تنعقد بعد غد السبت القمّة العربية في دمشق لتفتح مرحلة جديدة من النزاعات السياسيّة العربية ـ العربية، بعدما نجحت الولايات المتحدة في فرض «مقاطعة» الدولتين الأكثر تأثيراً في ملفّي فلسطين ولبنان: مصر والسعودية. يحدث ذلك في ظل رغبة سورية في عدم تفجير القمّة، وترك شعرة معاوية تربط بين العواصم العربية، مع حرص على إعطاء الأولوية لأزمتي فلسطين والعراق حيث تسود قوى احتلال أجنبي، وعدم رهن العلاقات العربية ـ العربية بمسائل خلافية داخلية، كما هي حال أزمة لبنان.وفيما يجتمع وزراء خارجية الدول العربية اليوم لمناقشة مشروع بيان ختامي، فإنّ مصادر معنيّة قالت إنّ التوجّه هو لعدم إثارة نقاط تزيد من الخلافات القائمة، وإن الجميع يتصرف على قاعدة أن القمة ستتحول عمليّاً إلى محطة لربط النزاعات لا تضخيمها. وقالت المصادر إنّه في ما خص ملف لبنان، فإن ما أعدّته الأمانة العامة للجامعة العربية يقتصر على تثبيت المبادرة العربية دون أي تفاصيل جديدة أو إضافات، وخصوصاً أن غياب لبنان سوف يقلّص هامش النقاشات. كما أن عدم وجود وزير خارجية السعودية سعود الفيصل سوف يغيّب عاملاً مؤثراً في موقف فريق السلطة في لبنان.
أما في ما خص مبادرة السلام العربية، فإن التوجه هو لتأكيد ما سبق أن أعلن في القاهرة لناحية تمسّك العرب بعملية السلام، من دون أن يعني ذلك اعتبار المبادرة مفتوحة بلا أفق. وقالت المصادر إنه في هذا البند، ثمّة تنازع واضح في ظل وجود فريق يريد عزل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية عما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية. وأشارت إلى مناخ سلبي يسود الأوساط الدبلوماسية في السعودية ومصر حيث لامس التأثير الأميركي حدود اعتبار غزّة «مركز خطر» على قوى «الاعتدال العربي».
ولم تتأكد المعلومات عن احتمال طلب الرئيس اليمني علي عبد الله صالح جمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل الموجود في العاصمة السورية. وكان مندوب عباس إلى الاجتماعات التنفيذية للقمّة قد أكّد أنّ الرئيس الفلسطيني سيحضر الجلسة الافتتاحية، لكنه قد يسافر فوراً إلى رام الله للاجتماع بوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس.
أمّا في ما يخصّ ملف العلاقات العربية ـ العربية، فسيدرس وزراء الخارجية اقتراحاً بتأليف لجنة مساعٍ، وهناك أكثر من رأي في هذه المسألة لأن الجميع في مناخ تصعيد وتوتّر إضافيّين بعد انتهاء أعمال القمّة العربية.
إلى ذلك، لا تزال دوائر البروتوكول في دمشق تنتظر تثبيت حضور الرئيس الليبي معمر القذافي والملك الأردني عبد الله الثاني، فيما قالت مصادر قريبة من الأمين العام لجامعة الدول العربيّة عمرو موسى إن الجلسة الافتتاحية سوف تشهد إلقاء كلمات لعدد من رؤساء الوفود ومن الضيوف، إضافة إلى كلمتي موسى والرئيس السوري بشار الأسد.
وكانت مصر قد سارت، أمس، على الهدي السعودي لجهة خفض مستوى تمثيلها في القمّة، معلنة إرسال وزير دولة، وهو ما اعتبرته دمشق «قراراً سيادياً»، إلا أنها قررت منع الوفود غير الممثلة برؤساء من إلقاء كلمة في الجلسة الافتتاحية العلنية.
ورأت مصادر مصريّة أن قرار القاهرة إيفاد وزير الدولة للشؤون القانونية والدستورية، مفيد شهاب، يعني أن العلاقات المصرية ـــــ السورية مرشحة للتدهور عقب القمة، فيما ربط المتحدث باسم الخارجية المصرية حسام زكي، الذي سيمثّل بلاده في اجتماع وزراء الخارجية في دمشق اليوم، بين نجاح القمّة وتسوية الأزمة اللبنانية.
بدوره، رأى وزير الخارجية السوري وليد المعلّم، خلال مؤتمر صحافي في دمشق، أن «لبنان قد أضاع فرصة ذهبية لبحث العلاقات السورية اللبنانية بغيابه، لأنه كان مقرَّراً مناقشة الأزمة السياسية في لبنان والعلاقات السورية اللبنانية بكل صراحة في الاجتماع المغلق». وشدد على أن «المبادرة العربية هي الأساس لحل الأزمة اللبنانية والمجتمع الدولي باركها ما عدا أميركا». وقال إن «حل الأزمة اللبنانية يقع على عاتق اللبنانيين من خلال الحوار، وعلى الدول العربية تشجيع الحوار اللبناني، ولا سيما تلك الدول التي ترتبط بعلاقات جيدة مع لبنان مثل السعودية ومصر». واتهم الولايات المتحدة بالسعي إلى «إفشال القمّة».
وأشار المعلم إلى أن تعديل «استراتيجية السلام» هو أحد أهم ملفات القمة، داعياً إلى التمييز «بين المبادرة العربية والاستراتيجية».
أما عمرو موسى، فأكد «أن الموضوع اللبناني سيكون مطروحاً بقوة في جلسات القمة المغلقة». وأعرب عن أسفه لعدم حضور لبنان.
إلى ذلك، أورد التلفزيون السوري أن القمة سيحضرها رؤساء الإمارات خليفة بن زايد، والسودان عمر البشير، واليمن علي عبد الله صالح، والسلطة الفلسطينية محمود عباس، وتونس زين العابدين بن علي، وموريتانيا سيدي ولد الشيخ عبد الله، والجزائر عبد العزيز بوتفليقة، وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. وأكدت مصادر سابقاً حضور الزعيم الليبي معمّر القذافي، إلا أن طرابلس لم تصدر أي إعلان رسمي في هذا الخصوص، فيما بقي التمثيل الأردني غامضاً، وسط أنباء عن احتمال تمثيل المملكة بوزير الخارجية صلاح الدين البشير.
لبنان
وفي لبنان، عكف رئيس الحكومة فؤاد السنيورة على إعداد الكلمة التي سيوجهها الى القمة العربية واتصل هاتفياً بعدد من القادة العرب شارحاً لهم حيثيات قرار الحكومة بعدم المشاركة فيها. وقال قطب في 14 آذار لـ«الأخبار» إن الموالاة ستوجّه بدورها مذكرة إلى القمة العربية يوم الجمعة المقبل، فحواها أن كل ما تطلبه من العرب هو:
أولاً ـ ترك لبنان يمارس حقوقه الدستورية وعدم تعطيله.
ثانياً ـ عقد قمة عربية خاصة بلبنان خارج سوريا، أو عقد اجتماع لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية للبحث في سبل إنهاء الأزمة اللبنانية ووقف «التدخل السوري» في شؤون لبنان.
وأضاف هذا القطب الموالي أن قوى 14 آذار تراقب التطورات الجارية حالياً وهي تصر على أن يكون انتخاب رئيس الجمهورية الجديد هو المدخل لأي حل، ولكنها ستحدد موقفها النهائي من دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الحوار بعد انتهاء القمة العربية خلال اجتماع سيعقده أركانها بعد عودة رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري ورئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع من الخارج.
وقال هذا القطب في معرض تعليقه على المواقف الأخيرة لبري إن الأخير تحدث موحياً أن حكومة المثالثة مبتوتة «ولكن هذا غير صحيح». وأضاف: «بما أنه قال إننا متفقون على رئيس الجمهورية فلماذا لا نبادر إلى انتخابه لكي يبادر هو الى رعاية الحوار، ولماذا لا يفتح بري أبواب المجلس ويدعو النواب إلى الحوار في كل القضايا المختلف عليها، ما دام يريد هذا الحوار».
وأشار القطب إلى أن الأمور لم تتبلور بعد وأن بري لم يأتِ بجديد في مبادرته الأخيرة وأن طلته التلفزيونية «كانت لتبرير خطوة تأجيل انتخاب رئيس الجمهورية التي اتخذها في اليوم التالي».