيارته الأخيرة لدمشق، رسالة من نظيره المصري حسني مبارك تتعلّق بتأجيل القمّة العربية، مشيرة إلى أن «الأسد رفض بشدة، مؤكّداً أن القمّة ستعقد مهما حصل».
وقالت المصادر إن الأسد أسمع موسى «كلاماً حادّاً في ما يتعلق بالتعاطي العربي مع القمّة ومع الأزمة اللبنانية». وأضافت أن الاعتقاد السائد في دمشق هو أن «الضغط الذي يمارس على العاصمة السورية سيتزايد، وأنه سيبلغ حد التخريب». وتابعت أن دمشق تلقت إشارات من «بعض الدول الخليجية، بينها الكويت والإمارات والبحرين وعُمان، تفيد بتمايزها عن طريقة التعاطي السعودي مع سوريا».
وعلمت «الأخبار» أن الرئيس السنيورة كلّف وزير الخارجية بالوكالة طارق متري تمثيل لبنان في القمة العربية، على أن يصدر لاحقاً قرار بذلك عن اجتماع مجلس الوزراء. وذكرت مصادر عربية مطلعة أن الدعوة إلى القمّة ستصل إلى لبنان «وفق الأصول المتبعة»، مشيرة إلى أنه «إذا تمّ انتخاب رئيس للجمهورية في 11 آذار فستوجَّه الدعوة إليه، وإذا لم يتمّ ذلك فستكون الدعوة لحكومة السنيورة».
ولا تزال آلية إيصال الدعوة إلى لبنان مثار تكهنات. ورأت مصادر أنها قد تتم عبر وزير الخارجية السوري وليد المعلم أو وزير دولة سوري، أو قد تُسلَّم إلى رئيس المجلس الأعلى اللبناني ـــــ السوري، نصري خوري. إلا أن الأخير ليس في صورة تكليفه بهذه المهمّة.
وفي السياق، نسبت وكالة «فرانس برس» إلى «مصدر سعودي رسمي» إشارته إلى أن المملكة «ستحضر من حيث المبدأ القمة العربية المقبلة في دمشق، ولكنها في انتظار نتائج اجتماع وزراء الخارجية العرب».
إلا أن «مصدراً خليجياً مسؤولاً» قال للوكالة نفسها، من الرياض، إن «السعودية ودولاً خليجية أخرى تنتظر قيام سوريا بدعوة لبنان إلى هذه القمة حتى تقرّر حضورها. فإذا لم يُدعَ لبنان، فإن دولاً خليجية لن تحضر». وأضاف أن «السعودية ودول الخليج الأخرى ترى أن القمة العربية مسألة عربية، ويجب ألا تخضع لمزاجية العلاقات الثنائية المتذبذبة».
وتابع المصدر نفسه «من هذا المبدأ، ستشارك دول مجلس التعاون في القمة المقبلة، وبالتالي يجب أن يشارك لبنان. فإذا انتُخب رئيس للجمهورية توجه الدعوة إليه، وإذا لم يجر الانتخاب في جلسة 11 آذار، فيجب أن توجّه الدعوة إلى الحكومة اللبنانية الشرعية التي يرأسها فؤاد السنيورة».
وأعرب المصدر الخليجي عن شكوكه إزاء انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان «في وقت قريب». وقال إن «المعلومات التي تبادلها وزراء الخارجية الخليجيون في اجتماعهم السبت الماضي أشارت إلى أن مسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان مسألة صعبة، لأن سوريا لا تريد ذلك قبل حصول تفاهم عربي وإقليمي ودولي معها بشأن مسألتين رئيستين». وذكر أن المسألتين «هما المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، والدور السوري في لبنان».
وقال المصدر، الذي شارك في وفد رسمي قاده رئيس وزراء بلاده إلى دمشق أخيراً، إن الرئيس السوري بشار الأسد «لم يعط أي جواب لنصائح ودّية قدمت إليه خلال الاجتماع بالمساعدة على إنجاح مبادرة الجامعة العربية لحل الأزمة اللبنانية، وأبدى عتبه على الرياض وعلى تجاهلها لسوريا». وذكر أن دمشق أسمعت المسؤولين الخليجيين أن «تدهور علاقات السعودية معها هو سبب عدم حل الأزمة في لبنان، وأن التفاهم السعودي ــــ السوري يمكن أن يساعد كثيراً في حل كل الأمور العالقة في لبنان وغير لبنان».
وأضاف المصدر «فهم المسؤولون الخليجيون أن سوريا بات لا يهمها من يحضر أو لا يحضر القمة العربية، بقدر ما يهمها أن تبقى محتفظة بالورقة اللبنانية في لعبة التجاذب الإقليمي والدولي في المنطقة».
ونقلت «فرانس برس» عن مصدر دبلوماسي خليجي آخر قوله إن «الرياض ترى أن دمشق أصبحت تغرّد خارج السرب العربي، وأنها أصبحت تعطّل الحلول العربية للأزمات في لبنان وغير لبنان، وأنها ذهبت بعيداً في علاقاتها مع إيران على حساب علاقاتها العربية». وأضاف أن الرياض ترى أنها «أعطت أكثر من فرصة لدمشق لمساعدتها والتعاون المشترك لحل أزماتها، في مقابل أن تساعد سوريا على حل الأزمة في لبنان، وتقديم معلومات بشأن اغتيال الرئيس الحريري، وأن الرئيس الأسد وعد الملك أكثر من مرة بالتعاون، ولكن لم يتحقق شيء من هذه الوعود».
ورأى المصدر أن «دمشق مستعدة لمقاومة كل الضغوط، ولكنها لا يمكن أن تتنازل عن الورقة اللبنانية. لذا، من مصلحتها استمرار الفراغ السياسي والدستوري في لبنان، إذ إنها لا تضمن، في ظل الظروف الراهنة، وجود حكم لبناني موال لها». وخلص إلى القول «من يضمن إذا استمر الفراغ، أن تحصل انتخابات تشريعية في لبنان وسط الخلاف الحالي على قانون الانتخاب، وبالتالي سقوط البرلمان وكل المؤسسات الدستورية. والخوف الأشد هو من حصول انقلاب على الأرض يغيّر المعادلات السياسية والطائفية في لبنان».
في هذه الأثناء، نفت مصادر سورية وعربية في القاهرة، لـ«الأخبار»، شائعات إعلامية عن تحضيرات سرية لقمة عربية مصغّرة استباقاً لقمة دمشق، فيما أعلن رئيس الحكومة الجزائرية عبد العزيز بلخادم أن بلاده ستشارك في القمة العربية «على أعلى مستوى».