نيويورك ــ نزار عبود
سارعت حركة «حماس» إلى دحض الاستثمار الإسرائيلي لـ«لعبة الحصار»، الذي تفجر أمس عند معبر رفح الحدودي، معلنة رفضها لمعادلة «فتح المعابر مقابل وقف الصواريخ»، التي سعى الاحتلال إلى فرضها، وتمسكها بموقفها القائل بأن هذه الصواريخ وجدت لردع المحتل (التفاصيل).
وقال رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، خالد مشعل، من دمشق، إنّ الفلسطينيين سيواصلون استهداف إسرائيل بالصواريخ، ما استمرت الهجمة الإسرائيلية على قطاع غزة والضفة الغربية. وأضاف، حسبما نقلت عنه وكالة «فرانس برس»، أنّ «الصواريخ الفلسطينية هي رد فعل على العدوان الإسرائيلي وعلى الاحتلال. فلتوقف إسرائيل عدوانها ولتنهِ احتلالها، عند ذلك المقاومة، بما فيها الصواريخ، تتوقف».
تصريحات مشعل يمكن إدراجها أيضاً في إطار الردّ على الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، الذي دان «الصواريخ العبثية» التي يطلقها المقاومون من القطاع على إسرائيل، وجدد التأكيد أنّ «السلطة الفلسطينية مستعدة لتسلم المعابر من أجل فكّ الحصار».
وفيما أعرب أبو مازن عن ضرورة تكثيف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي لإقناع «الطرف الثاني (إسرائيل) بأنّ شعبنا يعاني»، لفتت وزيرة الخارجيّة الإسرائيليّة، تسيبي ليفني، إلى أنّ إسرائيل «لا تحتاج إلى الاعتذار عن وجودها» وستستمرّ بالعمل «لأداء التزاماتها في غزّة بما يخدم الدفاع عن مواطنيها، وحتّى إن كانت الكلفة هي الإدانة».
حديث ليفني أتى بعد إشارة مسؤول رفيع المستوى في وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى إنّ الانخفاض الكبير في عدد الهجمات الصاروخية الصادرة من غزّة خلال اليومين الماضيين يدلّ على فعاليّة الإجراءات الإسرائيليّة من حصار وإغلاق معابر.
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن المسؤول نفسه قوله إنّ قطع الوقود عن غزّة «أوصل الرسالة وحماس فهمت المعادلة»، مشيراً، بلهجة تهديدية، إلى أنّ قرار إدخال كميات وقود إلى القطاع، أوّل من أمس، هو «لفتة لمرّة واحدة».
في هذا الوقت، تخلّى المندوبون العرب لدى الأمم المتحدة عن فكرة استصدار قرار في مجلس الأمن الدولي في شأن الحالة في غزة حتى قبل السعي لكسب التأييد له. وأتى ذلك بعد اجتماع عقدوه في نيويورك نتج منه قرار بعدم التحدّث عن بيان رئاسي، إلا إذا أخفقوا في الحصول على الدعم لقرار رسمي.
ولكن ما إن انتهى الاجتماع حتى تخلّوا عن ذلك التكتيك، وتفرقوا، ما أضعف موقفهم «قبل بدء المعركة»، على حد تعبير أحد المندوبين المستائين. وحتى بعد تقديم تنازلات مسبقة، لم يكن حظهم في إنجاح البيان الرئاسي أوفر مما لو تمسّكوا بقرار؛ فالبيان يحتاج إلى إجماع تام، بينما القرار يمكن أن يمرر بأغلبية تسعة أصوات من 15 صوتاً.
والمفارقة أنّ مجلس الأمن الحالي يتمتع بأكبر تأييد من كتلة عدم الانحياز الممثلة بنصف الأعضاء. وهذه الكتلة تقف إلى جانب الحق العربي. لكن فكرة القرار تبخّرت كلياً قبل انعقاد الجلسة الطارئة أمس لمناقشة الوضع في غزة، التي كانت مزيجاً من المناقشة الشهرية ودراسة الحالة في غزة.
الأمين العام للأمم المتّحدة، بان كي مون، اعتذر عن لقاء وفد من المندوبين العرب «بسبب ضيق الوقت». وكان الوفد يريد طلب مساعدته في تخفيف معاناة الفلسطينيين في القطاع بالسعي لاستصدار بيان منه. وتساءل أحد المندوبين العرب: «لو كان المندوب الإسرائيلي قد طلب لقاءً معه، لما تلكّأ بتاتاً».
أمّا نائب بان للشؤون السياسيّة، لين باسكو، فقد قدم في الجلسة تقويماً للوضع في غزة، ملقياً ضمنياً اللوم على «حماس» في «إطلاق 150 صاروخاً وممارسة القنص على القوات الإسرائيلية». ولم ينس أنّ الحركة لا تزال تحتفظ بالأسير جلعاد شاليط. وقال إن «استهداف المدن عشوائياً بالصواريخ غير مقبول»، مناشداً الطرفين احترام القانون الدولي في النزاعات وعدم تعريض المدنيين للخطر.
وبيان المجموعة العربيّة، الذي وصفه الجانب الأميركي بأنّه «غير متوازن»، وهو ما لمّح إليه أيضاً المندوب الفرنسي، وُجِد خجولاً؛ فقد أعرب عن «القلق الشديد من تدهور الأوضاع الإنسانية في الأراضي الفلسطينية»، ودعا إسرائيل إلى «احترام واجباتها بموجب القانون الدولي وقوانين حقوق الإنسان» و«التخفيف من كل الإجراءات والممارسات غير الشرعية بحق السكان المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة». كما طالب بالسماح للمساعدات الإنسانية بالعبور الحر من دون عرقلة، وفتح المعابر أمام حركة الاستيراد والتصدير والسماح بعبور أعضاء البعثات الإنسانية بحريّة. وناشد البيان المجتمع الدولي مواصلة تقديم الدعم الطارئ والمساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة بهدف تلبية احتياجاتهم الإنسانية.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» إن المجموعة العربية تدرس مراجعة نص البيان بحيث تنال الإجماع المطلوب، ولا سيما أن المندوب الفلسطيني رياض منصور يسعى بكل جهد، مدعوماً من سفراء دول «الاعتدال»، للحصول عليه لكونه يعزز السلطة الفلسطينية، التي تريد أن تخرج منتصرة من الأزمة.