خرجت قوى 14 آذار أمس عن خياراتها التي نادت بها طويلاً لجهة انتخاب رئيس من صفوفها وبنصاب النصف زائداً واحداً، عبر ترشيحها رسمياً قائد الجيش العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية. وباتت المشكلة تنحصر في تمسّك المعارضة بوجوب الاتفاق مسبقاً على حل متكامل قبل انتخاب رئيس الجمهورية، يشمل الحكومة رئيساً وحجماً وحصصاً وبياناً وزارياً. وقال أحد أقطاب فريق 14 آذار إن هذا الفريق «ليس في وارد عقد اتفاقات مسبقة مع المعارضة على الحكومة الجديدة أو أي أمر آخر، إذ ينبغي احترام الآلية الدستورية بداية بسدّ الفراغ الرئاسي، تليه استقالة الحكومة حتى يبادر الرئيس الجديد إلى إجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتأليف الحكومة المقبلة». وأكد القطب نفسه أنّ «الموالاة لم تضع شروطاً على العماد سليمان وستتصرف معه وفق الدستور». فـ«نيّتنا إنقاذ البلد ولم نأتِ بمرشّح من 14 آذار، ولا نعتقد أن أحداً سيحاول أن يعوق انطلاقة الرئيس في بداية عهده».
وفي المقابل، علّقت مصادر بري على موقف 14 آذار بأنه بعدما بات واضحاً التوافق على شخص رئيس الجمهورية، وبما أن الأمر التقني المتعلق بتعديل الدستور متوافر، فماذا تنتظر الموالاة للبحث في ما بعد الرئاسة فوراً، وهو ما دعا إليه رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون بأشكال عدّة.

اجتماع الفينيسيا

وكانت قوى 14 آذار قد أعلنت رسمياً مساء امس ترشيحها سليمان لرئاسة الجمهورية. وقالت مصادر المجتمعين إنهم عرضوا على مدى ثلاث ساعات ونصف الساعة التطورات السياسية المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي، وقد رأس الاجتماع وأداره الرئيس أمين الجميّل الذي قدم عرضاً مفصّلاً للوضع العام في البلاد، داعياً إلى إنهاء الفراغ الرئاسي سريعاً.
وفي بداية الاجتماع قدم النائب روبير غانم عرضاً للمخارج الدستورية لإجراء التعديل الدستوري، وتوقف عند طريقتين تبدآن من اقتراح يتقدم به عشرة نواب، داعياً إلى التعاون بين المجلس والحكومة لإتمام الاستحقاق ضمن المهل المحددة. ثم تحدث النائب السابق نسيب لحود فشدد على رفضه المسّ بالدستور معتبراً أنه مقتنع إلى حدود بعيدة بخطورة التعديل، لكنه قال إنه سيلتزم قرار الأكثرية إذا رأت في التعديل مخرجاً للأزمة.
وقدم النائب غسان تويني مداخلة نارية رافضاً التعديل. وفيما كان الصامت الأكبر في الاجتماع النائب وليد جنبلاط، قدم الوزير غازي العريضي مداخلة طويلة تحفّظ فيها على تعديل الدستور مرّتين، مرّة لرفضه مبدأ التعديل وأُخرى لوصول عسكري الى رئاسة الجمهورية، لكنه تراجع عن كل هذه الملاحظات لـ«حماية الوحدة الوطنية وعدم إراقة الدماء على وقع القرارات الدولية ومخاطر السياسة الأميركية وصفقاتها في المنطقة»، وشدد على «وحدة قوى 14 آذار المهدّدة بالانفراط».
أما الدكتور سمير جعجع، فقدم مداخلة طويلة عرض فيها ما سمّاه الخلل في آلية طرح العماد سليمان مرشحاً توافقياً. لكنه طرح ما سمّاه آلية تواكب التعديل الدستوري لترشيح سليمان، تقوم على رفض وضع أي شروط أو إملائها على سليمان «لا من عنّا ولا من عندهم». كذلك رفض تقليص الولاية الرئاسية من ست سنوات إلى سنتين، ورفض أيضاً الموافقة مسبقاً على ورقة التفاهم القائمة بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» لأن مضمونها «من مهمات الحكومة والحوار الذي يديره الرئيس الجديد للجمهورية». كما رفض جعجع إشراك قوى 8 آذار في اختيار رئيس الحكومة، داعياً الأكثرية إلى التمسّك بمَن يسمّيه سعد الحريري.
ثم قدّم مستشار رئيس الحكومة محمد شطح عرضاً للوضع الحكومي، وشدد على شرعية حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وقال إن التعديل الدستوري سواء انطلق من المجلس النيابي أو الحكومة سيعود إلى الحكومة تلقائياً، مؤكداً باسم السنيورة أن عمر الحكومة ينتهي بتقديم استقالة رئيسها إلى رئيس الجمهورية عند انتخابه.
وردّ النائب السابق فارس سعيد على غانم، الذي اقترح أن يتقدم عشرة نواب من الأكثرية باقتراح التعديل، فطالب بالتوسّط لدى الرئيس بري ليقدمه بصيغة توافقية: 5 نواب من الأكثرية و5 من نواب المعارضة.
وتبلّغ المجتمعون أنّ الاتصالات مفتوحة بين الحريري وبري، وتردّد بعد الاجتماع أن الحريري توجه الى عين التينة للقاء بري.

موقف المعارضة

وفيما يعلن رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون اليوم «وثيقة المبادئ والثوابت المسيحية» الناتجة عن مشاوراته الاخيرة مع الفاعليات المسيحية، عُلم أنه سيحدد موقفه النهائي من ترشيح سليمان غداً الثلاثاء.
لكنّ مصدراً بارزاً في المعارضة أكد لـ«الأخبار» أن موضوع انتخاب سليمان «صار أمراً جدياً»، وأن السعودية ومصر تتوليان العمل لدى الموالاة والمعارضة على تمريره، وأنهما أمهلتا فريق الموالاة 15 يوماً لإيجاد المخارج. وبحسب المصدر، تشمل صفقة الحل الآتي:
أولاً: يجب الاتفاق على الحكومة رئيساً ووزراء قبل انتخاب رئيس الجمهورية، وخصوصاً أنّ المعارضة تصرّ على استبعاد السنيورة والحريري عن رئاستها، وترى أنّه في مقابل استبعاد عون عن رئاسة الجمهورية، ينبغي على الحريري أن يضحّي بعدم الإصرار على تولّي رئاسة الحكومة.
ثانياً: الحكومة الجديدة ستكون مصغّرة تضم من عشرة إلى 14 وزيراً، وذلك على غرار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي أجرت الانتخابات النيابية ربيع عام 2005.
وذكر المصدر نفسه أن المعارضة تطالب بتطبيق العرف في توزيع الحقائب الوزارية السياديّة الذي اعتمد في أول حكومة قامت بعد تطبيق اتفاق الطائف، لجهة إسناد حقيبة وزارة المال للطائفة الشيعيّة ووزارة الخارجية للطائفة السنّية ووزارة الداخلية للطائفة المارونية.
وأضاف المصدر أن آخر الاجتهادات المتداولة في شأن التعديل الدستوري المطلوب لانتخاب سليمان هو أن يتوافق فريقا الموالاة والمعارضة على مخالفة الدستور في انتخابه لتجاوز عقدة حكومة السنيورة والاعتراف بشرعيتها بحيث يتم انتخابه على قاعدة أن مجلس النواب «سيّد نفسه»، على أن يتم التعديل الدستوري في الحكومة الجديدة بمفعول رجعي، وتؤلف هذه الحكومة خلال 48 ساعة من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية وأدائه القسم الدستوري، وهذا الأمر كان قد أوصى به رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط قبل أيام في ضوء معلومات توافرت لديه عندما قال: «علينا انتخاب العماد سليمان رئيساً، حتى لو اضطررنا إلى تجاوز الدستور».

اجتماع اليرزة

وذكرت مصادر قريبة من حزب الكتائب أن الجميّل وجعجع سعيا لدى سليمان للحصول على ضمانات حول حصصهما في الحكومة الجديدة، فرد عليهما بأنه لا يستطيع أن يعدهما بشيء لم يُمسك به حتى اللحظة، وأكد لهما أنه سيعمل على إدارة حوار وطني وعدم مصادرة هذا الحوار عبر توزيع الحصص.
أما بشأن مطالبة العماد سليمان بالموافقة سلفاً على مضمون ورقة التفاهم بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» فقد تم التفاهم على ما أكده العماد سليمان عندما أشار إلى أن الأمر يتصل بالبيان الوزاري ونتائج ومقررات طاولة الحوار التي ستكون مدار متابعة، معرباً عن الحاجة إلى رعايته لحوار لبناني ـــ لبناني يستند إلى هذه المقررات.
وعن سلاح «حزب الله» قالت المصادر إنه كان تفاهمٌ على أنه ليس هناك مَن ينوي البحث في مصير هذا السلاح بالوسائل العسكرية، وأن تطبيق القرارات الدولية سيكون بالوسائل السياسية نفسها. وعمّن سيكون الرئيس الجديد لأول حكومة في العهد الجديد، شدّد الجميّل وجعجع على اعتبار أن الحريري هو المؤهّل لرئاسة الحكومة انتصاراً «للسنّية السياسية» المعتدلة التي يمكنها مواجهة موجة التطرف، مؤكدين أن هذا الأمر يقف في المحصلة على نتائج التفاهمات المقبلة بين القيادات السياسية والحزبية من الأطراف كافة والاستشارات الملزمة التي سيجريها الرئيس الجديد للجمهورية. التفاصيل