موسى يدرس احتمال تأجيل زيارته واستمرار التواصل الفرنسي ـ السوري
يبدو أنّ النتائج الأولية للتحقيقات الجارية بشأن جريمة الشياح الأخيرة قد أطاحت كثيراً من المعادلات التي كانت قائمة قبل تاريخ السابع والعشرين الماضي. وفي انتظار النتائج الرسميّة التي لم يحدّد موعدها بعد، وإن كان قائد الجيش العماد ميشال سليمان قد وعد بإنجازها قبل مرور ذكرى الأسبوع على استشهاد سبعة مواطنين وجرح نحو 29 بينهم واحد لا يزال في حالة الخطر الشديد، تسرّبت معلومات رسمية وأخرى حزبية دلت على وجود مشكلة سوف تترك آثارها الكبيرة على واقع المؤسسة العسكرية نفسها وعلى ترشيح سليمان التوافقي وعلى مسار التسوية وما سوف ينتظره الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي تردّدت معلومات عن احتمال تأخير زيارته أياماً إضافية الى حين تحسّن الوضع الصحي للعماد ميشال عون، الذي زاره أمس النائب علي حسن خليل موفداً من بري للاطمئنان على صحته.
وأجمعت قيادات عدة في المعارضة على التأكيد أن ما حصل الأحد الماضي في مار مخايل «لم يكن عفوياً، وإنما كان أمراً مدبّراً لجرّ «حزب الله» وحركة «أمل» الى فتنة داخلية، ولذا فإنّ التحقيق يركّز على كشف من دبّر هذا الأمر من التبديل الذي حصل في قوة الجيش التي كانت منتشرة على الأرض في المنطقة، ومن أعطى الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين، ومن هم الضباط الذي أداروا العملية على الأرض وفي الغرف المختصة، والى أي جهة ينتمي الشخص الذي أوقف في عين الرمانة وضُبطت معه بندقية كلاشنيكوف مزودة منظاراً».
وعلى أثر موقف أعلنه الوزير وئام وهاب بعد ظهر أول من أمس أثناء تقبّل التعازي في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بشهداء «الأحد الأسود» وحذر فيه من أنه لا يمكن أحداً أن يصل إلى الكرسي على دماء الشهداء، بادر العماد سليمان إلى الاتصال بوهاب، وأكد له حرصه على وصول التحقيق إلى نهايته، معتبراً أن الحادثة «هي استهداف للمؤسسة العسكرية ولجمهور المقاومة». كذلك أكد سليمان لوهّاب أن لا استهانة بالتحقيق الجاري ونتائجه وأنه حريص على السلم الأهلي وحرية التعبير. وقال إن التحقيقات تتقدم، إلا أنه لم يكشف أي تفاصيل، كما لم يتطرق في حديثه إلى الشأن السياسي.
وقالت مصادر حزبية إن كمية كبيرة من المعلومات والتفاصيل الدقيقة باتت في حوزة قوى معنية مباشرة بالتحقيق الجاري ومعنية بالآثار السياسية، وإن هذه المعطيات تدلّ على تورّط جهات معينة في تدبير ما حصل، ولن يكون هناك تقبّل لإعلان العماد سليمان أنه لم يكن متابعاً على الأرض لما يحصل وأنّه كان خارج السمع في اللحظات الأولى، وذلك باعتبار أن المعطيات وآليات العمل التقليدية تنفي احتمال أن يكون هناك قيادي في أركان الجيش خارج المعطيات المباشرة في حالة دخول الجيش في اشتباك مع أي جهة أخرى. وقالت هذه المصادر إن هناك من ينتظر إعلان نتائج التحقيقات الرسمية حتى يتم الكشف عن كثير من المعطيات إذا ما أخفيت.
وفي هذا الإطار صرّح مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية في لبنان القاضي جان فهد بأن العشرات، بمن فيهم عسكريون، يخضعون للاستجواب في حادثة مار مخايل، وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنه ما زال يحقق «مع عناصر من الجيش يزيد عددهم على خمسة ومع مدنيين أيضاً»، موضحاً أنه «لم يتم توقيف أحد». وأضاف «من أول يوم وحتى الآن أوقف 23 مدنياً ولم أطلق سراحهم ولم أصدر الاوامر باعتقالهم»، في إطار التحقيق الذي توقع أن ينتهي في غضون أيام.
من جانبها قالت مصادر عسكرية قريبة من التحقيقات الجارية إن المعطيات دلت على أنه لم تطلق أي رصاصة من منطقة عين الرمانة، وأنه لم يحصل توقيف أي ضابط أو عسكري إذ انه بحسب القانون العسكري، كان هؤلاء العسكريون سيحاسبون لو لم يدافعوا عن آلياتهم في وجه ما كانت تتعرّض له، وأنه ما زال بعض مطلقي النار من المدنيين فارّين. وهؤلاء كانوا واقفين خلف المتظاهرين، وأسماؤهم معروفة لدى الجيش، ولا يزال بعض المتظاهرين موقوفين قيد التحقيقات. ومن المنتظر أن تعلَن نتائج التحقيقات خلال يومين على أبعد تقدير، وستقوم وفود قيادية من الجيش بجولة على القيادات السياسية لشرح الموقف لها.
وعلى الصعيد الأمني، ألقيت قرابة الساعة السادسة من مساء أمس قنبلة دفاعية على آلية عسكرية تابعة للجيش في منطقة السان تريز، فأصيبت بعطل، وأطلق أحد العسكريين النار في الهواء. كما حاول قرابة خمسين شاباً قطع طريق الكفاءات عند السادسة وأربعين دقيقة، إلا أنّ الجيش تمكّن من إعادة فتحها.

موسى والتحرّك الفرنسي

من جهة ثانية، وفي ضوء ما بدأ يسود من تشاؤم إزاء مصير المبادرة العربية، رأى موسى في مؤتمر صحافي عقده في الكويت أن «تأخير الاستحقاق الرئاسي ضربة للاستقرار في لبنان»، مبدياً خشيته من «أن يصبح لبنان مسرحاً للصراعات والتنافسات الإقليمية». ودعا العرب الى إنقاذ لبنان من الوقوع في «أتون أمور لا نريدها»، مشدداً على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن.
وفيما تردّدت معلومات عن احتمال تجدّد المساعي الفرنسية، قالت مصادر مطلعة على الموقف الفرنسي لـ«الأخبار» إن جهات لبنانية نصحت باريس في الآونة الأخيرة بوجوب تحاشي اتخاذ أي مواقف سلبية أو منحازة، لأن من مصلحتها البقاء في الساحة المحايدة حتى يبقى دورها مطلوباً، لأن المؤشرات تدل على أن المبادرة العربية لن تصل إلى النتائج المرجوّة منها بسبب انحياز جامعة الدول العربية إلى جانب الموالاة التي تنحاز إليها الولايات المتحدة الأميركية أيضاً. وقالت المصادر إن التواصل الفرنسي ـــــ السوري مستمر ولو أن في باريس من يضع الأمر في سياق العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وذكرت المصادر أنه جرى أخيراً تبادل المزيد من الرسائل بين المدير العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان ووزير الخارجية السوري وليد المعلم وجرى ذلك على خلفية انتظار نتائج المساعي النهائية للجامعة العربية.
وبينما ذكر دبلوماسي عربي بارز في بيروت أنه ليس متوقعاً إنتاج تسوية سريعة مع موسى، أكد أن الجانب الفرنسي لا يعكس قدرة على محاورة سوريا والوصول معها الى نتائج حاسمة. وقال الدبلوماسي العربي إن الأمور تبدو معقدة وليس سهلاً أن يتوصل موسى الى نتائج حاسمة في زيارته المقبلة.