السائقون يقفلون الشوارع في العاصمة ومزارعون يتحرّكون في البقاع والشمال و14 آذار تختبر قائد الجيش
علمت «الأخبار» أن المدير العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان استأنف اتصالاته بالعاصمة السورية، وبعث برسالتين الى وزير الخارجية السورية وليد المعلم تناول فيهما فكرة إحياء مساعي الحل في لبنان وفق صيغة مختلفة عن التي فشلت سابقاً. ورفضت مصادر محلية التعليق على أنباء تقول بأنّ المسؤول الفرنسي أجرى أيضاً اتصالات بقيادات لبنانية عدة أبرزها الرئيس نبيه بري، وذلك بعد نحو أسبوع على اجتماعات عقدها ممثّلون عن التيار الوطني الحر في باريس مع مسؤولين فرنسيين.
وإذ تجدّدت التسريبات عن أسماء جديدة رُشِّحت للرئاسة في سياق حلّ جديد، عُلم أيضاً أن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أجرى اتصالات مع قيادات لبنانية أبلغها معلومات عن تراجع فرصة التدويل وأنه ليس هناك نشاط خاص في مجلس الأمن الدولي. وجدّد موسى رغبته في العودة إلى بيروت سريعاً، وعدم تفضيله استئناف باريس لمساعيها، ويوافقه الرأي السعوديّون وربّما الولايات المتحدة الاميركية.
وإذ قدرت مصادر سياسية أن يستمر الغموض في الموقف الى ما بعد السابع والعشرين من الشهر الجاري، فإن التأزّم السياسي الحاد داخلياً، أعاد الى الواجهة التحركات المطلبية، حيث تنفّذ قطاعات النقل والزراعة اليوم إضراباً عامّاً تتخلّله تحرّكات متنوّعة بين السادسة صباحاً والسادسة مساءً في نقاط حدّدت مسبّقاً في عدد من المدن والقرى اللبنانية.
ولم يستبعد قادة الإضراب حصول محاولات لقطع الطرقات الرئيسية في تعبير احتجاجي على تجاهل الحكومة المزمن للمطالب المرفوعة، إلا أنّهم أكّدوا الطابع الهادئ للتحرّكات، محذّرين من «طابور خامس» قد يعمد إلى القيام بأعمال مشبوهة تهدف إلى إثارة «الشغب» والتعدّي على الممتلكات العامة والخاصة من أجل حرف التحرّكات عن مسارها.
إلا أن التحرك الذي تنسبه السلطة لفريق المعارضة وعلى خلفية سياسية، سوف يكون جارياً تحت نظر القوى الامنية، وتحديداً الجيش الذي يبدو أنه سيجد نفسه اليوم «أمام اختبار متنوّع الغايات ومن قبل العديد من الجهات وذلك ربطاً بالموقف من ترشيح قائده العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية».
ويُتوقّع أن يشلّ الإضراب حركة النقل في المدن الرئيسية وفي ما بينها، فيما أعلنت نقابات وتجمّعات سائقي سيارات نقل الطلاب أن السائقين ليسوا في وارد تحمّل أي مسؤولية تجاه إيصال الطلاب والتلاميذ إلى مدارسهم، في ظل عدم وجود أي ضمانات خاصة من الجهات الأمنية الرسمية. وطالبت المؤسسات التربوية بتفهّم هذا الموقف، ولا سيما بعد صدور قرار من وزارة التربية يعتبر اليوم يوم دراسة عادياً.
ومن المقرّر أن تشهد بعض الساحات العامة ومفاصل الطرقات الرئيسية تجمّعات للسائقين والمزارعين، ومنها: السفارة الكويتية، جسر الكولا، مستديرة شاتيلا، المكلّس، الدورة، جونية، جبيل، ساحة عكار الرئيسية، ساحة عبد الناصر في طرابلس، شتورة، دورس، اللبوة، الهرمل، النبطية، صور، صيدا، والزهراني... وقد رفعت أمس نسبة الجهوزية في القوى الأمنية والعسكرية على جميع الأراضي اللبنانية إلى الحدود القصوى استعداداً لمواجهة أي طارئ، واحتياطاً إذا ما سبّب ذلك اعتصامات وإقفالاً للطرق. كما علم أن المديرية العام للأمن العام قد أعلنت الحجز لعناصرها لتكون على استعداد للقيام بأية مهمة تطلب منهم.
وبينما كانت القوى النقابية في أحزاب المعارضة تعمل على حشد مناصريها للمشاركة في تحرك اليوم، كانت قوى في فريق الاكثرية تدرس سبل المواجهة على الأرض إذا تكرر مشهد قطع المعارضين الطرقات، الذي جرى العام الماضي، علماً بأن اتصالات جرت أمس بعيداً عن الأضواء بين قيادات أمنية ـ سياسية من فريقي المعارضة والسلطة بغية التأكيد على سلميّة التحرّك وعدم توجّهه السياسي.
وتحدّثت معلومات عن تحركات وتجمعات لجأ إليها أنصار تيار «المستقبل» في العاصمة بغية منع إغلاق بعض الطرقات والسعي الى تسهيل وصول الطلاب الى المدارس. وقد شهدت طرابلس وبعض مناطق الشمال تحركات مماثلة. وجابت مجموعات من «أفواج طرابلس» التابعة لتيار «المستقبل» الأحياء الداخلية، وقال قياديون فيها لمراسل «الأخبار» نزيه الصديق إن هذا الإجراء تدبير روتيني لا يتعلق بتحرك المعارضة اليوم، مضيفين أنه سيكون للأفواج ولبعض قوى الموالاة جولات سيارة في المدينة اليوم لحشد القوى في بداية الاستعدادات للاحتفال بذكرى الرابع عشر من شباط.
أما في البقاع الغربي وبعض مناطق شتورة وزحلة فقد جرت اتصالات بين قوى الاكثرية، وقالت مصادر فيها إنها أبلغت قيادة الجيش أن الأمر متروك لها وأنها طلبت من كوادرها وجمهورها الابتعاد عن ساحات تجمع المعارضة وعدم الاحتكاك بها تحت أي ظرف، حتى لو قُطعت الطرق، وترك أمر فتح الطرق الى الجيش وقوى الامن الداخلي.
وجرى أمس تسريب تقارير أمنية تثير الكثير من علامات الاستفهام، إذ تقول هذه التقارير إن معلومات توافرت للأجهزة الأمنية، منذ أول من أمس، عن شراء مناصرين لأحزاب في المعارضة كميات من المواد السريعة الاشتعال (التينر) من إحدى الشركات في محلة السفري ـ بعلبك بغية استعمالها في حرق الإطارات أثناء الاحتجاج. وأفادت هذه المعلومات بأنه جرى توزيع كمية من الإطارات المطاطية في زحلة، ورُصدت كمية كبيرة من الإطارات في «بورة» في الأوزاعي... وتزامنت هذه التقارير مع تقارير أمنية أخرى تحذّر من احتمال تحرّك مجموعات «أصولية» للقيام بعمليات تخريبيّة ضد مؤسسات دينية مسيحية في مناطق إقليم الخروب وصيدا.
ويحظى إضراب اليوم بتأييد ودعم ومشاركة أكثريّة قوى وأحزاب المعارضة والاتحادات والنقابات العمالية المنضوية في إطار الاتحاد العمالي العام، فيما أعلنت قوى 14 آذار رفضها لهذا التحرّك ووصفته بأنّه «مسيّس» وأوعزت الى نقابيّيها من تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الكتائب والقوات اللبنانية والكتلة الوطنية بالعمل على إفشال الإضراب، وحثّ النقابات الخاضعة لها على القيام بتحرّك موازٍ يقوم على تفضيل الحوار مع الرئيس فؤاد السنيورة بغية الحصول على بعض المكاسب، ومنها الإعلان عن الموافقة المبدئية على مطلب رفع الحد الأدنى للأجور، وذلك بغية تكريس صورة المضربين بصفتهم الحزبيّة لا النقابيّة.
ويطالب دعاة الإضراب بتصحيح الأجور وتخصيص السائقين بالبنزين المدعوم بسعر 20 ألف ليرة للصفيحة، ودفع التعويضات للمزارعين عن أضرار حرب تموز والكوارث الطبيعية، وإدخال المزارعين إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وكانت قد سبقت إضراب اليوم محاولات حثيثة لـ«القوطبة» عليه، إذ عقد الرئيس السنيورة لقاءً مع نقابيّي 14 آذار، وبحث معهم المطالب، وأعلن تحقيق بعضها فوراً كالتوقيع على مرسوم تمديد ولاية مجالس العمل التحكيميّة، والإيعاز إلى وزير المال جهاد أزعور إصدار مذكرة بضمّ خدمات الطلاب الموظفين في كلية التربية استجابة لمطالب أساتذة التعليم الثانوي الرسمي لتحييدهم، كما تعهد بدرس مشروع مرسوم في مجلس الوزراء يقضي بصرف تعويض الإدارة لمديري المدارس وبدرس آلية للتعويض على القطاعات الزراعية المتضررة من العدوان الاسرائيلي والتعويض على المزارعين المتضررين من الكوارث الطبيعية... إلا أن السنيورة رفض إعطاء موقف حاسم من مطلب زيادة الحد الأدنى للأجور وتصحيح الشطور بذريعة انتظار نتائج اجتماع لجنة مؤشر غلاء المعيشة التي تضمّ ممثلين عن الدولة وأصحاب العمل والاتحاد العمالي، والتي دعيت للانعقاد عند الثانية عشرة والنصف من بعد ظهر اليوم، بعد انتظار طويل.