المعارضة تنتظر جواب موسى والموالاة على اقتراح برّي بالمثالثة وصعوبات تواجه توزيع الحقائب
بدت بيروت خلال اليومين الماضيين أقرب الى ساحة مواجهات ذكّر بعضها بصور الحرب الأهلية لناحية التوترات بين الأحياء ونصب حواجز طيارة وتوقيفات على الهوية. وقد ترافق ذلك مع استمرار الجمود السياسي محلياً وعربياً، بينما واصلت إسرائيل استنفارها على خلفية الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر اللّه، وانتظار ردّ من الحزب على جريمة اغتيال القائد العسكري فيه عماد مغنية.
وفيما وسّع الجيش انتشاره تفادياً للأسوأ، أفيد بأن الاتصالات السياسية ظلت مقطوعة بين طرفي النزاع، بينما كانت قوى المعارضة تعيد درس الموقف في ضوء ما قد يحمله الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى من جديد في زيارته المقررة نهاية هذا الأسبوع.
وفي هذا السياق، زار وفد من حركة أمل برئاسة النائب علي حسن خليل، العماد ميشال عون أول من أمس وسلمه نسخة عن الاتفاق الأخير الذي تم بين الرئيس نبيه بري وموسى، والذي يتضمّن دعوة فريق السلطة الى الموافقة على مبدأ المثالثة واعتماد قانون عام 1960 للانتخابات النيابية وتوزيع الحقائب السيادية مناصفة (العدل والمال والخارجية والدفاع) وترك حقيبة الداخلية إلى شخصية مسيحية محايدة يختارها رئيس الجمهورية.
وإذ تحدثت مصادر متابعة عن ترحيب أوّلي من جانب الحريري بالفكرة، فإنها كشفت عن شرط أساسي له هو انتخاب العماد ميشال سليمان قبل بدء البحث في تطبيق بقية البنود. وقالت المصادر إن هناك مشكلة كبيرة تعترض الاتفاق التفصيلي لناحية توزيع الحصص، لأن التصوّر الأولي يقول بمنح المعارضة عشرة وزراء (خمسة مسيحيّين لكتلة العماد عون وخمسة شيعة لتحالف أمل وحزب الله) فيما توزّع حصة الموالاة وفقاً للآتي: خمسة سنّة لتيار الحريري وثلاثة دروز لجنبلاط وواحد مسيحي لجعجع وآخر للرئيس أمين الجميّل، وهذا يعني أنّ آخر عشرة سوف تترك لرئيس الجمهورية وهي مؤلّفة من 8 مسيحيّين وسنّي وشيعي. وإذا قرر النائب الحريري التمسّك بتوزير الياس المر، فإن أخذه من حصّة الرئيس سوف يكون مرفوضاً من جانب المعارضة لأنّها تعتبر المر من فريق 14 آذار. وإذا قرّر الحريري احتسابه من حصّة الموالاة، فهذا يعني أنه سيتخلى عن مقعد من حصّة الجميّل أو جعجع، وسيكون فريق 14 آذار ممثلاً بماروني واحد. يضاف إلى ذلك أنّ حزب الله والمعارضة معه قد يطالبون بوزير سنّي وآخر درزي مقابل التخلّي عن وزيرين شيعيّين، وهو أمر يرفضه الحريري وجنبلاط.
من ناحية أخرى، لمّحت مصادر الى أن جهوداً كانت تبذل لترتيب لقاءات للرئيس بري في باريس مع مسؤولين سعوديين للبحث في صيغة حكومة المثالثة على قاعدة انتخاب الرئيس التوافقي مقابل تعهد الموالاة بتنفيذ السلة الكاملة التي تتمسك بها المعارضة، بحيث يتفق عليها ويتم تنفيذها في خلال فترة تمتد من 6 إلى 9 أشهر تكون فيها حكومة السنيورة حكومة تصريف أعمال فقط.

الوضع الأمني

إلا أنّ المناقشات السياسية الداخلية ظلت متوقفة وحلت محلها الإشكالات والتوترات المتنقلة بين شوارع بيروت، وتطوّر الأمر أمس الى إطلاق الرصاص ما أدى الى جرح مدنيّين فلسطينيين برصاص عناصر من تيار «المستقبل» قرب مخيم صبرا. وقد وسّع الجيش دائرة انتشاره محذّراً المواطنين من المشاركة في التجمّعات التي تتحول الى مصدر لأعمال الشغب، موحياً بتوقيف كل من يكون ضمن هذه التجمعات، وذلك بعد يومين من المواجهات التي تنقلت من حي الى آخر على طول الطرق الموصلة بين رأس النبع والبسطة وصولاً الى البربير وبربور ومحلة قصقص القريبة من المدخل الشمالي الغربي للضاحية الجنوبية. وقد اتهمت قوى المعارضة فريق الموالاة بعمليات استفزاز يومية من أجل استدراجها الى فتنة، فيما ردّت مصادر قريبة من تيار «المستقبل» الإشكالات الى تعرّض مناصري التيار للسباب والشتائم يومياً من مناصرين لحركة أمل وحزب الله.
وقالت مصادر أمنية إن قيادة الجيش تحدثت مراراً الى القيادات السياسية التي يتبع إليها المتقاتلون، وهي وعدت مراراً بالعمل على ضبط الشارع. وإزاء عدم حصول ذلك، قررت اللجوء الى رفع مستوى التدابير والتدخل لقمع المخالفات وخصوصاً بعدما شعرت بأن هناك من يريد خلق خطوط تماس جديدة بين الأحياء الداخلية في بيروت. وترافقت هذه التدابير مع عقد اجتماع في مكتب مدير المخابرات في الجيش العميد جورج خوري حضره مسؤولون أمنيّون في تيار المستقبل وحركة أمل وحزب الله، وكان عرض للأوضاع واتفاق على بدء العمل ميدانياً لمنع تجدّد المواجهات.
اغتيال مغنيّة وردود الفعل
ووسط استمرار تكتّم حزب الله والأجهزة الأمنية السورية على نتائج التحقيقات الجارية في دمشق، قالت مصادر مطلعة إن الجوانب الإجرائية الأولية أنجزت بنسبة كبيرة في ما خص أدوات الجريمة من السيارة والعبوة وطريقة التجهيز والتفجير، وأن هناك خمسة موقوفين على ذمة التحقيق بعد الاستماع الى إفادات عدد كبير من الشهود.
من جهة ثانية، وعلى صعيد الموقف الإسرائيلي، برز أمس إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك خلال جلسة الحكومة عن احتمال كبير لقيام حزب الله بردّ لأنه اتهم إسرائيل بالاغتيال. وقال باراك إن خطاب زعيم حزب الله يدل على وجود قرار بعمل ما قد يحصل داخل إسرائيل أو خارجها، وربما يتم بمساعدة سورية وإيرانية. وأضاف «لا أقدّر أن لدى سوريا أو حزب الله أو إيران صورة عمّن نفّذ ذلك، لكن حزب الله يتهم إسرائيل». ورأى أن اغتيال مغنية يعدّ «ضربة قاسية لحزب الله وللإرهاب العالمي. فالرجل كان مسؤولاً طوال عشرات السنين عن قتل مئات المواطنين والجنود من دول كثيرة في العالم»، معتبراً أنّ «إيجاد خلف له سيستلزم بعض الوقت».
وفي السياق، واصلت وسائل الإعلام الإسرائيلية انشغالها بسيناريوهات الرد، وذكرت «هآرتس» أن إسرائيل تستعد لعدد من الاحتمالات من بينها إقدام الحزب على ضرب أهداف مدنية أو عسكرية في شمال أو وسط إسرائيل عبر طائرة مفخخة من دون طيار، من النوع الذي سبق أن استخدمه قبل عدوان تموز وخلاله. أمّا صحيفة «يديعوت أحرونوت» فتحدّثت عن تخوّف من عملية ضد أماكن تجمّع محتفلين بعيد الفصح اليهودي في أول نيسان المقبل.