بلغ التوتر الداخلي مرحلة خطيرة مع انتقال القوى السياسية من مرحلة القطيعة الى مرحلة التراشق الإعلامي الحاد، الذي قد يؤدّي الى استنفار إضافي لدى جمهور فريقي المعارضة والموالاة، فيما يبدو أنّ انسداد الأفق أمام المبادرات الخارجية قد ينتج تصادماً إضافياً إذا مضت السعودية ومصر في مشروع يدعو الى حصر جدول الأعمال اللبناني بانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً الآن وترك أمر الحكومة الى مرحلة لاحقة.وقد انعكست أجواء القطيعة هذه توتّراً على الأرض حيث باشرت الجهات الأمنية الرسمية العمل على وضع خطط لمواجهة احتمال اندلاع مواجهات بين جمهور الطرفين، مع التوقّف عند احتمال تنظيم تظاهرة كبيرة باتجاه السفارة الأميركية في عوكر إذا قام الرئيس الأميركي جورج بوش بزيارة الى لبنان، علماً بأن معلومات الجهات الأمنية الموالية تتحدث عن نية المعارضة تنظيم تظاهرة ومحاصرة السفارة الاميركية باعتصام شبيه بالاعتصام القائم حالياً في وسط بيروت.
إلا أنّ ما وُصف بمهلة الأيّام العشرة التي تحدّث عنها السيد حسن نصر الله، لم يكن يعبّر بدقة عن برنامج معيّن، بل يعكس أنه، إزاء فشل المساعي التوافقية، وإذا أقدمت عواصم عربية على إصدار مواقف تؤيّد توجّه فريق 14 آذار، فإنّ المعارضة ستضطر للّجوء إلى تحرّكات شعبيّة من النوع الذي يمنع تحقيق الموالاة لمشاريعها. وعلم أن جدولاً بعدد من اللقاءات الرفيعة سيعقدها أركان المعارضة خلال الايام القليلة المقبلة لاتّخاذ القرار، وسط انطباع بأنّ الجميع يستعدّ لمواجهة. كما عُلم أنّ المعارضة أبلغت قيادة الجيش بأنّ موقف المعارضة لا يستهدف العماد ميشال سليمان، فيما تتحدث أوساط الاكثرية عن أن الجيش سيمنع المعارضة من تعطيل أي مرفق حيوي في البلاد وأن العماد سليمان أبلغ الجميع بأن الجيش لن يكون على الحياد، وهو أمر نفته مصادر عسكرية مطلعة.
وقال قطب سياسي لـ«الأخبار» إن المعالجات توقفت عندما فشلت الموالاة والمعارضة في التوصل إلى اتفاق على صيغة طرحها وسطاء لتأليف الحكومة على أساس 14 وزيراً للموالاة و10 وزراء للمعارضة و6 وزراء لرئيس الجمهورية الذي تكون بيده عملية التحكّم بموضوع الثلث زائداً واحداً عند اتخاذ القرارات. وقال القطب ـــــ الوسيط إن المعارضة رفضت العرض وطالبت بأن يكون لديها 11 وزيراً على الأقل.
إلى ذلك، قال أحد أقطاب 14 آذار لـ«الأخبار» إن الوضع معقّد، ولكن التعقيد يمكن أن يتيح انطلاق مساعٍ لتحقيق الحلحلة. وأشار إلى أن الجميع ينتظرون ما سينتج عن اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الأحد المقبل. وأكد أن الموالاة لا تزال تصرّ على أولوية انتخاب رئيس الجمهورية، وهي الأولوية التي تحدث عنها أمس وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط باعتبار أن مصر كانت أول الداعمين لترشيح العماد سليمان للرئاسة.
ولم يستبعد هذا القطب أن ينتج عن اجتماع القاهرة مجيء وفد وزاري عربي إلى بيروت برفقة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ساعياً إلى تسويق مبادرة عربية لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وخصوصاً أن الاجتماع الوزاري العربي سيبحث الأزمة اللبنانية بكل تفاصيلها والمراحل التي بلغتها المساعي المبذولة.
ونقل زوار رئيس المجلس النيابي نبيه بري اهتمامه بما تقوم به مصر من اتصالات تهدف الى تهدئة الأجواء بين سوريا والسعودية. وقد أثار بري الأمر مع السفير المصري فؤاد البديوي الذي زاره أمس مركزاً على أهمية أن تبذل مصر جهوداً بين دمشق والرياض من أجل تطبيع العلاقة بينهما.
وكان أبو الغيط قد حذر من السماح لأي تجاذبات داخلية أو خارجية بتعريض لبنان «للانفجار أو المشاكل»، مشدداً على «الأولوية القصوى» لانتخاب رئيس جديد، ومشيراً إلى عدم وجود «اعتراضات حقيقية» على انتخاب العماد سليمان.
وقال أبو الغيط إن الدعوة المصرية ـــــ السعودية الى الاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب الأحد المقبل في شأن لبنان، جاءت من «منطلق المسؤولية العربية إزاء تدهور الأوضاع الداخلية فى بلد عربي شقيق يمكن أن يشكل نموذجاً إيجابياً مهماً في التعايش بين الطوائف والأديان في المنطقة ولا ينبغي السماح لأي تجاذبات داخلية أو خارجية بتعرّضه للانفجار أو المشاكل».
وأشار أبو الغيط إلى الاشتباكات التي وقعت بين أنصار تيار «المستقبل» وآخرين من أنصار «حزب الله» قبل أيام في محلة البسطة في بيروت، والتي عكست هشاشة الوضع وتأجّج المشاعر بين الأطراف اللبنانيين. ورأى أن «انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان يعد أولوية قصوى في المرحلة الحالية وأن الحديث يمكن أن يعقب ذلك حول الأمور الأخرى التي تشغل بال السياسيين اللبنانيين بما يطوّر الممارسة السياسية في إطار احترام أحكام الطائف». وأكد «أن مصر تشعر بالقلق إزاء الفراغ الحاصل حالياً في منصب رئيس الجمهورية نظراً لما يمكن أن يكون له من تداعيات سلبية على الأمن والسلم الأهلي في لبنان».