رسائل داخليّة وخارجيّة فرضت التهدئة و14 آذار تلملم ذيول تصعيدها
مال الوضع السياسي الى الهدوء ابتداءً من مساء أمس على أثر اتصالات جرت في اتجاهات عدة داخلية وخارجية لمنع انزلاق البلاد إلى فتنة. وقد عزّز هذا الهدوء صدور الادّعاء العسكري في جريمة مار مخايل.
فبعد أكثر من أسبوعين على الجريمة التي أوقعت سبعة شهداء وأكثر من ثلاثين جريحاً، خطا القضاء العسكري خطوته الأولى نحو الكشف عن ملابسات هذه الأحداث الدامية. فإثر اجتماع عُقِد مساء أمس في مكتب النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا ودام نحو سبع ساعات، وضمّه ومفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد والمفوّض المعاون القاضي رهيف رمضان، ادّعى القاضي فهد على ضابطين برتبة رائد و11 عسكرياً بجرم القتل المتعدّي القصد بموجب مواد قانونية، بينها المادة 550 من قانون العقوبات التي تنص على عقوبة الأشغال الشاقة مدة خمس سنوات على الأقل. كما ادعى القاضي فهد على ضابط برتبة عقيد وخمسة عسكريين بجرم مخالفة التعليمات العسكرية من دون التسبب بإيذاء أحد، وعلى 58 مدنياً، بينهم خمسة موقوفين، بجرم القيام بأعمال شغب، وعلى اثنين آخرين بجرم حيازة مسدسات.
وأظهرت ورقة الطلب التي أحالها القاضي فهد على قاضي التحقيق العسكري الأول أن مسألة مطلق النار على الشهيد الأول في الأحداث المذكورة أحمد حمزة لم تُحسم بعد، فتمّ الادعاء على «مجهول ومَن يظهره التحقيق من مدنيين وعسكريين لإقدامه على قتل» حمزة. يشار إلى أن حمزة أصيب بطلق كلاشنيكوف واحد على الأقل، وأفادت مصادر مطلعة بأن التحقيقات أظهرت أن أفراداً من الجيش مزوّدين بأسلحة من النوع نفسه كانوا متمركزين في المنطقة.
وذكر الادعاء أن الضابطين والعسكريين الـ11 تسببوا بوفاة ستة مدنيين وجرح آخرين. كما أشارت ورقة الطلب إلى الادعاء على مدنيين مجهولين لإضرامهم النار في سيارات مدنية وإلحاق الضرر بأملاك خاصة ومحاولة قتل عناصر من الجيش ومن المدنيين بإطلاق النار وإلقاء القنابل عليهم وإصابة أحد الضباط في خوذته، وإطلاق النار على آليات عسكرية وإلحاق الأضرار بها.
وذكرت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن المقصود بهذه الجرائم هو تعرّض الجيش والمدنيين لإطلاق النار من جهة مجهولة في المرحلة الثانية من الأحداث، أي بعد سقوط العدد الأكبر من الشهداء والجرحى. كما توصلت المرحلة الأولى من التحقيقات إلى خلاصة مفادها أن القنبلة التي ألقيت في عين الرمانة لم تكن بين أيدي المصابين، بل رُمِيت عليهم من مجهول ادعى عليه القضاء بمحاولة القتل. وأضافت المصادر أن التحقيقات لم تتوصل بعد لمعرفة مطلق النار من بندقية الكلاشنيكوف التي عثر عليها قرب مستشفى الحياة، والتي ثبت استخدامها يوم الأحداث.

اتّصالات وثلاث رسائل

وعلى الصعيد السياسي، جرت اتصالات محلية وعربية تدعو إلى لجم التصعيد. فقد دعا مجلس الوزراء السعودي فريقي الموالاة والمعارضة إلى «تغليب المصلحة اللبنانية والعودة الى الحوار الجاد» لتنفيذ المبادرة العربية لحل الأزمة السياسية. كما طالب الرئيس المصري حسني مبارك «الأطراف اللبنانيين بالتوافق في ما بينهم لانتخاب رئيس للبلاد»، فيما أمل وزير الخارجية السوري وليد المعلّم أن تثمر جهود الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى «حلّاً قبل انعقاد القمة العربية».
وفي السياق نفسه، كانت لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة اتصالات مع الرئيس أمين الجميّل ورئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط وآخرين من أركان الموالاة دعاهم فيها الى التهدئة. وأوضح جنبلاط أمام زوّاره أنه لم يقصد في كلامه أول من أمس التهديد والتهويل بل الرد على «الشتائم والتخوين والتهديد».
وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الأخبار» إن رسائل ثلاثاً وُجهّت إلى المعنيين جميعاً بالتصعيد، أولاها، من برّي الذي حذر من أن التعرّض المتعمّد لعين التينة هو لعب بالنار ومجازفة خطرة نظراً إلى انعكاساتها، وأن ما حدث أو يحدث قد لا ينتهي عند هذا الحدّ. وثانيتها، من حزب الله عبر نائب رئيس المجلس السياسي النائب محمود قماطي بكلامه عن حدود الصبر. وثالثتها، من الجيش الذي باشر خطوات إجرائية على الأرض بغية وضع الأمن تحت سيطرته لمنع تكرار ما حدث.
وأشارت المصادر الى أن هذه الرسائل ترافقت مع إشارات إضافية ذات دلالة:
ـــــ نفّذت عناصر من حركة «أمل» انتشاراً واسعاً في محيط عين التينة للحؤول دون تكرار إطلاق النار على بيت رئيس المجلس، سرعان ما توسّع إلى الأونيسكو والروشة مروراً بساقية الجنزير. وبدا هذا التصرّف إنذاراً بأن الشارع ليس متروكاً لفريق دون آخر.
ــــــ تبلغت السفارة السعودية في بيروت ليل أول من أمس من بري عبر رسول، خطورة ما حدث في عين التينة وانعكاسه على نحو بدا معه كأن ثمة مَن يريد أن يدفع إلى فتنة مذهبية.
ـــــ تلقى برّي اتصالاً هاتفياً من الحريري استنكر فيه إطلاق النار على منزل رئيس المجلس، وأوعز إلى معاونيه لمنع المواكب السيّارة وشدّد على إبقاء الخلاف في نطاقه السياسي ليس إلا.
ـــــ جرى اجتماع بين معاونين لجنبلاط وآخرين للنائب السابق طلال أرسلان أفضى إلى معالجة ذيول حادثة عاليه.
في هذه الاثناء أكد بري للأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى خلال اتصال جرى بينهما أنه عندما يعود الى بيروت في 24 من الجاري سينعقد اجتماع رباعي جديد من أجل التوصل الى اتفاق يفضي الى تنفيذ المبادرة العربية.
وإلى ذلك، قال أحد أقطاب المعارضة لـ«الأخبار» إن أركانها منكبّون على درس ما يمكن اتخاذه من خطوات سياسية في مواجهة التصعيد الموالي، إذ إنهم يشتبهون في وجود مخطّط لدى فريق الموالاة لانتخاب العماد ميشال سليمان بنصاب النصف زائداً واحداً قبل انعقاد القمة العربية.
وأشار المصدر الى أن فريق الموالاة يعمل بالتعاون مع بعض الدول العربية الداعمة له على استصدار بيان أو قرار من مجلس الأمن يحدد موعداً ثابتاً ونهائياً لانتخاب رئيس الجمهورية، حتى إذا استحق هذا الموعد ولم يحصل الانتخاب فيه يصدر عندئذ بيان أو قرار يحض على انتخاب العماد سليمان بنصاب النصف زائداً واحداً.