سليمان «يرفض رئاسة ملوّثة بالدم» وصفير يسأل: هل يريدونه معدوم الإرادة والقدرة والفاعليّة؟
تسلّم قائد الجيش العماد ميشال سليمان مساء أمس نتائج التحقيق العسكري العملاني في جريمة قتل سبعة مواطنين وجرح نحو ثلاثين آخرين في منطقة الشياح ـــــ مار مخايل. وقدم العميد أحمد قاسم تقريراً عن مجريات ما حصل يوم الأحد الدامي ضمّنه توصياته الى القيادة لاتخاذ ما يجب من قرارات بشأن من يفترض التقرير أنهم يتحمّلون المسؤولية عما حصل، على أن يحال الملف الى الشرطة العسكرية التي يُفترض بها إحالة المرتكبين الى القضاء لمتابعة الملف قضائياً.
وبينما ذكرت مصادر مطلعة أن «التقرير يقدم معلومات مفيدة عن حقيقة ما حصل ويقدم إجابات منطقية على معظم الأحداث التي جرت»، فإن زوار قائد الجيش نقلوا عنه «التزام التوصيات كما هي دون تدخّل وأنه قرّر الامتناع عن أي اتصالات تهدف الى التأثير على مجريات التحقيق». وقال هؤلاء إن سليمان «يعيش الهاجس الأكبر إزاء ما يحصل لأنه يشعر بأنه متروك لمواجهة وضع صعب جداً، وأن هناك من يريد أن يوسَم ترشيحه للرئاسة بالدماء، وهو غير مستعد لتحمّل هذه المسؤولية ولا يريد رئاسة ملوّثة بدماء الناس والفتنة». وسأل الزوار: «أين هو وزير الدفاع الياس المر الذي لم يقطع إجازته ليكون الى جانب الجيش، ولماذا يختفي وزير الداخلية حسن السبع في وضع كهذا، وهل المقصود ترك الجيش في مواجهة مع قوى سياسية داخلية بقصد إحراجه؟».
وقالت مصادر مطلعة على التحقيق إن المراجعة شملت أكثر من مئة عسكري ومدني، وإن ابرز ما تم التوصل إليه هو أن عناصر من الجيش أطلقوا النار لأسباب غير مبرّرة على عدد من المواطنين، وأن المواجهة الأولى مع الكادر في حركة أمل أحمد حمزة أظهرت إصابته برصاصة واحدة في يده من سلاح حربي صنع روسي وهو لم يكن موجوداً بيد العسكريين على الأرض، وربما كان بحوزة أحد مرافقي ضباط العمليات أو شخصيات أخرى. لكن الرصاصة التي أدّت الى مقتل حمزة تبيّن أنها من نوع متفجر، فيما تأكد أن الشهداء الآخرين سقطوا برصاص يعود الى عناصر من الجيش أُطلق من مسافات متنوعة، وأن بعض القناصة الذين كانوا على أسطح البنايات كانوا من العسكريين».
ولكن المعلومات غير الرسمية ركزت على اكتشاف سلاح روسي مع قناصة تبيّن أنها استُخدمت في إطلاق 59 رصاصة على منطقة مواجهة كان فيها حشد كبير من المتظاهرين، ولكن لم يتم تحديد هويتها، وأن التحقيقات التي شاركت في قسم كبير منها مديرية المخابرات في الجيش، أخذت في الحسبان إفادات لمواطنين تحدثوا عن وجود عناصر غرباء عن المنطقة أتوا على دراجات نارية قبل الاشتباك وأثناءه وغادروا لاحقاً مع موجة من الشائعات التي وصلت حد الإشارة الى أن مجموعة من عناصر فتح ـــــ الاسلام وصلت الى المنطقة من أحد المخيمات، وأن هؤلاء العناصر هم الذين يرمون قنابل ويطلقون النار على نقاط عسكرية تابعة للجيش اللبناني في المنطقة المحيطة أو المؤدية الى الضاحية الجنوبية لبيروت.
وبحسب الآلية، فإن ما ينتهي إليه قاسم سوف يخرج على شكل توصيات مسلكية الى قيادة الجيش، فيما تدرس الشرطة العسكرية الملف بالتعاون مع مديرية المخابرات قبل إحالة المشتبه في تورّطهم الى القضاء العسكري الذي يعمل الآن تحت إشراف ومتابعة النائب العام التمييزي سعيد ميرزا.

الانعكاس السياسي

وفيما أبدت مصادر دبلوماسية عربية خشيتها من انعكاس الأمر سلباً على ترشيح سليمان للرئاسة، لاحظت مصادر سياسية أن بعض قوى 14 آذار بدأت تشير الى ضرورة البحث عن خيار آخر. ونقل عن النائب وليد جنبلاط قوله إن ترشيح سليمان هو «مناورة ينبغي أن تنتهي سلباً أو إيجاباً لأن استمرارها يحجب أي جهد أو نشاط سياسي آخر، فيما النشاط الآخر المطلوب يجب أن يخفف من احتمالات التوترات والتفجيرات». وفي هذا الوقت، واصل رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري صمته، وهو الذي لم يتصل بعد بالقيادات السياسية والأهلية في منطقة الضاحية معزياً بحسب ما ذكر قريبون من رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذين قالوا إن في فريق 14 آذار من لا يزال يتعامل مع ما حصل كأنه حادث عادي وهم لا يأخذون بجدية الضغوط التي تتعرّض لها قيادة المعارضة بسبب ضبطها الجمهور ومنعه من القيام بأي رد فعل.

صفير

من جانبه أكّد البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير ضرورة استعجال انتخاب رئيس جديد والخروج من الأزمة، معتبراً أن العماد سليمان «لا يحظى بشبه إجماع فحسب، بل بإجماع كل الأفرقاء. ولذا ينبغي المسارعة الى انتخابه والالتفاف من حوله كي يبدأ مهمته. هناك من لا يريده أن يبدأ رئيساً قوياً ويسعى الى فرض شروط عليه وخلق الذرائع لتعطيل انتخابه. يريدونه في الظاهر ولا ينتخبونه. هل المطلوب أن يكون لدينا رئيس للجمهورية ممحوّ الكيان أم يريده كل من الافرقاء على طرازه هو وقياس مصالحه؟ يجب أن يكون الرئيس على قياس نفسه لا على قياس الآخرين».
وشدد البطريرك في حديث لـ«الأخبار» على أنّ «الإرادة الطيبة تقودنا الى إجراء انتخابات الرئاسة. أنا أصرّ على الإسراع في إجرائها حتى يكون لدينا رئيس يحاور الجميع ويتفق وإياهم ويضع الحل موضع التنفيذ. لا أفهم أسباب عرقلة الانتخابات. هل كل واحد يريد أن يكون هو الرئيس، أو أن يأتمر به الرئيس؟ هل يطلبون رئيساً معدوم الإرادة والقدرة والفاعلية؟».
ولم يكتم صفير قلقه من الوضع الحاضر، وخصوصاً بعد أحداث الأحد الماضي في مار مخايل والشياح، ملاحظاً أنه «لا أحد من اللبنانيين يريد العودة الى الحرب الأهلية، إلا إذا كانت هناك أطراف تريدها لأسباب تتصل بها هي، فتدفع بالوضع الى الحرب التي يرفضها اللبنانيون. ونحن نعرف أن لهؤلاء أدوات في الداخل».
وأكد البطريرك أن «من الضروري أن ينتهي التحقيق (في أحداث مار مخايل ـــــ الشياح) الى نتائج. إذا كان هناك متهم وثبتت التهمة عليه يجب أن يقال ذلك ويُعرف، لا أن يصار الى تزييف الحقائق. أنا مع كشف الحقائق مهما تكن، ولتشق العدالة طريقها. ليس لنا إلا العدالة والقانون. ونحن مع هذا الهدف ولا نقبل بتغطية المسؤول عما حدث».
وأضاف: «في لبنان 18 طائفة لا يمكن إلا أن تتعايش بعضها مع بعض لا أن تسعى كل منها الى أن يكون لها وطن وحدها، أو على قياسها ومصالحها. إذا كنا فعلاً سنستمر في الإمعان في تخريب هذا البلد، فهو بالتأكيد سيسقط».
وقال البطريرك إن ثمة أفرقاء لبنانيين «يتصرفون بمنأى عن المصلحة الوطنية، وهناك أناس يجارون سوريا ليس حباً بها، بل لأن لها كلمة في لبنان ونفوذاً يوفر لهم مناصب ومكاسب ومصالح، فيجارون سياستها. هكذا كان الأمر قبل سنوات، وهكذا هي الحال اليوم على ما يبدو. صرنا نلاحظ أن كل طرف لا يتوخى إلا مصلحته. وهذا يذكّرنا بقول فولتير إن «الناس تلحق مصلحتها كما السواقي عندما تصب في البحر».
وردّاً على سؤال عن الانقسام الضارب في صفوف القيادات المارونية التي تنأى بنفسها عن الاتفاق، قال البطريرك: «هناك موارنة يشدّونهم الى الغرب وآخرون يشدّونهم الى الشرق، وكل منهم يسلك طريقه تبعاً لمصالحه. ليس بين هؤلاء من يتصرف بتجرّد».

موسى يتأخّر

على صعيد المساعي العربية، تبلغت مراجع سياسية ودبلوماسية في بيروت أن الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى سوف يؤخر زيارته الى بيروت قدر المستطاع ريثما تتّضح الصورة اكثر، ولا سيما بعدما تلقى تقارير سلبية تشير الى فشل محتوم سوف يلاقي أي مساعٍ جديدة يقوم بها. وقالت المصادر إن موسى سمع نصيحة مباشرة من مرجع لبناني كبير بعدم المغامرة بما بقي لمبادراته من رصيد الآن، وأن ينتظر صدور بعض المواقف الضرورية وترقب نتائج التحقيقات في جريمة الشياح قبل العودة الى بيروت. كذلك أبلغ المرجع نفسه موسى استبعاده حصول انتخابات رئاسية في الحادي عشر من الشهر الجاري.