موسى المُحبَط يعود بعد خمسة أيّام: كلّنا ذاهبون باتّجاه المجهول

يبدو أنّ تعثّر مسعى الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى قد تجاوز ملف الحكومة المقبلة، ليلقي بظلّه على ترشيح العماد ميشال سليمان نفسه، مع ظهور بوادر مواقف خارجية وداخلية تضع ترشيح قائد الجيش في دائرة الخطر الجدي، ولا سيما أنّ التأجيل الجديد لجلسة الانتخاب إلى 21 كانون الثاني الجاري قد يلحقه تأجيل آخر وآخر، وصولاً الى الربيع المقبل.
وذكرت مصادر عربية واسعة الاطلاع لـ«الأخبار» أن موسى يدرك تماماً حجم العقبات التي تحول دون تنفيذ إعلان القاهرة، لكنّه جاء الى بيروت للقيام بواجبه كأمين عام للجامعة، وهو لم يفاجَأ بالمواقف التي سمعها. إلا أنّه بدا متأسّفاً عندما تلقّى جواب النائب سعد الحريري بعدم قبوله الاجتماع بالعماد ميشال عون ونقل عنه: كيف ستُؤلَّف حكومة وحدة وطنية لإنقاذ البلاد ولا يريد الأقطاب الجلوس بعضهم مع بعض؟
ومع ذلك، جهد موسى لإعادة جمع طاولة الحوار بحجة أن فريق 14 آذار يريد حواراً عاماً ومفتوحاً مع أركان المعارضة التي ردّت بأنّها فوّضت الأمر إلى عون، وأنّه إن لم يكن الحريري يريد تولّي مهمة التفاوض معه فما على فريق السلطة إلا اختيار ممثّل آخر مخوّل التوقيع على اتّفاق كامل ليتولّى الحوار مع عون. لكنّ العودة الى طاولة الحوار لن يكون لها معنى في ظل عناوين المشكلة الحالية. وحسب هذه المصادر، فإنّ التعثّر الحالي قد يمنع زيارة كانت مفترضة لرئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم الى بيروت اليوم، ويبدو أنّها ستؤجَّل لعدة أيام وربما تسبق السادس عشر من الشهر الجاري موعد عودة موسى الى بيروت، بحسب ما تبلّغت القوى السياسية.
كذلك لفتت المصادر إلى أنّ مسؤولين في فرنسا تحدثوا عن عوائق جدية ربما تحول دون انتخاب العماد سليمان، ما جعل هؤلاء المسؤولين يعيدون السؤال عن حظوظ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومرشحين آخرين من ضمن اللائحة التي سبق أن قدمها البطريرك الماروني نصر الله صفير. وذكرت المصادر أن الأجواء الهادئة على المسار السوري ـــــ السعودي لم تنتج تفاهماً يمكن أن ينعكس على الملف اللبناني، وأن الامر يحتاج الى جهود اضافية.
محلياً، وإزاء تعثّر مهمة موسى، بادر الرئيس نبيه بري الى تأجيل جلسة انتخاب الرئيس الى ظهر الاثنين في 21 من الجاري. وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية «أن هذا التأجيل يأخذ في الاعتبار المساعي الحميدة التي بذلها ويبذلها الأمين العام للجامعة في سياق تنفيذ مقررات مؤتمر وزراء الخارجية العرب».
ولخصت مصادر برّي نتائج الجولة الأولى من محادثات موسى بأنها انتهت الى نقطة توافق وحيدة بين الموالاة والمعارضة تخص اسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان لكن ضمن سلة كاملة، إلا أنّها ثبّتت المسلمات الآتية:
أولاً ـــــ لا انتخاب رئيس للجمهورية قبل الاتفاق على الحكومة الجديدة.
ثانياً ـــــ لا انتخاب رئيس ولا حكومة جديدة قبل الاتفاق على قانون الانتخابات النيابية الجديدة.
ثالثاً ـــــ لا حلول مجتزأة بل إقرار هذه الحلول في سلة متكاملة.
وقالت هذه المصادر إن موسى، ما عدا الاتفاق على العماد سليمان مرشحاً توافقياً، لم يتمكّن من تحقيق أي حلحلة وأي خرق في جدار الأزمة على الرغم من الزخم العربي الذي أتى به وأخرج الجميع من خانة التريّث الى خانة البحث عن الحلول.
وأشارت هذه المصادر الى أن موسى سيغادر بيروت اليوم للتزود ببعض الذخيرة التي تمكّنه لاحقاً من «خرق التحصينات» التي تعوق تنفيذ المبادرة التي جاء من أجلها.
ولم تستبعد المصادر أن يجتمع موسى مع الوزراء الذين صاغوا المبادرة العربية، وهم وزراء خارجية سوريا والسعودية وقطر وعمان، لتقويم ما توصّل إليه في الجولة الاولى من محادثاته. وهو سيزور دمشق وبعض الدول العربية والأجنبية الفاعلة طالباً منها بذل جهود فاعلة، ومؤازرة المبادرة العربية.
وأوضحت مصادر مطلعة أن موسى «لم يكن مرتاحاً» الى أجواء اللقاءات التي عقدها أمس، ونقلت عنه قوله إن حلّ الأزمة السياسية القائمة «يحتاج الى رجال دولة يرتفعون الى مستوى المسؤولية». وأشارت المصادر الى أن موسى «متبنٍّ لطرح الموالاة»، في شأن الصيغ المطروحة للتشكيلة الحكومية المقبلة، أي 13-7-10 أو 14-6-10، ونقلت عنه قوله أيضاً: «الموالاة معها حق، وهي التي تنازلت وقبلت بخفض عدد وزرائها الى 13 أو 14 وزيراً. أما صيغة الـ10-10-10 فهي غير واردة في مضمون المبادرة العربية»، فـ«من غير المعقول أن تعطي الموالاة الثلث المعطّل للمعارضة»، مضيفاً: «انتخبوا الرئيس، واتركوا له الحق في تأليف الحكومة... وما على المعارضة سوى انتظار الانتخابات النيابية المقبلة، التي قد تتيح لها أن تصبح أكثرية وتتسلّم زمام الأمور».
وفي شأن الحوار بين النائبين عون والحريري، لفتت المصادر الى أن موسى نفى إمكان حصول هذا الحوار، إذ «لا تقدّم في هذا الشأن حتى الآن». وأوضحت أن موسى قد يبقى في بيروت أربعة أيام إضافية، إذا لمس أي تقدّم في مساعيه. أما «إذا بقيت الأبواب مقفلة، فسأغادر بيروت اليوم». ورداً على سؤال أحد الذين التقاهم أمس في شأن الآتي، قال: «أنتم أحرار، وكلنا ذاهبون في اتجاه المجهول».