ابراهيم الأمين
دعم المقاومين في غزّة «جدّي» وقادة إسرائيل يطالبون باغتيال زعيم «حزب اللّه»



حملت مشاركة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في إحياء ذكرى عاشوراء في الضاحية الجنوبية، دلالات عدّة في الشكل والمضمون، تتجاوز الأبعاد الداخلية للحشد البشري الضخم والكلام السياسي الداخلي لنصر الله. ففي الشكل، تجاوز الأمين العام لحزب الله قائمة الإجراءات الأمنية المشددة حوله وخرج الى الشارع مشاركاً في المسيرة، قبل أن يختفي ليظهر من خلف شاشة عملاقة مخاطباً الحشود. أمّا في المضمون، فقد وجّه نصر الله ثلاثة أنواع من الرسائل التي تندرج في إطار «رفع مستوى السخونة في المواجهة مع إسرائيل»، وتتناول الأوضاع في قطاع غزّة وفلسطين، والخروقات الإسرائيلية المتكررة للبنان، وملف الأسرى. وكانت الذروة في ما أشار إليه بشأن تبادل الأسرى مع إسرائيل وتأكيده من جديد وجود أشلاء لعدد كبير من الجنود بحوزة المقاومة (حصلت «الأخبار» على نسخة من صور هذه الأشلاء وهي تمتنع عن نشرها لأسباب إنسانية).
وفي قراءة لخطاب نصر الله، توقّفت مصادر واسعة الاطلاع عند الآتي:
أوّلاً: في ملف الجرائم اليومية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة وبقية المناطق الفلسطينية، شدّد الأمين العام لحزب الله على مسؤولية العرب في تقديم العون للفلسطينيين، مجرياً مقارنة بين الموقف اليوم وبين ما كان قائماً في حرب تموز عام 2006 حين دعا العرب الى عدم التآمر وتتكفّل المقاومة بمواجهة عدوها. وإذا كان نصر الله يحفظ الإطار العام لكلامه آخذاً بالاعتبار دقة الموقف، فإنه بعث بإشارة بالغة الوضوح والخطورة الى أن المقاومة في لبنان، باعتبارها جزءاً من الشارع العربي، لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء استفراد إسرائيل بالفلسطينيين والمقاومين في غزّة، وهو كلام يحمل في طيّاته إنذاراً الى الإسرائيليين بأن المقاومة في لبنان التي تملك قدرات وإمكانات وخبرات ونفوذاً ستقدّم ما يجب أن تقدّمه من عون للمقاومة في فلسطين.
ثانياً: في ملف الخروقات الإسرائيلية المتكررة للبنان والإشارة المباشرة الى عمليات الخطف المتكررة من جانب جنود الاحتلال لمزارعين ورعاة في المنطقة الحدودية، أوضح نصر الله أن المقاومة ستجد علاجاً لهذا الأمر، معيداً الإسرائيليين بالذاكرة الى موقف مشابه حين كانت طائرات العدو تخرق جدار الصوت على علو منخفض فوق العديد من المناطق اللبنانية، ما دفع المقاومة حينها الى الرد بإطلاق قذائف مضادة للطائرات من النوع الذي يحدث انفجاره دوياً كبيراً وعلى ارتفاعات منخفضة فوق شريط المستوطنات الشمالية التي ثار سكانها على الجيش وفرضوا عليه تغييراً في خططه. وبالتالي، فإن تحذير نصر الله يقود الى الاستنتاج بأن قيادة المقاومة وضعت خطة لمعالجة هذا الأمر، وسيأتي تنفيذها على شكل مفاجأة إضافية لناحية قدرة المقاومة على ردع تكرار هذه الاعمال، وهو الأمر الذي سينعكس تدابير جديدة عند سكان المستوطنات الشمالية الذين فاخروا وحكومتهم بأنهم يعيشون أفضل أنواع الهدوء منذ عام ونصف حتى الآن.
ثالثاً: في ملف تبادل الأسرى، أكد نصر اللّه مرّة جديدة أنه لا يفكّر مطلقاً بالتراجع عن طلبات المقاومة في ما خصّ إطلاق سراح الجنديين اللذين أُسرا في عملية الوعد الصادق، أي المطالبة بثمن إنساني يقضي بإطلاق سراح جميع المعتقلين اللبنانيين بدون استثناء، وتسليم ما هو موجود لدى إسرائيل من أجساد للمقاومين وملفات تخص خرائط الألغام والقنابل العنقودية، الى جانب إطلاق سراح عدد غير قليل من المعتقلين الفلسطينيين والعرب الموجودين في السجون الإسرائيلية.
إلا أن الأمر الخاص بالأشلاء يعود الى قرار واضح لدى قيادة حزب الله بإدخال الإرباك الإضافي الى قلب المؤسسة العسكرية والسياسية الاسرائيلية، وخصوصاً أن لكلام نصر الله أثره القابل لأن يتضاعف كلما اقترب موعد صدور التقرير النهائي للجنة فينوغراد. ويبدو نصر الله في موقع الداعي الى رفع مستوى المحاسبة في إسرائيل من خلال إحياء صورة الحرب الفاشلة، من الزاوية الأكثر إيلاماً لإسرائيل، ولا سيما أنّ إسرائيل حاولت تجاهل الأمر طوال الفترة التي انقضت على توقّف الحرب، إذ اعتقد قادة الجيش الإسرائيلي أنهم أقفلوا ملفاً إنسانياً مع عائلات الجنود الذين قتلوا في لبنان، علماً بأنهم أخفوا عنهم حقيقة وجود أشلاء تركت في أرض المعركة منذ اليوم الاول، فيما كان ممثّل البعثة الدولية للصليب الأحمر السابق في لبنان الإسباني خوان كوديركيه قد نقل الى حزب الله بعد توقف الحرب مطالب إسرائيل بكشف مصير الأشلاء التي خلفها الجيش وخصوصاً في مواجهات عيتا الشعب.
ردّ فعل إسرائيل
وبينما كان المعلّقون في إسرائيل يتحدثون صراحة عن توجيهات من الرقابة العسكرية بتجاهل خطاب نصر الله وعدم الإشارة إليه مطلقاً إذا أمكن، فإن ردود الفعل التي ظهرت خلال الساعات الـ36 الماضية، دلّت على أن نصر الله ضغط على المكان الموجع في جسد المجتمع الذي لم تعنِه بقوةٍ قدسيّةُ جيشه وجنوده. وإزاء الإقرار الإسرائيلي المسبّق بخسارة المعركة أمام صدقية نصر الله، انقسم الرد الرسمي على أقواله بين التنافس في كيل العبارات النابية بحقه وصولاً إلى الدعوة إلى تصفيته.
وذكر موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن جلسة الحكومة الإسرائيلية امس شهدت شبه إجماع في الدعوة إلى اغتيال نصر الله، فيما أوضح وزير الدفاع إيهودا باراك رأي المؤسسة الأمنية، مشدداً على أن أقوال نصر الله لا تنطوي على جديد، «فقد قال أموراً مشابهة قبل أسبوعين». وخلص إلى أن نصر الله «يحاول المسّ بمشاعر العائلات الثكلى ومشاعر دولة إسرائيل التي تتألم جداً في القضايا المتعلقة بشهداء الحروب، لكننا سنفحص نصر الله فقط وفقاً لأفعاله».
وقال وزير الداخلية مئير شطريت، إن «نصر الله تجاوز كل الحدود غير الإنسانية ويجب تصفيته». ورأى وزير الشؤون الدينية إسحق رفائيل أنه «لا أفهم لماذا لا يزال على قيد الحياة. كان ينبغي تصفيته منذ زمن طويل ولم يفت الأوان بعد للقيام بذلك»، فيما استخدم وزير الهجرة زئيف بويم كلمات نابية في وصف نصر الله داعياً إلى التعجيل في اغتياله.
لكن صحيفة «هآرتس» نقلت أمس عن مصادر أمنية إسرائيلية تأكيدها أن حزب الله يحتجز أشلاء جثث لجنود إسرائيليين قتلوا خلال الحرب. وذكرت الصحيفة أن الحديث يدور عن أشلاء جثث لنحو عشرة جنود إسرائيليين تم إبلاغ عائلاتهم بهذا الأمر وأن جثامينهم دفنت في إسرائيل بحسب التقاليد الدينية اليهودية. (تفاصيل خطاب نصر الله وردود الفعل الإسرائيليّة 1 و 2).