برّي فتح السجال حول الحكومة وسليمان زار نصر اللّه والموالاة تعتبر الضيف الفرنسي غير مرحّب به
بدا من التطوّرات أمس أنّ جلسة الانتخابات الرئاسية المقرّرة بعد غد الجمعة ستؤجّل الى الأسبوع المقبل، وعلى الأرجح إلى يوم الأربعاء منه، عسى أن يتم خلال الأيام الفاصلة تذليل العقبات التي تعترض الاستحقاق الرئاسي. وقد وصل أمس وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير مجدداً الى بيروت للمساعدة على حل الأزمة، مستهدفاً بالدرجة الاولى إقناع رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ورئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري بالاجتماع معاً والتفاهم على مرحلة ما بعد انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان الذي كان له لقاء لثلاث ساعات ليل أول من أمس مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
ولوحظ أن زيارة كوشنير لبيروت تعرّضت لحملة تشويش أدارها بعض أقطاب فريق الأكثرية، الذين راحوا يشيعون أن رئيس الدبلوماسية الفرنسية آتٍ للمشاركة في «مناسبة اجتماعية» لدى أحد أصدقائه اللبنانيين، وأكدوا أنه «غير مرحّب» بزيارته لدى الحكومة وفريق الموالاة «لأن لا موجب لها». وقد علم رئيس مجلس النواب نبيه بري بهذا التشويش من النائب غسان تويني الذي اتصل به لهذه الغاية، فسأله بري عن مصدر معلوماته فرد أن الوزير مروان حمادة أبلغه ذلك. وأبلغ بري تويني أن كوشنير «آتٍ إلى لبنان بكل طيبة خاطر راغباً في العمل معنا على تذليل العقبات التي تعترض الاستحقاق الرئاسي».
وقد تجاهل كوشنير هذا التشويش وانطلق في محادثاته، فالتقى الرئيسين بري والحريري، ثمّ زار عون وتخلل لقاءهما عشاء. ويفترض أن يزور اليوم رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والبطريرك الماروني نصر الله صفير. وعُلم أنه سيمكث في بيروت أياماً عدة محاولاً تقريب وجهات النظر بين فريقي الموالاة والمعارضة، بما يُفرج عن الاستحقاق الرئاسي المحاصر حالياً بين إصرار الموالاة على أولوية انتخاب رئيس الجمهورية مقابل إصرار المعارضة على «سلة الحل الكاملة» وتأكيدها أنها لن تسير في أي خطوة قبل الاتفاق على هذه السلة.

أسئلة المعارضة للموالاة

وقالت مصادر اطلعت على ما دار في اللقاء بين بري وكوشنير إن رئيس مجلس النواب أكد له أن الإجماع على شخص قائد الجيش العماد ميشال سليمان مرشحاً توافقياً لرئاسة الجمهورية بات مكتملاً في الداخل والخارج، وقد بات «رئيس جمهورية بالقوة ولكنه لم يصبح رئيساً بالفعل بعد»، وأشار إلى أن ما يؤخر انتخابه هو «مجموعة حواش وجملة أمور». وأضاف «أن المعارضة محقّة في بعض المطالب التي تطرحها وخصوصاً ما يطرحه العماد عون الذي من حقه والمعارضة أن يحصلا من الموالاة على أجوبة عن أسئلة استيضاحية حول الحكومة الجديدة». وعلمت «الأخبار» أن بري حمّل كوشنير مجموعة أسئلة لينقلها إلى الأكثرية وزعيمها الحريري، وهي:
أولاً: من سيرأس الحكومة الجديدة، هل الحريري أم الرئيس فؤاد السنيورة أم شخصية ثالثة من كتلة «المستقبل» تسمّيها الأكثرية خلال الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية الجديد؟
ثانياً: على أي أساس، ووفق أي صيغ ومعايير، ستكون مشاركة فريقي الموالاة والمعارضة في الحكومة الجديدة: هل على أساس 19+11 أم 17+13، أم على أساس التمثيل النيابي بـ55 في المئة للموالاة مقابل 45 في المئة للمعارضة؟ أم أن الأكثرية ستستمر في عقلية الاستئثار؟ وإذا كانت تريد الأخذ بمقولة «حكم الأكثرية» فعندئذ لا تشارك الأقلية في الحكومة وتتخذ موقع المعارضة خارج السلطة.
ثالثاً: كم سيكون عدد أعضاء الحكومة؟ هل ستكون موسّعة من 30 وزيراً أم مصغّرة؟ وهل ستكون برلمانية أم برلمانية مطعّمة بسياسيين وتكنوقراط؟
رابعاً: ماذا عن قانون الانتخاب الجديد؟ هل ستوافق الأكثرية على المشروع الذي أعدّته اللجنة الوطنية وهو نائم في أدراج الحكومة منذ سنة وبضعة أشهر، أم توافق على قانون اعتماد القضاء دائرة انتخابية حسبما يرغب البطريرك الماروني نصر الله صفير؟
وقال بري لكوشنير «إن على الأكثرية وزعيمها النائب الحريري أن يجيبا عن هذه الأسئلة الآن، إذا كانا حريصين على الشراكة الوطنية في القرار». وأضاف «إن الأكثرية تصرّ على إجراء الانتخابات الرئاسية كأولوية قبل البحث في أي شيء آخر، ولكن المعارضة تتخوّف من عودة هذه الأكثرية إلى عقلية الاستئثار بالسلطة». ورأى أن «هذه الأمور يجب أن تكون واضحة حتى ننظّف الطريق من الألغام والفخاخ المزروعة أمام العهد الجديد في بداية انطلاقته، فإذا كان هناك إجماع لبناني على أن ميشال سليمان يمثّل رجاءً للبنانيين فكم ستكون الصدمة كبيرة إذا بدأ عهده بخلافات كتلك التي عرفناها حول تأليف الحكومة وغيرها من القضايا، فنكون في هذه الحال قضينا على هذا الرجاء وأغلقنا الطريق أمام طموحات هذا الرجل وطموحات اللبنانيين بوطن آمن مستقرّ ودولة تنشط فيها المؤسسات وتعود آلة الإنتاج إلى العمل».
وقال بري أيضاً: «إذا لم نعالج هذه القضايا فسيتحوّل سليمان إلى رئيس لإدارة الأزمة لا إلى رئيس للإنقاذ، وهذا أمر يجعل من خطوة ترشحه فخاً سياسياً يبقي البلاد عرضة دائماً للخلافات والتوترات بينما المطلوب لها أن تدخل مرحلة من البناء وإعادة الثقة تعود معها مختلف مؤسساتها إلى العمل ولا سيما منها المؤسسات الدستورية».
ورأى برّي «أن لا مشكلة في ترشيح العماد سليمان وأن مشروع تعديل الدستور لانتخابه جاهز وهو بصيغ عدة تريح الجميع ولا تحرج أحداً، وكل المخارج المعدّة قانونية ودستورية بحيث لا يمكن أحداً الطعن في عملية الانتخاب في ما بعد».
وكرر بري أن المعارضة «لا مطالب مستحيلة لديها ولا شروط تعجيزية، وكل ما تطلبه ينطلق من حقها في أن تكون شريكة في الوطن، اللهمّ إلاّ إذا كانت الأكثرية تضمر أموراً لا تريد الإفصاح عنها الآن».

الرئيس ومظلّته

وفيما علمت «الأخبار» أن الحريري أبلغ كوشنير أن الأكثرية لن تقدم أية التزامات للمعارضة قبل انتخاب رئيس الجمهورية، قلّل وزير الاتصالات مروان حمادة من أهمية زيارة رئيس الدبلوماسية الفرنسية لبيروت، وقال لـ«الأخبار» إن هناك «استعداداً كاملاً لدى فريق الموالاة للبحث في كل القضايا بعد انتخاب رئيس الجمهورية وتحت مظلته وضمن الدستور». وأضاف: «لا يجوز أن ننتزع صلاحيات رئيس الجمهورية قبل أن يُنتخب فنؤلف الحكومة ونعيّن له قائد الجيش ونسحب منه كل التواقيع ونطلب الشيء وعكسه».
ولفت حمادة إلى أن كوشنير تبلّغ موقف الموالاة هذا مساء أمس، وقال: «إن هناك مطبخاً أساسياً أنتج رئيس جمهورية، وبعد انتخاب الرئيس يفتح البحث في كل القضايا، فيمكن أن لا يُكلّف النائب سعد الحريري تأليف الحكومة الجديدة، وهو لم يقل بعد إنه يريد ذلك، ويمكن أن يُسمّى شخص آخر، وتأليف الحكومة يتم بالاتفاق بين رئيسي الجمهورية والحكومة، وأهم ما في صلاحيات رئيس الجمهورية هو توقيعه مرسوم تأليف الحكومة، وبعد هذا التوقيع تصبح الحكومة هي السلطة التنفيذية، فكيف يمكن أن ننتزع منه هذه الصلاحية الآن؟».
ورداً على سؤال عن إمكان حصول لقاء بين الحريري وعون، أجاب حمادة متسائلاً عن جدوى هذا اللقاء: «لا سعد الحريري صار رئيساً للحكومة، ولا عون هو المسيحي الوحيد في البلد».