يتجه الاسرائيليون، وللأسف بعض فلسطينيي الـ48، اليوم الى صناديق الاقتراع لانتخاب ممثليهم. حالياً تتصدر قائمة الاتحاد الصهيوني المؤلفة من حزبي تسيبي ليفني وإسحاق هرتزوغ (يسار وسط) استطلاعات الرأي بتقدمها بـ4 مقاعد (25 مقعداً) عن حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو (23 مقعداً). وبحسب استطلاعات الرأي الاسرائيلية (التي لا يتجاوز خطأها مقعداً أو اثنين) تأتي القائمة الموحدة والمؤلفة من الأحزاب العربية في أراضي عام 1948 وحزب «هاداش» الاسرائيلي اليساري في المرتبة الثالثة ومن المتوقع فوزها بـ13 مقعداً.
في هذه اللحظات يظهر الوجه الفعلي لحكام إسرائيل، فهم يعكسون حقيقة ما يفكر فيه شارعهم وما يقوله. كذلك فإن القيادات الاسرائيلية تقول ما يريد الصهاينة سماعه. حالياً، يسعى نتنياهو الى اجتذاب جمهور اليمين المتطرف، لذلك أكد لهم أنه «لن يسمح بقيام الدولة الفلسطينية»، وأنه سيدعم عمليات الاستيطان في الضفة الغربية. وعلى خطى نتنياهو سار وزير الخارجية الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان؛ فبالعودة الى استطلاعات الرأي، تظهر الأرقام احتمال فوز حزب «إسرائيل بيتنا» برئاسة ليبرمان بـ6 مقاعد، والأخير معروف بتطرفه وهو يتصرف حالياً كأنه وزير الحرب المقبل في الحكومة الاسرائيلية الجديدة. في تصريحاته خلال زيارته أمس لإحدى مستوطنات غلاف غزة، قال ليبرمان إن الحرب على القطاع والقضاء على «حماس» سيكونان من أولوياته.
يعكس هذا المشهد الانتخابي الاسرائيلي والتصريحات العنصرية والحادة في حق أبناء فلسطين حقيقة الكيان العنصري الذي يحاول بعض العرب تجميله؛ ففي فلسطين وخارجها هناك حملة تدعو إلى مقاطعة الانتخابات الاسرائيلية، وعدم الانجرار الى الدعاية التي يطلقها بعض الصهاينة وأنصار عزمي بشارة وحنين الزعبي لتبرير المشاركة فيها بحجة أن «تعترض من داخل الكنيست الاسرائيلي أفضل من أن تعترض خارجه». كذلك لا يكتفي المطبّلون لـ«الديموقراطية» الاسرائيلية بهذا التبرير فقط، ويقولون إن فلسطينيي الـ48 مضطرون إلى المشاركة، لأن الانتخابات البلدية تلي الانتخابات العامة، ورؤساء البلديات (المحسوبون على الاحزاب الإسرائيلية) داخل الكيان، بحسب القانون، هم المسؤولون عن تعيين أساتذة المدارس وعمال وموظفي البلديات، لذلك فإن العرب مضطرون إلى المشاركة للمحافظة على حصتهم في السلطة.
هذه الحجة لا تفيد بشيء، وما هي الا ذرّ للرماد في العيون. فالصوت العربي غير مرجّح أبداً في الانتخابات العامة، ولم يشكل يوماً عامل ضغط على الحكومات الإسرائيلية (ما عدا حكومة إسحاق رابين التي كانت مهددة بالسقوط عام 1992 والتي ساهم الصوت العربي في الحفاظ عليها). في هذه الأثناء، ترتفع أصوات اللاجئين في الشتات (أطلق ناشطون من مخيم البداوي أغنية اسمها «قاطع») وفي الداخل الفلسطيني للمطالبة بمقاطعة الانتخابات أو تكرار سيناريو عام 1996 والتصويت بورقة بيضاء. لكن يبدو هذا السيناريو أمراً مستبعداً، إذ ذكرت بعض الصحف الاسرائيلية والعربية أن تشكيل القائمة الموحدة هو لإخراج نتنياهو من الحكم. لكن رغم كل التبريرات التي يحاول هؤلاء إيجادها للمشاركة في الانتخابات، منطقياً لا يمكن لعرب 1948 مشاركة كيان وضعهم تحت الاحتلال، وجعلهم مواطنين درجة ثانية وثالثة، مسرحيته. الأمر أشبه بتقبيل الضحية ليد ذبّاحها.
هكذا، وبينما يدور هذا النقاش في الساحة الفلسطينية، خرج رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط طالباً من العرب الموحدين الدروز «تثبيت هويتهم العربية وانتماءهم الوطني والقومي الفلسطيني»، من خلال انتخاب «اللائحة الموحدة» التي ستكون، بحسب جنبلاط، «مدخل هام لانتزاع حقوقهم المهدورة بالمساواة في المواطنة (مع المحتلين وفي كيان غاصب!)». لذلك، دعا جنبلاط الى الاستفادة «من هذا الظرف، علّ مشاركتكم الكثيفة والموحدة في هذا الاستحقاق تشكل مدخلاً لإحداث تغيير جذري في واقعكم ومستقبلكم».
لم يلتزم جنبلاط بسياسة «النأي بالنفس» التي طالما طالب غيره بالالتزام بها. فهو تدخل في شأن داخلي فلسطيني، كما أنه توجه مباشرة الى الموحدين الدروز نازعاً عنهم هويتهم الفلسطينية ومُلبسهم لبوساً طائفياً مذهبياً ضيقاً. يعرف جنبلاط جيداً أن دعوته وفوز القائمة الموحدة التي يدعمها لن يغيّرا في السياسة العنصرية للكيان تجاه العرب؛ فالصهاينة يحتقرون الناطقين بلغة الضاد، وما على جنبلاط فعله للتأكد سوى سؤال المجند الدرزي في جيش الاحتلال رازي حسيسي لماذا تعرض للضرب المبرح من قبل الصهاينة. سيقول له لأنهم سمعوه ينطق بالعربية.
كان الأجدر بوليد بيك عدم التماهي مع موقف دول الاعتدال العربي وموقف السلطة الفلسطينية التي دعمت القائمة الموحدة، ودعوة الفلسطينيين الى مقاطعة الانتخابات. السبب ببساطة أن المشاركة في الانتخابات الاسرائيلية تطبيع وتجميل للكيان المحتل وتظهره أنه ديموقراطي.
يا أيها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة، قاطعوا ولا تقبّلوا أيدي جلّاديكم.