نصر اللّه يلتقي قادة سياسيّين: إيجابيّة حيال المبادرة ورفض للفتنة واهتمام بالوضع المعيشي
بينما خفّفت الأطراف الداخلية من تفسيراتها المسبقة لنص إعلان القاهرة، تركّزت الاتصالات التمهيدية لوصول الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الى بيروت على معرفة أبعاد الأجواء الإيجابية التي سادت بين السوريين والسعوديين والتي من شأنها فتح الباب أمام اتفاق لبناني كبير على حد تعبير الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، رغم أنّ الأخير كرّر أمام زوّاره أنّ سوريا لا يمكن أن تقدم على المساعدة إلا مقابل رأس المحكمة الدولية، وهي مساومة لن يقبل بها لبنان.
في هذه الأثناء، كان النائب سعد الحريري يعلن من باريس بعد اجتماعه بالرئيس الفرنسي رفض فريق 14 آذار لاقتراح الرئيس بري توزيع المقاعد الوزارية مثالثة بين المعارضة والموالاة ورئاسة الجمهورية، وهو الأمر نفسه الذي نقل عن البطريرك الماروني نصر الله صفير رفضه له، فيما بدا الأخير أكثر تماهياً مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة معتبراً أنها حكومة شرعية وأن ما تتخذه من قرارات يصبّ في خانة تسيير أمور الناس.
ومع مباشرة مساعدي موسى أخذ مواعيد له مع أكثر من عشر شخصيات رئيسية في البلاد، نقلت مصادر عربية عنه أن التفاصيل الخاصة بالاتفاق ليست من النوع القابل للخلاف إذا ما أرادت القوى كافة التوصل الى حل سريع. لكن موسى أكد أن المهم هو إقناع الجميع بضرورة السير بالبرنامج الذي يبدأ بانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.
وفي مزيد من المعلومات عن اجتماعات القاهرة، علمت «الأخبار» أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم رفض مشاركة وزير الخارجية بالوكالة طارق متري في الاجتماع الخماسي الذي عقد في منزل موسى «لأنه يمثّل طرفاً» في الأزمة اللبنانية وليس محايداً، فاستجيب مطلبه. ثم دخل المعلّم في نقاش مع نظيره السعودي سعود الفيصل الذي اشترط بداية أن تسهّل سوريا انتخاب رئيس لبناني جديد مقابل حضور الملك السعودي عبد الله القمة العربية، ولكن المعلّم شدد على أن بلاده ترغب بشدّة في أن تكون قمة دمشق مناسبة لتعزيز التضامن العربي وإنهاء الخلافات العربية، مشيراً إلى أن مشاركتها في قمة الرياض العام الماضي إنما كانت لهذه الغاية متخطّية كل ما تعرّضت له وما تزال من ضغوط واتهامات من جهات عربية ودولية متعدّدة.
وإذ طلب الفيصل من المعلّم أن تمارس سوريا ضغوطاً على المعارضة لتسهيل الحل اللبناني، وتحديداً على حزب الله وحركة «أمل» ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية والعماد ميشال عون، ردّ المعلّم أن سوريا ربّما تمون على مختلف أطراف المعارضة بحدود، أمّا العماد عون فإنّها لا تمون عليه وقد فوّضت إليه المعارضة التفاوض مع فريق الموالاة، فلماذا لا يتم التفاوض معه، «فالرجل خصم شريف لنا، ولكن لا اتصالات بيننا وبينه، وبالتالي لسنا في موقع المؤثّر عليه».
وسأل المعلّم الفيصل عمّا فعلته السعودية للمساعدة على الحلّ في لبنان، ولماذا لا تضغط على فريق الموالاة الذي يعطّل الحلول، وتحديداً على رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري الذي يملك الجنسية السعودية ولا يخطو أي خطوة من دون الوقوف على رأي الرياض. وأضاف المعلم للفيصل: «بما أن الحل توافقي في لبنان، علينا أن نتعاون معاً لتحقيق الحل اللبناني، فالنجاح نحصده معاً والفشل نتحمّله معاً، والتوافق مطلوب أن يكون بين فريقي الموالاة والمعارضة، وإذا لم يوافق النائب الحريري بما يمثّل على الحل لا يمكن هذا الحل أن يتحقق، بدليل أنه خرَّب «اتفاق الرياض» الشهير الذي تم برعاية السعودية بينه وبين حركة «أمل» وحزب الله قبل سنتين».
وإلى ذلك، قال المعلّم لموسى عندما تمت صياغة بنود المبادرة العربية إنّ هذه البنود ينبغي أن تكون سلّة متزامنة بحيث ينبغي أن يكون الاتفاق شاملاً ودفعة واحدة، أمّا التنفيذ فيكون مُمرحلاً ووفق الآلية الدستورية. ولكن قبل التنفيذ ينبغي أن يحصل اتفاق بين الموالاة والمعارضة بضمانة الأمين العام للجامعة العربية على رئيس الجمهورية وحكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب، على أن يوقّع الجميع هذا الاتفاق، ويشهد عليه وزيرا خارجية قطر وعمان.

برّي وموسى والمتابعةوأضاف بري: «إذا كان صحيحاً كما يقولون إن المبادرة العربية تقضي بتأليف حكومة يكون فيها 6 وزراء لرئيس الجمهورية و14 وزيراً للموالاة وعشرة وزراء للمعارضة، فإن هذه الصيغة ليست متوازنة لأن الموالاة مع وزراء رئيس الجمهورية تستطيع أن تتّخذ القرار الذي تريد، الأمر الذي لا يتوافر للمعارضة إذا قررت اتخاذ قرار بالاتفاق مع رئيس الجمهورية لأن عدد الـ16 وزيراً لا يعدّ نصاباً تقريرياً في مجلس الوزراء، بينما نصاب العشرين وزيراً يشكل مثل هذا النصاب. وهذا الأمر لا يمكن المعارضة أن تقبل به، بينما التوازن المطلوب يتوافر على أساس حكومة 10+10+10.
وكشف بري أن هذا الأمر لم يحسم في اجتماعات القاهرة وتُرك لموسى أمر معالجته خلال زيارته لبيروت التي ستبدأ اليوم، وأشار إلى أن وزير الخارجية السعودي طرح حكومة على أساس 14+10+6، فردّ عليه موسى بأن هذه الصيغة طرحها الفرنسيّون ولم تقبل بها المعارضة، وأن المطلوب هو بلورة صيغة جديدة.
وفي هذا الإطار، قالت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» إن بري تلقّى اتصالاً من موسى أثناء الاجتماع الوزاري العربي الذي عقد في منزله، وأبلغه الأخير بأمر الحكومة المتوازنة التي لا أرجحيّة تقرير فيها لأي طرف، فقال له برّي إذا كانت مكوّنة من 10+10+10 «فنحن موافقون عليها بلا تردّد، أمّا إذا كان الأمر غير ذلك فإننا سنعود إلى نقطة الصفر»، فكان أن أكد موسى لبري أنه آتٍ إلى بيروت لتأمين الاتفاق على التفاصيل.
وكشف هشام يوسف، مدير مكتب موسى في حديث مع قناة «العالم» الإيرانية، أن المبادرة العربية لم تشر إلى المساواة بين الموالاة والمعارضة ورئيس الجمهورية في عدد الوزراء في الحكومة الجديدة، لكنها شددت على عدم الاستئثار بالسلطة وعدم تعطيلها. وقال إن تفاصيل هذه المبادرة ستبحث خلال المشاورات التي سيجريها موسى مع فريقي الموالاة والمعارضة، وأشار إلى أنه ليست هناك ضمانات بنجاح المبادرة وأن موسى والمسؤولين العرب بذلوا سابقاً جهوداً كبيرة لتسوية الأزمة اللبنانية ولكن هذه الجهود لم تنجح.
وإذ نقل القائم بالأعمال الفرنسي أندريه باران إلى بري ترحيب بلاده بالمبادرة العربية من حيث المبدأ، مبدياً بعض الملاحظات على مضمونها الداخلي، فإن بري شدد خلال لقائه مع السفير السعودي عبد العزيز خوجة على أهمية التقارب السعودي ـــــ السوري في معالجة الأزمة اللبنانية.
وذكرت مصادر اطلعت على ما دار في اللقاء بين بري وخوجة الذي كان له لقاء مع النائب ميشال المر، أنهما وجدا إيجابية كبيرة وتقدماً في اتجاه إنهاء الأزمة السائدة بين دمشق والرياض، ما أدى إلى ولادة المبادرة العربية الجديدة. وأشارت إلى أنّ التعاون المصري ـــــ السوري ـــــ السعودي نجح في إحداث خرق كبير في جدار العلاقة المسدود بين دمشق والرياض، وهذا الخرق يجري البناء عليه حالياً من أجل تحقيق المعالجة اللازمة لأزمة لبنان وتأمين انعقاد قمة عربية ناجحة في دمشق أواخر آذار المقبل.

جولة لقاءات لنصر الله

في هذه الأثناء، بدأ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله سلسلة من اللقاءات السياسية مع شخصيات وقوى وهيئات من تيار المعارضة، فعقد خلال الأيام الثلاثة الماضية أكثر من سبعة اجتماعات كان آخرها أمس مع الرئيس عمر كرامي، بعدما كان قد التقى قبل أسبوعين الرئيس بري والعماد عون والوزير السابق سليمان فرنجية.
ونقل النائب نجاح واكيم عن نصر الله أنّه لم يجرِ خلال اجتماع القاهرة البحث في صيغة تأليف الحكومة بثلاث حصص متساوية (10+10+10). وأكّد وجود أسئلة كبيرة في البنود الرئيسية الثلاثة التي تطرحها المبادرة، إلا أنّ «حزب الله يتعاطى مبدئياً بشكل إيجابي بانتظار بحث التفاصيل»، مؤكداً رفض طرح 14+10+6 إذا كان هذا ما يطرحه الوزراء العرب».
كذلك تحدّث السيّد نصر الله عن الدور الإيجابي الذي اضلعت به كل من دولتي قطر وعمان في تسهيل الأمور ما بين سوريا والسعودية. وأكّد أنّ السوريين لم يضغطوا ولا يضغطون اليوم على أي طرف في المعارضة، مؤكّداً موقف هذه القوى في إقامة حكم متوازن وعادل.
وفي ما يخص التحرك الذي لوّح به السيّد نصر الله وقوى المعارضة قبل أسبوع، قال الزوار إنّ هذه المسألة لم تطرح بعد وإن الأولوية لا تزال للمعالجات السياسية، لكن فشل المبادرات سيجعل التحرك قائماً في «لحظة ما». وقال واكيم إن قوى أخرى من المعارضة تعدّ لبرنامج تحرّك على الخلفية الاجتماعية والاقتصادية الصعبة للناس.
وفي اجتماعه مع وفد تجمّع العلماء المسلمين قبل ساعات من إعلان المبادرة العربيّة، شدد نصر الله على أن هناك محاولات مستمرّة لإحداث فتنة، وهو حريص على منعها، كما أن نصر الله واثق من أن الناس من مختلف المذاهب واعون لهذه الفتنة. وهو حذر من رغبة أطراف معادين للبنان وللفلسطينيين في انفلات أمني في المخيّمات الفلسطينيّة، وشدّد نصر الله على دور مشايخ التجمّع، كلّ من موقعه، في منع هذه الفتنة.
وقال نصر الله لوفد التجمّع إن المقاومة أقوى مما كانت عليه سابقاً وجاهزة لأي عدوان إسرائيلي، رغم أنه يستبعد هذا العدوان لأن العدو ما زال ضعيفاً جرّاء حرب تمّوز.
وتحدّث مشاركون في الاجتماع عن أن نصر الله بدا حريصاً على الوضع الاقتصادي لأن الواقع المعيشي للناس وصل إلى درجات غير مقبولة، ولذلك على المعارضة التحرّك في هذا المجال.
أما لقاء نصر الله مع الوزير السابق عبد الرحيم مراد، فقد تناول فرضيّتين: الأولى هي قبول فريق السلطة بمبدأ المشاركة، وعليه فإن المعارضة ستستمر على موقفها المطالب بتأليف الحكومة وفقاً للنسب النيابيّة، وهذا ما سيتم تبليغه للأمين العام للجامعة العربيّة. أما الفرضيّة الثانية فتقول إنه في حال عدم موافقة فريق السلطة على مبدأ المشاركة واستمراره في الاستئثار، فإن على المعارضة التحرّك لإسقاط الحكومة عبر تحرّك سلمي مستمر حسب تعبير مراد الذي قال إن نصر الله أبلغه أن التحرّك يقوم على مستويين، الأول اقتصادي مطلبي، والثاني سياسي يرفض ربط البلاد بالمشروع الأميركي ـــــ الصهيوني.
أمّا توقيت التحرّك فلن يكون قبل الموعد المقبل لاجتماع وزراء الخارجية العرب في 27 الجاري، حسب ما نقل أحد النواب الذين التقوا نصر الله، «إلا في حال حصول تطوّرات يتبيّن من خلالها أنّ الفريق الحاكم مناور ويتعاطى بطريقة غير جدية للوصول إلى الحلّ».

ساركوزي والحريري

وفي باريس، قال الحريري إثر غداء أمس بينه وبين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إنه «إذا لم تمشِ سوريا بهذا الحل، علماً بأن وزير الخارجية وليد المعلم وافق عليه، فهذا يعني أن مرشح سوريا في لبنان هو الفراغ». وعن رأيه بما تقترحه المعارضة في شأن أن تكون حكومة الوحدة الوطنية على أساس 10+10+10 قال الحريري: «إن هذا الطرح غير واقعي».