وقائع ومداولات الجلسة المغلقة... ودمشق تتبادل الرسائل مع القاهرة و«قطيعة» مع السعوديةدمشق ـ إبراهيم الأمين
أخطأت السعودية أكثر من مصر في خفض تمثيلها في القمة العربية التي اختتمت أمس في العاصمة السورية. فحضور أي مسؤول سعودي رفيع المستوى كان سيخطف الأضواء من الآخرين، وربما كان بمقدوره قلب جدول الأعمال رأساً على عقب، علماً بأنّ الدولة المضيفة تمكّنت من احتواء الضغوط والهجمات عليها، وبادرت من خلال خطاب الرئيس بشار الأسد وفي المداولات إلى إعطاء انطباع بعدم وجود خلافات ونزاعات من النوع الذي تصعب معالجته، حتى إن الأسد حرص في ختام القمّة على إبلاغ مندوب مصر مفيد شهاب بأنّ سوريا تشكر الرئيس حسني مبارك على رسالته وكانت تأمل لو أنّه حضر القمّة، وهي تسعى لأن تكون العلاقات بين البلدين جيدة، علماً بأن الأسد حمّل الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى رسالة ثانية الى الرئيس المصري تضمّنت رأي سوريا في بعض المسائل الخلافية.
وفي الوقت نفسه، لم يجرِ التعامل مع الهدوء الذي اتسمت به القمّة على أنه واقع الحال العربي، بل على العكس، فإنّ الأسد نفسه أبلغ بعض الحاضرين بأن خطابه في الافتتاح يعكس احترام سوريا لمقام رئاسة القمّة، لكن لسوريا رأيها الاكثر وضوحاً وحزماً في كل العناوين المطروحة للنقاش، وهو الذي حرص في الجلسة المغلقة على دفع النقاش الى أبعد حدود من الصراحة.
وبدت صورة الموقف النهائي أقرب إلى فوز سوريّ بالنقاط على خصومها، وخصوصاً على السعودية. ويمكن حساب هذا الفوز بالآتي:
أوّلاً: تقدّمت سوريا من حيث الشكل، إذ إن الحضور الرئاسي لقمة دمشق لم يكن مختلفاً كثيراً عن الحضور الرئاسي في أي قمّة أخرى. ولولا التقدير السياسي للمستوى المنخفض للتمثيل من جانب مصر والأردن والسعودية، لما كان أحد قد اعتبر ما حصل أمراً جديداً.
كذلك، ربحت سوريا في أن تكون خمس من أصل ست دول خليجية حاضرة بقوة في الاجتماع. حتى غياب ملك البحرين الذي تربطه علاقات طيّبة بالرئيس السوري كان مفهوماً، ولا يُعدّ موقفاً سياسياً بحد ذاته. كما كشفت المداولات التي جرت في الاجتماع المغلق عن تباين واضح بين موقف دول عدّة من مجلس التعاون الخليجي وموقف السعودية، وخصوصاً في ما خص ملف العلاقات مع إيران.
ثانياً: في جدول الاعمال، لم ينجح السعوديّون ولا مصر في تقديم ملف الأزمة اللبنانية الى رأس الاهتمامات، بل إنّ من يُفترض أنهم حلفاء للسعودية لم يحاولوا خلال الاجتماعات التمهيدية ولا في الاجتماعات الموسّعة ولا في الاجتماع المغلق، أن يجعلوا من ملف لبنان ورقة الخلاف البارزة. حتى في ملفات إيران وفلسطين والعراق، بدا أن الجميع أقرب الى تسويات من النوع الذي نشاهده في كلّ القمم العربية.
ثالثاً: على مستوى النتائج، إنّ ما خرجت به القمة على صعيد الأزمة اللبنانية لم يكن من النوع الذي يحرج سوريا. كما لم يحصل فريق السلطة الفلسطينية على تغطية لأي خطوات مقبلة، سواء تلك المتعلقة بالوضع الداخلي أو بما خص مستقبل الصراع مع إسرائيل، ولم تصدر كذلك عن المؤتمر أي توصية أو بيان أو مشروع قرار من شأنه تحويل إيران الى عنصر الخطر الأبرز كما يفترض حلفاء أميركا من العرب. أضف إلى ذلك أنّ سوريا سوف تتولّى رئاسة القمّة العربيّة، وبالتالي كل اللجان العربية الخاصة بالجامعة أو المؤتمرات الدولية، كما أن القمّة المقبلة سوف تكون في قطر، لا في مقر الجامعة كما رغب كثيرون.
لقاء الرؤساء المغلق
وكانت القمة قد اختتمت امس بعد جلستين، واحدة نصف علنيّة وأخرى علنيّة، إلى جانب إذاعة إعلان دمشق، ومن ثم المؤتمر الصحافي لموسى ووزير الخارجية السوري وليد المعلم. وجاءت وقائع الأحد بعد جلسة مغلقة خصّصت لقادة الدول دون بقية أعضاء الوفود، واستمرت ثلاث ساعات وحصلت خلالها مداولات في كل النقاط الخلافية، ولا سيما ما يخص واقع العلاقات العربية ـ العربية.
ولخص مصدر واسع الاطلاع في العاصمة السورية مداولات الجلسة المغلقة بالآتي:
في ملف لبنان:
رأى الرئيس الأسد أن الوفد اللبناني لو كان موجوداً، لكانت سوريا على استعداد لمناقشة كلّ ما يتّصل بالملف اللبناني، سواء ما يتعلق بآلية عمل المبادرة العربية وجهود الامين العام، او ما خص مستقبل العلاقات اللبنانية السورية. ولكنّ غياب لبنان وغياب آخرين سوف يعقّد النقاش بعض الشيء. وهنا تدخّل الزعيم الليبي معمر القذافي ليقول إنّه لا يجوز في حالة غياب لبنان أن يُناقش الملف، ومن لا يرد الحضور الى القمة فكيف له أن يفرض علينا مناقشة وضعه. وطالب القذافي الجميع بتجاوز هذه النقطة، وقال إنه لا يفضل الاشارة الى الملف من أصله حتى في البيان الختامي. وأصرّ على موقفه حتى إنه هدّد بالانسحاب من القمة إذا حصل نقاش للملف، ما استدعى لاحقاً توجُّه الرئيس السوري الى مقعد القذافي والطلب إليه عدم الاعتراض على الاشارة من جديد الى المبادرة العربية في البيان الختامي. وكان لافتاً عدم مشاركة الوفد السعودي في النقاش.
ملف العلاقات مع إيران:
بادر عمرو موسى الى إثارة ملف العلاقات العربية مع إيران ووجود مخاوف لدى دول عربية من الدور الايراني. وجاء كلامه معطوفاً على توضيحات طلبها آخرون في ضوء كلمة القذافي في الجلسة الافتتاحية عن أن 80 في المئة من شعب الخليج العربي هو من أصل إيراني. وتحدّث أمير الكويت عن أن العائلات الحاكمة في الخليج العربي هي من العرب الأقحاح، فيما تحدث الجانب الاماراتي عن أن المشكلة القائمة بشأن الجزر تحتاج الى علاج. وهنا عاد القذافي ليكرر موقفه الداعي لإحالة هذا الملف إلى محكمة العدل الدولية بدل عملية التحريض القائمة الآن، والقول إنّ إيران فارسية والحديث عن سنّة وشيعة وخلاف ذلك من الامور، مكرراً حديثه عن الدور الاميركي في الحرب العراقية ـ الإيرانية. وهنا تحدّث رئيس وفد سلطنة عمان عن مبالغات وتزوير للحقائق في تصوير وجود مشكلة بين دول الخليج وإيران. وقال إن هذا الكلام يُشتمّ منه وجود مشكلة، وهو أمر غير صحيح، وإن العلاقات مع إيران جيدة ويجب العمل على تطويرها، وهو الكلام الذي وافق عليه أمير قطر الذي قال إن الجميع يعمل على تطوير العلاقات مع إيران لا العكس. ثمّ عاد النقاش الى مسألة الجزر من خلال تثبيت ما يرد عادة في مقررات القمم العربية، مع إضافة الطلب الى القذافي البحث مع إيران في إمكان نقل الملف الى محكمة العدل الدولية. ولم يتحدث المندوب السعودي في هذا الملف.
في ملف فلسطين:
كان واضحاً أن وفد السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس يريد تجنّب أمرين، الاول يتصل بعدم صدور موقف يعطّل مفاوضاته القائمة مع الاسرائيليين، والثاني يخصّ عدم تحويل إعلان صنعاء الاخير الى أساس للبحث في مستقبل العلاقات الفلسطينية الداخلية. وفي المقابل، برزت مداولات ومساهمات رفضت الحديث عن الانقلابات والاشارة بالسوء الى حماس أو الى المقاومة الفلسطينية، فيما تمّ التوافق على ترك ملف إعلان صنعاء غامضاً مع التشديد على دعم جهود الرئيس اليمني. علماً بأن وزير خارجيته أبو بكر القربي كان قد أبلغ شخصيات فلسطينية وسورية وعربية في دمشق بأن غياب رئيسه يرتبط بأمور داخلية، لكنه تحدث عن وجود رفض من جانب دول عربية وغير عربية لإعلان صنعاء. وقال صراحة إن الرئيس عباس لا يريد الاشارة إليه أبداً، ويريد العودة الى المبادرة التي تتطلّب التنفيذ الفوري من دون أي حوار. وكان النقاش التمهيدي قد شهد سجالاً بين المندوبين السوري والفلسطيني عندما رفض الأوّل محاولة الثاني إضافة نص يدعو الى دعم منظمة التحرير الفلسطينية والتزاماتها الدولية، وهو ما كان عباس يريده للحصول على ما يعتبره الغطاء العربي لاتصالاته وتفاهماته مع الحكومة الاسرائيلية، علماً بأن حركة «حماس» أبلغت الجميع امس من خلال قيادتها الموجودة في العاصمة السورية بأنها لن تقبل بأيّ بحث يصوّرها كغاصبة للسلطة أو يلزمها بأي خطوة من شأنها تعريض برنامج المقاومة للخطر.
في ملف العراق:
كان الوفد العراقي غاضباً جداً من كلام القذافي عن إعدام الرئيس العراقي صدام حسين، وقال رئيس الوفد إن ما حصل كان عملية محاسبة لنظام مجرم. وأضاف: لقد كان هناك نظام ارتكب الجرائم بحق شعبه، وكان لا بد من المحاسبة، وهل كان المطلوب محاكمة الصغار وإعفاء الكبار لمجرد أنهم رؤساء. وكان لافتاً أنه لم يعلق على كلامه أحد. لكن النقاش الآخر اتصل برغبة الوفد العراقي في تعديل النص الذي يدعو الى إنهاء الاحتلال والمصالحة، وحاول بواسطة مدير مكتب الامين العام للجامعة السفير هشام يوسف إدخال تعديل من النوع الذي يسحب تحفّظه. لكنّ تعديلات يوسف لم تُقَّر، إذ كانت من النوع الذي يدعو عملياً الى وقف المقاومة لأنها تضمّنت الدعوة الى حصر السلاح بيد الحكومة العراقية وحدها.