... كأنّ التاريخ يعيد نفسه. الولايات المتحدة مجدداً، ببوارجها الحربية، أمام السواحل اللبنانية. خطوة لا شك في أنها ستعيد خلط الأوراق الداخلية، وتلقي بثقلها على المعادلة الإقليمية. وتبقى العبرة في النتائج. بعد نحو نصف قرن على الخروج الأميركي المذل من لبنان، جاء الرئيس الأميركي جورج بوش، قبل أقل من عام على انتهاء ولايته، ليكرّر المغامرة نفسها. حجته «القلق» الذي يعتري بلاده من «السلوك السوري» في لبنان، حيث «طال أمد» الأزمة، فكان لا بد من «إظهار الدعم» للأكثرية الحاكمة فيه.
ولسخرية القدر، أو بالأحرى لمفارقة الصدف، تأتي هذه الخطوة بعد أقل من أسبوعين على اغتيال القيادي في حزب الله، عماد مغنية، الذي تتهمه الولايات المتحدة بالوقوف خلف تفجير السفارة الأميركية ومقرّ «المارينز» في بيروت، وغيرهما من الهجمات أوائل الثمانينيات، التي دفعت بالقوات الأميركية إلى الانسحاب من لبنان بعد مقتل أكثر من 241 من جنودها.
كذلك تترافق مع غيوم حرب تخيّم على المنطقة، مصدرها تل أبيب، التواقة لجولة جديدة مع حزب الله، تعيد إليها بعضاً من كرامة فقدتها في الجنوب اللبناني، وفي ظل تحريض عربي على سوريا، بلغ مستويات غير مسبوقةوقال مسؤول أميركي رفيع المستوى أمس إن الولايات المتحدة قررت إرسال المدمرة «يو إس إس كول» إلى السواحل اللبنانية لأنها «تعتقد أن إظهار الدعم مهم لاستقرار المنطقة. إننا قلقون جداً في شأن الوضع في لبنان. لقد طال أمده كثيراً». وأضاف «شعورنا أن العصبية ازدادت، في ظل التهديدات التي يطلقها حزب الله، والشعور العام بأن الأمور لن تحلّ».
وأوضح المسؤول نفسه أن السفينة «كول» غادرت مالطا يوم الثلاثاء، مضيفاً انها لن تكون في مجال الرؤية من لبنان «لكنها ستكون في الأفق». وتابع أن ذلك «جزء من قرع طبول التحرّك من قبلنا وأعضاء آخرين في المجتمع الدولي لإظهار القلق من السلوك السوري».
وقال المسؤول الدفاعي إن «الهدف هو تشجيع الاستقرار خلال فترة حرجة فعلاً»، مشيراً إلى أن «كول» من الممكن أن تستبدل بالبارجة البرمائية الهجومية «ناسو» الموجودة حالياً في المحيط الأطلسي، وفي طريقها إلى البحر المتوسط.
وذكرت وكالة «رويترز» أن الرئيس الأميركي جورج بوش أمر بهذا التحرك بداية الأسبوع لإظهار القلق حيال الوضع في لبنان، وأنه أبلغ حلفاء الولايات المتحدة بالأمر. إلا أن المتحدث باسم البيت الأبيض، جوردون جوندرو، لم يؤكّد ذلك، واكتفى بالقول «إن الرئيس قلق من الوضع في لبنان ويناقش القضية دائماً مع فريق مجلس الأمن القومي».
وذكرت شبكة «فوكس نيوز» الإخبارية الأميركية أن سفينتين حربيتين أخريين في طريقهما إلى البحر المتوسط في إطار خطة انتشار «روتينية» هما المدمّرة «يو إس إس روس» وطراد البحر «يو إس إس فيليبين».
وكانت المدمّرة «كول» قد عادت إلى الخدمة قبل عامين، بعدما تعرّضت لهجوم انتحاري قبالة سواحل عدن اليمنية في 12 تشرين الأول 2000، وأدى حينها إلى مقتل 17 من بحّارتها.
ومعروف أن «يو إس إس كول» طولها 154 متراً وسرعتها 56 كيلومتراً في الساعة. تستطيع حمل مروحيّة واحدة من صنف «سي هوك». على متنها 47 ضابطاً، و291 جنديّاً. مجهّزة بنظام إطلاق صواريخ بالستيّة. تحمل صاروخي «توما هوك»، ومدافع رشّاشة مضادّة للطائرات والسفن المعادية، ومدفعين مضادين للصواريخ، كما تحمل طوربيداً ضدّ الغوّاصات والسفن الحربيّة.
أما «ناسو» فقد دخلت الخدمة عام 1978. ويبلغ طولها 250 متراً وعرضها 32 متراً. وتحمل على متنها نحو 3000 ضابط وجندي. وهي مزوّدة بقاذفتي صواريخ أرض ـــــ جو، وأربعة مدافع رشاشة من عيار 25 ميليمتراً ونظامين مضادين للصواريخ، وخمسة مدافع رشاشة من عيار 50 ميليمتراً.
والمدمّرة «ناسو» قادرة على حمل ست مقاتلات من طراز «هارير»، إضافة إلى 30 مروحية من أنواع مختلفة.
وفي السياق، قال نائب وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، نيكولاس بيرنز، في مؤتمر صحافي، إن «استمرار الضغط على الحكومة السورية على شاكلة ما أعلنته وزارة الخزانة هو الأسلوب الصحيح الذي يتبعه بلدنا»، في إشارة إلى إدراج الوزارة المذكورة أمس أربعة سوريين على قائمة عقوباتها بتهمة تسهيل نقل الأموال والأسلحة والمتطوعين عبر الحدود السورية لمصلحة تنظيم «القاعدة» في العراق.
وأضاف بيرنز أنه «يجب على سوريا أن تدرك ضرورة اتباع القواعد المعمول بها في الشرق الأوسط، وهي نادراً ما تفعل ذلك».
وشدد بيرنز على «أننا منزعجون من الاتحاد بين سوريا وإيران في ما يتعلق بدعم الإرهاب. فهناك اجتماعات بين الجانبين. وكلاهما يدعم الجماعات الشريرة في الشرق الأوسط، وحزب الله إحدى هذه الجماعات». وأضاف «إن هذه المجموعة من الدول والمنظمات الإرهابية تثير القلق، وهي تسير بما يتعارض مع آمال وأحلام معظم الناس بأن يكون لبنان حراً ومستقلاً عن النفوذ والهيمنة السورية».