أردوغان نقل رغبة أولمرت بالتفاوض والأسد اشترط تلازم المسارات ووقف الاعتداءات على الفلسطينيّينيبدو أن المشهد السوداوي الذي يستشرفه الجيش الإسرائيلي لواقع إسرائيل الاستراتيجي دفعه بقوة هذه المرة الى الطلب رسمياً من الحكومة أن تتّجه صوب إدارة مفاوضات مباشرة وسريعة مع سوريا بغية التوصل الى اتفاق معها يؤدي برأي الجيش الى فرط السلسلة التي تمتد من طهران الى غزة وتتمركز دمشق في وسطها. وترافق هذا الكلام المسرّب أمس الى صحافة إسرائيل، مع كلام آخر نسبته وكالة رويترز الى مسؤولين إسرائيليين وأوروبيين عن توجيه تل أبيب رسالة تحذير الى سوريا بأنها سوف تتحمّل مسؤولية أي هجوم يشنّه حزب الله رداً على اغتيال قائده العسكري الشهيد عماد مغنية.
وفيما تنشط الماكينات العسكرية والأمنية في كل دول المنطقة خشية وقوع انفجار كبير، تعمل إسرائيل سياسياً وفق خلاصات حرب لبنان الثانية العسكرية، ولا سيما أنها أدركت أن إحدى أخطر نتائج هذه الحرب هي عودة «التلازم الاستراتيجي» بين جبهتي لبنان وسوريا وامتدادها العملي نحو المناطق الفلسطينة في ظل دعم إيراني غير مسبوق. كما أن الحديث عن جهوزية عسكرية إسرائيلية لمواجهة حروب على كل الجبهات يبدو «كلاماً للإعلام» فقط، حيث تقود مؤشرات كثيرة الى وجود مشكلات كبيرة يصعب على إسرائيل تجاوزها في وقت قصير. كما أن الوقت الذي يمرّ من شأنه تعزيز قدرات الجبهات المقابلة. ويبدو أن الجيش والاستخبارات العسكرية المعنيين بالأمر يدركان هذه المصاعب، ما يدفعهما الى البحث عن مخرج ولو مؤقت.
وبينما تحدث «موظفون أمنيون فرنسيون» عن «مفاوضات تجري في تركيا بين إسرائيل وسوريا»، علمت «الأخبار» أن رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان حمل في أكثر من مناسبة رغبة إسرائيلية في إدارة حوار سريع ومكثف مع سوريا. وقد أجيب بأن دمشق لا تزال تريد السلام، لكنها لا تريد صفقة في الخفاء. وهي إذا وجدت أن من المناسب حصول نقاش، فهي ترغب في أن يكون علنياً وليس بعيداً عن الأضواء، وأن تكون هناك إشارات جدية وكاملة إلى نية إسرائيل الانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة. كذلك أُبلغت أنقرة بأن سوريا لا يمكن أن تفاوض تحت النار، وليست النار إذا أطلقت عليها وحدها، لكنها لن تدير حواراً فيما ترتكب إسرائيل المجازر ضد الفلسطينيين. كذلك علم أن سوريا أبلغت تركيا أنها لا تريد تعطيل جهودها، لكنها «تتمسك بوحدة المسارات التفاوضية مع كل العرب، وهي تنظر بحذر الى النوايا الإسرائيلية، وهي تشاهد ما تقوم به إسرائيل في كل المنطقة».
وحسب مصدر مطلع، فإن دمشق ليست مستعدة لصفقة من النوع الذي تريده إسرائيل للانتقام من عرب آخرين، وهي لا تشعر بوجود حماسة جدية لدى الولايات المتحدة لحصول أي تقدم، بل إن هناك دلائل على مزيد من التعامل الاميركي غير الواقعي مع شؤون المنطقة، وليس هناك ما يشير الى أن تل أبيب قادرة في هذه الظروف على تجاوز الإرادة الأميركية.
موقف الجيش
وفي مواقف عُدّت تجاوزاً للحدود الوظيفية المعتادة كرّرت قيادة الجيش الإسرائيلي موقفها من ضرورة التفاوض مع سوريا. إلا أن الجديد هو تضمين هذا الموقف في التقدير الاستراتيجي الذي قدم إلى الحكومة الأحد الماضي، وفيه أن هناك إمكاناً لـ«إخراج سوريا من محور التطرّف بثمن إعادة الجولان إليها على خلفية أن مفتاح أي اختراق في سلسلة التهديدات الاستراتيجية المحيطة بإسرائيل موجود في دمشق».
وكشفت وسائل الاعلام الاسرائيلية امس أن قادة الجيش ومسؤولين في المؤسسة الأمنية باستثناء رئيس الموساد مائير داغان، «يبثون، خلافاً لبعض السياسيين، شعوراً بالإلحاح والحاجة لإطلاق عملية سياسية مع سوريا». وبحسب المعلق السياسي البارز في صحيفة «معاريف» بن كسبيت، فإن ملخص ما يقوله هؤلاء لرئيس الحكومة، إيهود أولمرت، يتألف من ثلاث كلمات «أولمرت، سافر إلى سوريا». وأشار كسبيت إلى أن هذا الموقف يتردد في الغرف المغلقة وفي النقاشات السرية وكذلك في أحاديث العمل الأكثر حميمية مع القيادة السياسية، مضيفاً أن الحديث يدور عن ضرورة «إخراج السوريين من دائرة الحرب، فهم الرابط بين طهران وبيروت. هم دار الضيافة. هم ترسانة الصواريخ العنيفة. هم التهديد الكبير. بدونهم، إيران ستنعزل، حزب الله سيجف، المنظمات الإرهابية ستضعف».
أما عوفر شيلح فنقل في «معاريف» أيضاً ما قال إنها «الجملة الاستثنائية التي وردت في ورقة رئيس شعبة الاستخبارات اللواء عاموس يادلين وفيها: «في ظروف محددة، سيكون من الممكن إبعاد سوريا عن المحور الراديكالي. ومن أجل حصول ذلك، يجب أن يكون هناك استعداد إسرائيلي لتسوية تشمل هضبة الجولان، وضمان أميركي لمصالح السوريين».
وينقل المعلق عن ضباط رفيعي المستوى قولهم «إن الجمهور لا يدرك ما قد يحصل هنا: فالمواجهة مع سوريا ستكون، وفقاً لكلامهم، حرباً من نوع لم نعرفه بعد، حرب تدميرية ثنائية وصفها أحدهم كحرب لبنان مضروبة بثمانية».
بانتظار رد حزب الله
من جهتها نقلت وكالة «رويترز» عن مصادر إسرائيلية وأوروبية في القدس المحتلة أن إسرائيل نقلت حديثاً تحذيراً الى سوريا عبر طرف ثالث بأنها ستحمّل دمشق المسؤولية إذا شنّ حزب الله هجمات عليها. وأضافت إن منشأ التحذير هو «قلق إسرائيل من أن يطلق حزب الله دفعات صواريخ عبر الحدود لتتزامن مع أي هجوم إسرائيلي كبير في قطاع غزة».
ونسبت الوكالة الى «مصدر أوروبي مطلع على المسألة» أن الرسالة التي نقلت الى دمشق «قالت إن إسرائيل يمكن أن تستهدف سوريا حتى إذا انطلق هجوم حزب الله من أرض لبنانية». وأضافت نقلاً عن «مصدر إسرائيلي على معرفة بشؤون الحكومة» قوله «أصبح واضحاً لنا أن سوريا يجب أن تفهم أن هناك ثمناً لاستخدامها للإرهاب بالوكالة وخاصة أن دمشق نفسها وكيل.. الذراع الطويلة لإيران.»
ولدى سؤاله عن خطر هجوم إسرائيلي على سوريا رداً على هجوم لحزب الله قال مسؤول بريطاني «هناك دائماً خطر أن يؤدّي تحوّل في الأحداث هنا الى إثارة شيء ما على الحدود الشمالية.. وهو ما سيكون كارثة».
وأضاف المسؤول «موت عماد مغنية والانتقام الذي هدّد به حزب الله يتركان شبح صراع إقليمي أوسع». وقلّل المسؤول من فرص فتح مسار سلام إسرائيلي سوري في تلك الظروف. وقال «هناك اهتمام على الجانبين، لكنني أعتقد أن المضي قدماً بشأنه سيكون صعباً جداً». وأشار الى العلاقات الوثيقة بين سوريا وإيران، وقال إن «فكرة اتفاق سلام إسرائيلي سوري أصبحت أكثر صعوبة».