strong>ابراهيم الأمين
■ 64 % من المسيحيّين يؤيّدون مواقف الجنرال
■ لماذا عدّل برّي في وجهته وما هي حقيقة تنازلات الحريري؟

إذا كانت قوى 14 آذار، ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية والسعودية وبعض العواصم الأوروبية، على عجلة من أمرها لعقد تسوية ناقصة تحت عنوان الاستحقاق الرئاسي، فما الذي يدفع ببعض قيادات المعارضة الى السير بهذا المشروع، وما هي الحكمة في المناخ المنتشر في البلاد والمنسوب الى الرئيس نبيه بري وفريقه بأنّه حان وقت القطاف، فيما لم يقدّم فريق الأكثرية أيّ تنازل جدّي حتّى الآن؟ ومن الذي يقف خلف فكرة تحويل الضغوط الخارجية والداخلية نحو العماد ميشال عون، وتحويله إلى مسؤول عن عرقلة الحلّ، كي لا تُترَك الأزمة تتفاعل داخل فريق الأكثرية نفسه؟
في وقائع اليومين الماضيين، بدت الصورة أقرب الى نجاح الجانب الأوروبي والعربي المؤيّد لفريق الأكثرية في نقل النقاش من داخل الفريق المأزوم الى فريق المعارضة. وهو ما أثار علامات استفهام إزاء استعجال الرئيس بري إنجاز ملف التعديل الدستوري قبل اكتمال عقد التسوية الكاملة بشأن المرحلة المقبلة، ما دفع بالعماد ميشال عون الى الرد بوضوح وحزم بأنّه لا مجال للتراجع أمام هذه الضغوط، وأنه سبق له أن واجه أوضاعاً أكثر صعوبة في السنة الماضية، وليس أقلها ما تعرّض له خلال فترة العدوان الإسرائيلي على لبنان وبعد تفاهمه مع حزب الله، وأنه لم يسمح لأحد بالنيل من مواقفه، وهو لا يرى أن الوضع القائم حالياً يتطلّب هذا القدر من التراجع لمجرّد أن فريق الأكثرية أعلن قبوله ببعض الخطوات التي تعد تحصيلاً حاصلاً في ضوء المأزق الذي وصل إليه، وفشل مشاريع التهويل والضغوط القائمة من الخارج.

عون عند موقفه

ورغم أنّ اجتماع قيادات قوى المعارضة مع العماد عون مساء أول من أمس لم يصل الى نتيجة حاسمة حيال أسئلة الرئيس بري، فإنّ عون أبلغ زواره امس أنه متمسك برأيه وأنه قدّم أكبر تضحية بتنازله عن حقّه بالرئاسة الأولى لمصلحة الحلّ التوافقي، وأنّه لا يقبل أن يتعرّض لابتزاز الآخرين الذين يصوّرون مطلبه الإتيان برئيس حكومة توافقي بأنه عرقلة للحل. وقال عون: لقد جاءني وزراء خارجية دول كبرى وعشرات السفراء والموفدين، وكلهم خرجوا من عندي بقناعة أنني أقدم التنازلات، وظنوا أخيراً أن الوزير كوشنير سيكون بمقدوره إلزامي بتنازل علماً بأنه هو من طرح عليّ سابقاً فكرة الولاية المؤقتة لقائد الجيش، وهو من طلب منّي تسمية رئيس للحكومة وقلت له إن ما اقترحه يمثّل حلاً منطقياً ولا يتطلب تعديلاً للدستور، وإنه يجب صياغة تفاهم سياسي يأخذ بعين الاعتبار هواجس القوى الأساسية، من ملف المقاومة وسلاحها الى ملف المحكمة الدولية والتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري الى ملف الإدارة الداخلية ودور المسيحيين في الحكم. وكان هناك تفاهم على آلية لتبديد هذه الهواجس، وهي واردة في صلب مبادرتي.
وقال عون: «لن نقبل بتسوية ناقصة ولن نغطّي أي صيغة لتعديل الدستور دون تحقيق التسوية الكاملة. وهذه التسوية تكون منصفة من خلال إقرار واضح بعدم تولي زعيم الاكثرية رئاسة الحكومة المقبلة».
ويضيف عون: «لن أقبل بممارسة ضغوط عليّ من المقرّبين مني، وأنا الذي تحمّلت كل الضغوط سابقاً من أجل حلفائي، وأنا لا أمنّن أحداً بهذا الأمر. وإذا كانت هناك ضغوط خارجية يجب ألا ندعها تقع علينا، بل على الفريق الآخر المسؤول عما آلت إليه أوضاع البلاد».
وعن موقف حزب الله، قال زوار عون: «لقد سمع الجنرال موقفاً واضحاً من قيادة حزب الله يؤكد التمسك بالسير معه في إدارة هذا الملف، وإن عون كان حذراً بعض الشيء إزاء كلام منسوب الى الرئيس بري بأنه لم يعد قادراً على تحمل الضغوط القائمة عليه من كل الجهات العربية والدولية، وأنه يريد تركه حراً من أي التزامات أخرى».

قوّة الجنرال مسيحيّاً

وفي ضوء الكلام عن استياء الشارع اللبناني عموماً والمسيحي على وجه الخصوص من مواقف العماد عون، أجرى مركز بيروت للمعلومات استطلاعاً للرأي، أمس، شمل 400 عيّنة من المسيحيين موزّعين حسب الآلية العلمية وفق التوزع المناطقي والفئات العمرية، وطُرح على المستطلعين سؤالان، الأول: هل تعتقد بأن موقف عون يقوّي الموقف المسيحي؟ والثاني: هل تؤيّد موقف العماد عون من الملف الرئاسي؟
وقد جاءت النتيجة بأن أجاب 64 في المئة بـ«نعم» عن السؤال الأوّل مقابل 36 في المئة بـ«لا»، و63 في المئة بـ«نعم» عن السؤال الثاني، مقابل 37 في المئة بـ«لا»، مع بروز أمر لافت هو أنّ غالبية ساحقة من المستطلعين الأرمن أيّدوا مواقف العماد عون.
وإذا ما جرت مقارنة هذه النتائج بما كان عليه الوضع في انتخابات عام 2005، يتّضح أنّ ما مثّله عون يومها بلغ، بحسب القوة التجييرية للتيار الوطني الحر، 43 في المئة من مسيحيّي لبنان و55 في المئة من مسيحيّي جبل لبنان، مضافاً إليها 12 في المئة من المسيحيّين هي أصوات القوى الحليفة له (الطاشناق والمرّ وآخرون)، ما يعني أنّ قوّة العماد عون بين المسيحيّين عادت إلى ما كانت عليه في حينه.

الصفقة المجمّدة

وكانت مراجع واسعة الاطّلاع قد قالت لـ«الأخبار» إن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير غادر لبنان بعد توصّله الى تفاهم أوّلي بين الرئيس بري والنائب سعد الحريري في ما خص «ورقة ضمانات بشأن الحكومة المقبلة»، وإنه أدرك قبل سفره أن هناك صعوبات في إنجاز بقية النقاط الخلافية، وسط تمسّك العماد عون باختيار رئيس توافقي للحكومة المقبلة، ما يعني أن يكون من خارج تيار «المستقبل»، بالاضافة الى البند الآخر الوارد في مبادرة العماد عون والخاص بمدة ولاية الرئيس الجديد.
وذكرت المصادر أن النتائج الفعلية لاجتماعات اليومين الأخيرين كانت الآتية:
1ـــــ إقرار النائب الحريري خلال المباحثات (رغم نفيه العلني اللاحق) بتأليف حكومة ثلاثينية موسعة يكون لفريق 14 آذار فيها 55 في المئة من المقاعد الوزارية ونصف الحقائب السيادية، ويكون فيها للمعارضة 45 في المئة من المقاعد الوزارية ونصف الحقائب السيادية.
2ـــــ الإقرار باعتماد سريع لقانون انتخابي جديد يقوم على اعتماد القضاء دائرة انتخابية واحدة، والحصول على موافقة النائب وليد جنبلاط على هذه الخطوة، على أن يعالج الحريري اعتراضات فريق آخر من مسيحيي الشمال وجبل لبنان والبقاع الغربي.
3ـــــ الإقرار بتوافق جدي ومسبّق على سلة التعيينات الامنية، بما في ذلك البحث في كل الملفات السياسية والأمنية والقرارات التي سبق أن صدرت عن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.
4ـــــ الموافقة المبدئية على مخرج الرئيس نبيه بري بشأن التعديل الدستوري (حصل هذا الاتفاق ظهر أمس) في ما خص استقالة حكومة السنيورة والتحول الى حكومة تصريف أعمال وتولي إقرار مشروع قانون التعديل الدستوري.
وحسب المصادر، فإن الحريري قال إنه تنازل بقدر ما يستطيع وإن موضوع رئاسة الحكومة لن يكون ممكناً بحثه الآن، دون أن يحسم ما إذا كان شخصياً يريد تولي هذه المهمة، وسط معلومات عن نصائح تلقّاها من مقرّبين منه ومن جهات خارجية بألا يستعجل الأمر وأن يختار بين الوزير الحالي خالد قباني أو الوزير السابق بهيج طبارة.
ورغم أن الحريري حرص على إشاعة مناخات لا تؤكد التزاماته هذه، فإن الرئيس بري الذي يتولى التفاوض على الجانب الآخر، بعث بهذه النتائج الى قيادتي حزب الله والتيار الوطني الحر، وأبلغهما ترحيبه بهذه النتائج وموافقته الأولية عليها، وأنه يحبّذ التوصل الى تفاهم سريع من خلال إقناع العماد عون بالتنازل عن مطلبيه الخاصين بمدة ولاية سليمان وبهوية رئيس الحكومة.

أين يقف بري؟

وحسب المراجع نفسها، فإن بري يرى أن المعارضة حققت ما يمكن تحقيقه من مكاسب جدية، وأن فريق 14 آذار اضطر الى التراجع عن نصاب الثلثين، كما تراجع عن فرض رئيس من صفوفه، ثم قبل بتعديل الدستور ومن ثم عاد وقبل بأحد مرشحي المعارضة وهو العماد سليمان، كما قبل فريق الحكم بمشاركة كاملة في الحكومة المقبلة، وبإقرار قانون للانتخاب يحقق أهداف قوى بارزة في المعارضة ويعرّض قوى في 14 آذار لخطر خسارة ما يملكون من نفوذ انتخابي حالي، وأن هذه المكاسب تحققت من دون إهراق نقطة دم ومن دون أخذ البلاد الى المجهول، وأنه حان وقت التقاط الفرصة من خلال المعطيات الداخلية والاقليمية والمضي في التسوية.

الجلسة إلى الثلاثاء

وكان الرئيس بري قد أعلن امس تأجيل جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية الى الثلاثاء المقبل، ما أثار حفيظة بعض قوى المعارضة التي وجدت فيه ضغطاً عليها لا إفساحاً في المجال أمام المزيد من النقاش مع فريق الحكم. كما تحدث نواب في المجلس امس عن إبلاغ بري الحريري بأن تعديل الدستور لا يمكن أن يتم من خلال حكومة السنيورة إذا لم تقدم استقالتها قبل الشروع في إجراءات التعديل، وأن الحريري تلقى نصيحة من جنبلاط بالسير في هذا الأمر، وأن الأخير دعا فريق 14 آذار الى عدم الرهان على متغيّرات إضافية لن تأتي وأن من الحكمة الإسراع في إنجاز الاستحقاق.