زياد الرحباني
يجب ألاَّ يرتعب المواطن كلّما مرّت البلاد بأزمةٍ أو استحقاق. إن إكثار بعض السياسيين أو تركيزهم على استعمال بعض المفردات في أوقات كهذه، يبقى في إطار التحذير والإرشاد إلى مستوى الخطورة ليس إلاّ. إنَّ مفرداتٍ كـ: «الشرّ المستطير، المجهول، شفير الهاوية والفراغ»، لا يفترض، رغم وقعها، أن تثير الهلع بعد اليوم. بل إن بعضاً من الرويّة والتركيز يساعد في تجزئة هذه العبارات وإعادتها إلى حجمها الطبيعي. وهو ما سيدعنا نلاحظ أنّنا اجتزنا الكثير منها ولم يبقَ سوى القليل.
إنّ الشرَّ المستطير، على سبيل المثال، الذي هدّدنا لفترة خلت، تلاشى وحده واندثر. وهل يُرهِبُ شرٌّ مستطير قوماً بين الهاويةِ والشفير؟ إنّه شرٌّ حديث العهد، صيفيٌّ على العموم، وقد زال مع حلول التشارين ولم يعد يؤتى على ذكره. بقي أمامنا عملياً المجهول والفراغ. وقد استُنفرت جميع الطاقات الوطنية ومناراتِ الإدراكِ والحكمة، واتُخذت كامل الاستعدادات الأمنية والدستورية للدخول بسلاسةٍ من الهاوية إلى الفراغ بدل أن تُتْرَك البلاد للمجهول. ودخلنا فعلاً وبخطى ثابتةٍ في «الفراغ الهادئ». والحمد للّه أننا لم ندخل في الفراغ! لكن، ورغم المهارة في دخول الفراغ الهادئ بسلامة، لاحظت بعض الأصوات الواعية الرصينة أن الخوف الفعلي ليس من الفراغ الحالي، بل من الاستمرار في الفراغ. فالاستمرار في الفراغ هذا، هو الذي قد يدخلنا في الفراغ فعلاً! وقد أبدى بعض النواب المسيحيين تخوّفاً من «التعوّد على الفراغ» الذي هو أخطر من الفراغ الموعود. وقد شدّد البطريرك صفير قبل أيام ثلاثة على أن تعديل الدستور أفضل من الفراغ. وهو لا يقصد بالطبع الفراغ الذهبيّ الحالي، بل الفراغ الآتي: فراغ الراشدين، الفراغ المشترك.
لا شكَّ في أن الفراغ الحالي مميّزٌ وفعّال، لكن من المستحسن أن يتمَّ الاستسلام إليه مرّة في الأسبوع على الأكثر، أو كفراغٍ عند اللزوم خشية الوقوع في الفراغ السليم! وعليكم بـ«الفراغ الصيني» باقي أيام الأسبوع، فهو نوعٌ من «الفراغ بالأعشاب» الصحّي والمهدّئ الذي سيهيّؤكم لاستقبال «الفراغ السحري للأطفال» القادم مع عيدَي الأضحى والميلاد. ماذا؟ وهل تفضّلون الدخول في المجهول؟ دعوا المجهول للسنة الجديدة.