بغداد ـ الأخبارمن المعروف أنّ الدول الفدرالية تنشأ بإحدى طريقتين: إمّا نتيجة اتفاق دول مستقلّة على أن تصبح دولة اتحاديّة، أو نتيجة انفصال الولايات عن دولة موحّدة بسيطة، مع رغبتها في أن يستمرّ بعضها مرتبطاً ببعض في ظلّ النظام الاتحادي.
وحتّى الآن، ليس معروفاً ما إذا كانت التجربة الكرديّة تمثل أيّاً من هذين الشكلين، لأنّ ما كانت تسمّى «منطقة الحكم الذاتي»، التي تضمّ محافظتي أربيل والسليمانيّة، عندما كان قضاء دهوك تابعاً للموصل، لم تكن سوى استجابة لمطالب ثقافيّة واجتماعيّة مؤطّرة باتفاق سياسي يصبّ في مصلحة الحزب الحاكم.
وعلى أرض الواقع، اتّخذت هذه الخطوة لعزل تلك الحركة عن حاضنتها الشعبية، بحيث أصبح من السهل التخلّص منها في أوّل فرصة سانحة، ولا سيّما أنّ ولاءها موزّع بين حكومة البعث في بغداد، ونظام الشاه في طهران.
آنذاك، وحتى حرب الخليج الثانية عام 1991، لم تكن فكرة الفدرالية مطروحة، حيث عملت الولايات المتحدة على خلق «المحميّة الكرديّة»، إثر انتقال «الحركة» من عموم أراضي منطقة كردستان، باتجاه إيران وتركيا. وفي الحقيقة، لم يكن إنشاء المحميّة من أجل الأكراد وقياداتهم، بل كان بفعل ضغط أنقرة وطهران.
وبحسب باحثين في شؤون الفدرالية، فإنّ هذا الكيان كان نتيجة المخططات الخارجيّة المؤثّرة على «المعارضة العراقية»، التي كانت تتضمّن تجزئة العراق تحت واجهة «الاستفادة من التجربة الكردية».
وقد أسهمت حمّى الفدرالية في خلق صراعات عنيفة داخل الحكومة العراقية حول الموضوع الذي أخذ ينتشر في مناطق أخرى من العراق. إذ يتطلّع عدد من سكّان الجنوب، ولا سيّما في البصرة وميسان والناصرية، إلى إقامة «إقليم الجنوب» الذي سيكون غنياً بالنفط والثروات الطبيعية، إضافة إلى أنه يتحكّم بالمنفذ العراقي الوحيد على البحر، بينما يطالب آخرون بالإقليم «الشيعي» في الوسط والجنوب.
مهما يكن الأمر، فإن واقع الحال يشير إلى أن بلاد الرافدين باتت مقسمة فدرالياً إلى أقاليم تسيطر عليها الميليشيات وقيادات الأمر الواقع: المناطق السنّية تحكمها «الصحوات» والكردية «البشمركة» والشيعية «المجلس الأعلى» و«جيش المهدي»، الذي تحدثت أنباء أنه كان يقيم حتى محاكم قضائية، لا يعرف إذا كانت لا تزال موجودة بعدما جُمّد نشاطه.