14 آذار ترجّح عدم مشاركة السنيورة في القمّة وحديث عن اقتراب البحث من الحكومة الانتقاليّة
وسط ترجيحات باتّخاذ الرئيس فؤاد السنيورة قراراً بمقاطعة القمة العربية في دمشق، كشفت مصادر دبلوماسية عربية بارزة عن مساعٍ يقودها ناظر القرار 1559 تيري رود لارسن لعقد اجتماع دولي في العاصمة الفرنسية أو في عاصمة أوروبية أخرى لاتّخاذ مواقف من الأزمة اللبنانية، بعدما بات متعذّراً اللجوء إلى مجلس الأمن في هذا الصدد.
وقالت المصادر إنّ المناخ الذي يعمل لارسن في ظلّه يسيطر عليه هاجس الضغط على سوريا قبل القمة العربية وبعدها، وإنّ المقترح يشبه الدعوة إلى عقد اجتماع عربي ودولي في باريس شبيه باجتماع باريس 3، ولكن هذه المرة سيتّخذ طابعاً سياسياً، لإعلان مواقف ذات صفة معنويّة تحمّل سوريا مسؤولية عدم انتخاب رئيس جديد للبنان، وتحمّل المعارضة اللبنانية دون أن تسمّيها مسؤولية منع التوصّل إلى تفاهمات سريعة.
المشاركة في القمة
وإذ أكد النائب وليد جنبلاط مجدداً أمام زواره أن السنيورة لن يشارك في قمة دمشق، وأن ثمّة احتمالاً قوياً بعدم إرسال أحد، فقد رجح مرجع سياسي كبير لـ«الأخبار» عدم مشاركة السنيورة، وأن جنبلاط تولى توفير المخرج الملائم سياسياً وقانونياً من خلال مبدأ التصويت في جلسة لحكومة السنيورة، فيرفض وزراء جنبلاط (مروان حمادة وغازي العريضي ونعمة طعمة) قرار المشاركة، علماً بأن إسقاط قرار كهذا بالتصويت يتطلّب صوتين فقط في مجلس الوزراء من غالبية الثلثين المتوافرين حالياً لحكومة السنيورة، فتحجم الحكومة عن المشاركة.
وعزا المرجع دوافع هذا المخرج إلى التخلص من وزر الموقف الأميركي الذي دعا قبل أيام الزعماء العرب إلى مقاطعة القمة، فلا يبدو غياب لبنان عنها استجابة للتحريض الأميركي كي لا يكون بمثابة «فضيحة سياسية»، ثم إن الرئيس المصري حسني مبارك والملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز سيقاطعانها بسبب الأزمة اللبنانية العالقة وتضامناً مع السنيورة وفريقه، فالأحرى ألا يحضرها هذا الأخير.
إلا أن المرجع لا يكتم قلقه من مرحلة ما بعد القمة، في ضوء ما قد ينجم عنها من تداعيات، ولا سيما السلبية منها، إذا قاطعها زعماء عرب كثيرون، رغم أن مشاركة زعماء عشر دول عربية من 22، على مستوى الصف الأول، كافية لجعل القمة ناجحة في الشكل، لأنه لا قمة عربية تنجح في المضمون وفي الممارسة وفي وضع قراراتها موضع التنفيذ. لكن الخشية الفعلية في رأيه تكمن في تداعيات سلبية محتملة من جراء الأزمة السورية ـ السعودية من الآن وحتى موعد انعقاد قمة دمشق، مع أن أبواب المفاجآت تظل مفتوحة حتى ربع الساعة الأخير. لكن انطباعات المرجع السياسي في ضوء ملاحظاته حيال مسار الجهود المواكبة للقمّة تجعله يخشى آثاراً سلبيّة على الأزمة السياسية والدستورية اللبنانية لمدة أطول من الزمن، إذا خرجت القمة العربية أكثر تعبيراً عن الشرخ العربي.
ولفت المرجع إلى أن التأخّر الحاصل في حل الأزمة قد يسقط مطلب حكومة الوحدة الوطنية في الأشهر القريبة، ليكون المطلب حكومة انتقالية يتولّى فيها شخص محايد وزارة الداخلية، وتكون مهمّتها التحضير للانتخابات النيابية المقبلة وإجراءها.
ورجّح الوزير مروان حمادة عودة سريعة لموسى إذا توصل في مساعيه واتصالاته إلى معطيات تشجع على انتخاب رئيس للجمهورية يرأس وفد لبنان إلى قمة دمشق. وتكتّم عن موعد انعقاد جلسة الحكومة لبتّ موضوع المشاركة في القمة العربية، وقال لـ«الأخبار» إن غالبية أركان فريق الموالاة السياسية والوزارية لا تحبّذ تلبية هذه الدعوة حتى الآن، «أما إذا انتخبنا رئيساً للجمهورية فهو يحضر القمة على رأس وفد لبنان».
وقال حمادة إن الموالاة كانت ولا تزال تطالب رئيس مجلس النواب بفتح أبواب المجلس ليجري انتخاب رئيس الجمهورية، وهذا ما تثيره مع كل المسؤولين والوفود العربية والأجنبية التي تزور لبنان، وستثيره اليوم مع رئيس البرلمان العربي محمد جاسم الصقر الذي وصل إلى بيروت أمس للقيام بمساع للتقريب بين الموالاة والمعارضة بغية حل الأزمة اللبنانية.
لارسن ومؤتمره الجديد
ومن نيويورك، أفاد الزميل نزار عبود، نقلاً عن مصادر دبلوماسية في الأمم المتحدة، أن لارسن طرح في الفترة الأخيرة فكرة عقد مؤتمر دولي يأتي على غرار باريس 3، وبمشاركة الدول نفسها التي حضرته وبالأطر نفسها، ولا سيما أنّ لهذه الدول ديوناً على لبنان، ولديها حجج مالية وسياسية تسمح لها بالظهور بمظهر الحريص على استقرار لبنان وعلى حماية حقوقها المالية فيه. وأريد للمؤتمر أن يخرج بقرارات وبيانات يمكن استخدامها كوثيقة تساعد أعضاء مجلس الأمن الدولي على التدخل في لبنان، وتهيّئ قاعدة لاتّخاذ قرارات ملزمة تتمتّع بغطاء دولي، ولا تأخذ طابعاً غربياً أو عربياً من لون معيّن.
لكنّ بعض المصادر أكّدت أنّ لارسن لم يجد تجاوباً في كلّ من الإمارات ومصر والأردن التي فضّلت التريّث لاستنفاد جهود المبادرة العربية. فمشروع لارسن المدعوم من بعض العواصم الغربية ينطوي على تضارب مع المبادرة العربية ويلغيها كلياً. وبذلك لم يُطو مشروع لارسن، بل إنه ينتظر نتائج المساعي العربية الجارية والنتائج التي يمكن أن تتمخض عنها القمة العربية في دمشق. وتدعو هذه العواصم إلى تركيز الجهد على الأرض وبشكل مباشر على غرار مهمات موسى السابقة في بيروت.
وفي هذا السياق، نقل مراسل «الأخبار» في القاهرة الزميل خالد محمود رمضان عن مصادر مصرية وعربية واسعة الاطلاع أن لارسن يكثّف اتصالاته في محاولة لتحقيق اختراق جوهري قبل القمة العربية. ونفى مقرّبون من الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أن يكون لارسن الذي حلّ في الرياض ضيفاً على الملك عبد الله، يحمل في جعبته مبادرة دولية مكتملة لتسويق حل ناجع للأزمة اللبنانية. لكن المصادر المطلعة أكدت أن لارسن يعتقد أن بالإمكان انتخاب رئيس جديد في جلسة 25 آذار المرتقبة.
وتقول المصادر إن لارسن ينطلق من مبادرة الجامعة العربية، لكنه لا يجمع في الوقت نفسه بين انتخاب الرئيس وإعادة تأليف حكومة وحدة وطنية. ولم تفصح المصادر عن المزيد، ملمّحة إلى أنّ لارسن قد يزور القاهرة قريباً لإطلاع الرئيس المصري حسني مبارك على أفكاره لحل الأزمة في لبنان.
من جهة ثانية، أفاد مراسل «الأخبار» في باريس بسام طيارة، نقلاً عن مصادر مطّلعة، بعودة التلويح بتقارير عن «تنفيذ الـ١٥٥٩»، إضافة إلى إخراج ملف المحكمة الدولية إلى الساحة الإعلامية ضمن توجّه بممارسة ضغوط يصفها مراقب فرنسي بأنها «ستكون رهيبة» على دمشق، لتوصل إلى انتخاب رئيس قبل القمة العربية. ويشير مصدر عربي في باريس في هذا السياق إلى «المصادفات التي تتجمّع في أفق هذا التوجّه، إذ إنّ لارسن الذي مرّ في باريس وتشاور مع مستشار الوزير برنار كوشنير للشؤون السياسية كريستوف بيغو، سوف يقدّم تقريره حول تطبيق القرار ١٥٥٩ قبل يوم واحد من موعد جلسة الانتخاب في الخامس والعشرين من الشهر الجاري. وفي الوقت نفسه، يعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن أول قرار حول المحكمة الدولية سوف يصدر في ٢٧ آذار قبل يومين من انعقاد القمة.
ويبدو أن لارسن سوف يتطرق إلى موضوع الانتخابات الرئاسية انطلاقاً من الفقرة الخامسة في القرار 1559 التي تنص على «تأييد مجلس الأمن لعملية انتخابية حرة ونزيهة في الانتخابات الرئاسية المقبلة تجري وفقاً لقواعد الدستور اللبناني الموضوعة من دون أي تدخّل أو نفوذ أجنبي».