استبقت طهران جولة الرئيس جورج بوش إلى المنطقة، والتي تبدأ غداً، برسالة شديدة اللهجة، وجّهتها إلى الزائر الأميركي من مضيق هرمز، حيث اعترضت خمسة قوارب إيرانية ثلاث سفن حربية أميركية، جرى «استجواب» قادتها، في حادث وصفته واشنطن بأنه «الأكثر استفزازاً»، فيما رأت الجمهورية الإسلامية بأنه «اعتيادي». أما إسرائيل، فتستعد لاستقبال سيد البيت الأبيض بطريقتين: الأولى، العمل على إقناعه بإعطاء تل أبيب ضوءاً أخضر لتوجيه ضربة عسكرية إلى البرنامج النووي الإيراني إذا فشلت الجهود الدبلوماسية، بعدما اقتنعت بعدم جدوى تغيير نظرة الاستخبارات الأميركية للتهديد الذي تمثله طهران بنظرها. أما الثاني، فتخفيف حدة العدوان على الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي أودى بعشرة شهداء خلال اليومين الماضيين، وذلك أثناء وجود بوش في الدولة العبرية.
وتأتي الرسالة الإيرانية، على ما يبدو، رداً على إعلان بوش الحدّ من نفوذ طهران في المنطقة هدفاً لجولته الشرق أوسطية. وقال مسؤولون أميركيون إن القوارب الإيرانية اقتربت من السفن الأميركية بسرعة في مضيق هرمز، وألقت صناديق في المياه قبل أن تبث رسالة عبر اللاسلكي تقول: «نحن نقترب منكم الآن... وسنفجّركم خلال دقائق»، ما دفع الجنود الأميركيين إلى اتخاذ مواقعهم الهجومية، و«عندها» استدارت القوارب الإيرانية وغادرت المنطقة.
وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية: «هذا حادث خطير. إنه أمر يحتاج إلى توضيح»، فيما قال متحدث باسم مجلس الأمن القومي إن على الإيرانيين أن «يمتنعوا عن تصرفات مستفزة كهذه يمكن أن تؤدي إلى أحداث خطيرة في المستقبل».
ف المقابل، نقلت وكالة «فارس» الإيرانية عن «مصدر مطلع» في القوة البحرية التابعة للحرس الثوري قوله إن «ثلاث سفن حربية أميركية دخلت المياه الإقليمية، وكما جرت العادة، تم التعرف إليها» و«استجواب» قادتها. وأكد المصدر أن «لا شيء غير معتاد حدث بين قوات دورية الحرس الثوري والسفن الأميركية في المياه الدولية جنوب مضيق هرمز». وأوضح أن «السفن الأميركية عرّفت عن نفسها كما سبق أن حدث وأعطت رقم تسجيلها، وواصلت طريقها من دون مشاكل».

استعدادات إسرائيلية

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، أمس، إنّ «زيارة بوش هي تصريح سياسي ينطوي على أهمية خاصّة لعلاقاتنا وللجهود الدولية الرامية إلى منع إيران من العمل كدولة عظمى غير تقليديّة». وهو موضوع جدّد سيّد البيت الأبيض التزامه به من خلال تحذيره من أنّه إذا هاجمت طهران إسرائيل «فإنّنا سندافع عن حليفتنا، وليس هناك أدنى شك فى هذا».
وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن المؤسّستين السياسية والأمنية في إسرائيل أجرتا أوّل من أمس مداولات خاصة تهدف إلى بلورة الموقف الذي ستعرضه تل أبيب على الرئيس الأميركي في الملف الإيراني. وشارك في «المداولات السرية»، رؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، إضافة إلى أولمرت، ووزراء الدفاع إيهود باراك، والخارجية تسيبي ليفني، والتهديدات الاستراتيجية أفيغدور ليبرمان.
وهذه هي المرّة الأولى التي تجري فيها إسرائيل نقاشاً على هذا المستوى في الملف النووي الإيراني، في أعقاب نشر تقرير الاستخبارات الأميركيّة، الذي أفاد بأنّ الجمهوريّة الإسلاميّة أوقفت برنامجها النووي التسليحي عام 2003. وأشارت الصحيفة إلى أن البحث تمحور حول التغيير التي يمكن أن تحدثه المعلومات الموجودة بحوزة إسرائيل عن المشروع النووي الإيراني في استنتاجات التقرير الأميركي.
وبحسب الصحيفة، توصّل المشاركون إلى نتيجة مفادها أن المعطيات الإسرائيلية في هذا الشأن تتطابق بنسبة أكثر من 90 في المئة مع المعطيات الأميركية التي بُني عليها التقرير، ولذلك استبعدت مصادر سياسيّة إسرائيلية حصول تغيير في سياسة بوش حيال هذا الملف جرّاء زيارته للدولة العبرية.
أما صحيفة «صاندي تايمز» فقد ذكرت من جهتها أنّ باراك «يريد إقناع بوش بأنّ قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لمنشآت تخصيب اليورانيوم في إيران يُعدّ أمراً قابلاً للتحقيق إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في وقف البرنامج النووي الإيراني، وإبلاغه أيضاً بأن إسرائيل أعدّت سلسلة من الخيارات العسكرية».
المحور الثاني الذي يشغل بال الإسرائيليّين، هو الأمن على حدودهم مع قطاع غزّة والضفّة الغربيّة. ونقلت وسائل إعلام عن مصادر في وزارة الدفاع الإسرائيلية قولها إنّها تستعد لزيارة بوش، وتعتزم «تفعيل ترجيح رأي صحيح» في ما يتعلق بالعمليّات العسكرية ضد الفصائل الفلسطينية، وإن الجيش الإسرائيلي لا يعتزم القيام بعمليات، مثل التوغّل لأياّم في القطاع، والتي من شأنها تصعيد الوضع خلال وجود بوش في إسرائيل، ويدرس إمكان تنفيذ عمليات عسكريّة موضعيّة.
إلّا أنّ خيار التهدئة النسبي هذا لم يمنع أولمرت من الإقرار بأنّ قطاع غزّة يشهد خلال الأيّام الأخيرة «حرباً حقيقيّة»، مشيراً إلى أنّه «لا شكّ في أنّنا لا نزال ملزمين بتقليص إطلاق صواريخ القسّام بصورة كبيرة، والحرب ستستمرّ من دون تردد في قطاع غزة وفي يهودا والسامرة»، أي الضفة الغربية.

... وفلسطينية

وفي السياق، قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، لوكالة «رويترز»، إنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس يرى أن زيارة بوش «مهمّة وتاريخية، وستؤدّي إلى دفع عملية السلام إلى الأمام من أجل منطقة تعيش بأمن وسلام»، مشيراً إلى «أنّنا نتوقّع التزاماً أميركياً بالاستمرار في دفع عملية السلام من أجل التوصّل إلى اتفاق في عام 2008، وإلزام الجانب الإسرائيلي بتجميد عملية الاستيطان، وتأكيد ضرورة إنهاء الاحتلال الذي وقع عام 1967».
في المقابل، أعربت حركة «حماس» عن رفضها للزيارة. وقال القيادي فيها إسماعيل رضوان إنّ «الغالبيّة العظمى من مجموع الشعب الفلسطيني تعارض زيارة بوش، بينما هناك قلة من قادة السلطة الفلسطينية، في رام الله، لا تمثل سوى أنفسها، هي من ترحب بالزيارة وتعوّل عليها».
وكان بوش قد قلّص من آفاق التوقّعات في شأن استكمال المسيرة السلمية التي بدأت في مؤتمر أنابوليس. وقال إنّه حتى لو لم يتوصّل الزعماء الإسرائيليون والفلسطينيّون إلى اتفاق سلام مع حلول نهاية ولايته، فإنّه «متفائل بأننا نستطيع تحديد الخطوط العريضة لدولة» فلسطينية.