لندن ــ الأخبار
تحوّلت قضية صفقة الأسلحة السعودية ـــــ البريطانية المعروفة باسم «اليمامة»، أمس، من قضية «رشوة» إلى تهديد أمن دولة، بعدما كشفت وثائق سريّة أن الأمين العام لمجلس الأمن القومي السعودي، الأمير بندر بن سلطان، هدّد حكومة لندن بتسهيل عمل الإرهابيين لشنّ هجمات فوق أراضيها ما لم يُغلق ملف التحقيق فيها.
وذكرت صحيفة «الغارديان» البريطانية، أمس، أنّ الوثائق ظهرت إلى العلن أول من أمس خلال جلسة المحكمة العليا للاستماع إلى قضية صفقة الأسلحة السعودية. وتشير الوثائق، التي كشف عنها للمرة الأولى، إلى أن المحققين البريطانيين تلقّوا تهديداً، خلال زيارة بندر إلى لندن، بأنّهم سيواجهون «7/7 آخر» (في إشارة إلى هجمات 7 تموز 2005 في العاصمة البريطانية)، وقتل «البريطانيين في الشوارع»، إذا استمرت تحقيقاتهم، وذلك عبر وقف التعاون الاستخباري السعودي مع لندن.
وأضافت الوثائق أنّ «أياماً بعد زيارة بندر، وجّه (رئيس الوزراء السابق طوني) بلير كتاباً خطياً إلى المدّعي العام غولد سميث، وأُجبر بعدها مكتب التحقيقات الخطيرة على وقف تحقيقه» في الرشى المتعلقة بالصفقة. وأشارت إلى أنّ مكتب التحقيقات حذّر المدّعي العام من مغبّة إغلاق التحقيق، ومن إمكان انتقاله إلى الولايات المتحدة أو سويسرا، وقد أثبتت هذه التنبؤات صدقيتها في ما بعد.
وذكرت المحكمة العليا، التي عقدت جلستها للنظر في الالتماس الذي تقدّمت به منظمات بريطانية اعتراضاً على قرار بلير، أنّ «الأمير بندر هو من وقف وراء هذه التهديدات، وهو متهم بالحصول على أكثر من مليار جنيه استرليني رشوة من شركة الأسلحة البريطانية (بي أي إيه)». كذلك اتهمت بندر بتهديد بلير عندما قام بزيارة لندن في كانون الأول عام 2006.
ونسبت «الغارديان» إلى قاضي المحكمة العليا قوله إن «الحكومة ظهرت كأنّها رضخت بعد التهديدات»، مصوّراً ما حصل وكأنّ «أحداً يوجّه مسدساً إلى رأس» الحكومة. وفوجئ القاضي كيف أنّ الحكومة لم تحاول حتى ملاحقة السعوديين من أجل سحب تهديداتهم. وأضاف «لو حصل هذا في تشريعنا، لكان اعتُبِر جريمة جنائية». وتابع أنّه «بعدما بَطُلت حجج (بي أي إيه) التجارية، الخطوة الثانية كانت تهديد الأمن الوطني... وهذا شيء سيئ». من جهته، قال الادّعاء إنّه عندما فشلت «بي أي إيه» في محاولتها الأولى لوقف القضية، غيّرت تكتيكاتها. وأضاف أنّ القضية لا تتعلّق فقط بمبيعات الأسلحة بل بتصوير الوزراء البريطانيين وشركائهم السعوديين القضية على أنّ متطلبات «الأمن الوطني» تستدعي إغلاق ملفها.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ التهديدات نجحت في وقف التحقيق، إلا أنّها أثارت ضجّة دولية، بعدما نشرت «الغارديان» قيمة المبالغ التي حصل عليها بندر، وهو ما أطلق في وقت لاحق قضية غسل أموال في دول أخرى، إذ فتح القضاء الأميركي تحقيقه الخاص بموجب قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة تتعلّق بالمال البريطاني الذي حُوّل إلى الأمير بندر عندما كان سفيراً للمملكة السعودية في واشنطن.
وصفقة «اليمامة» أجريت في عام 1985، واشترت خلالها الرياض من لندن 72 طائرة «تورنيدو» و30 طائرة «هاوك». وكانت «الغارديان» قد كشفت كيف تمّ تضخيم سعر الطائرات. ونقلت عن السفير البريطاني في السعودية في تلك الفترة، ويلي موريس، قوله إن «الأمير سلطان (ولي العهد الحالي) كان يبدي اهتماماً فاسداً بالحصول على رشوة من كل الصفقات». وأضافت أن رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر وابنها مارك وعدداً من أعضاء الأسرة الحاكمة في السعودية اتهموا أكثر من مرة بأنهم حصلوا على عمولات عبر صفقة «اليمامة»، التي بلغت قيمتها 43 مليار جنيه.
وأكدت الصحيفة أن وثائق وزارة الدفاع البريطانية كشفت عن أن سعر كل طائرة «تورنيدو» ضخّم بنسبة 32 في المئة ليصبح 21.5 مليون جنيه بدلًا من 16.3 مليون جنيه.