strong>غسان سعود
■ تنديد واسع بالجريمة ودعوات للالتفاف حول المؤسّسة العسكريّة
■ سليمان تفقّد مكان الانفجار وشدّد على عدم توظيف دماء الشهيد في السياسة

«فجأة، انقطع صوت جبران تويني، وترك الأثير فارغاً ثواني قليلة ليعود بعدها المذيع ويعلن أن انفجاراً قد وقع! حاولت مثل معظم اللبنانيين وضع لائحة بالشخصيات المحتملة لهذا الاستهداف الجديد». ويتابع العميد الكلام، بعد أخذ نفس طويل، مؤكداً شعوره لحظة كشف المذيع عن مكان الانفجار (بين بلدية بعبدا ومفرق اليرزة) بأنّ صديقه العميد فرنسوا الحاج هو المستهدف. وبعد مضي بضع دقائق تبين أن العبوة استهدفت سيارة من نوع «جي. إم. سي» تحمل لوحة خاصة عادية، وأعلن نبأ
استشهاد مدير العمليات في الجيش اللبناني وسائقه خير الله هدوان.
فبينما كان الحاج متوجهاً بسيارته من منزله في بعبدا ـــــ مفرق بطشاي إلى وزارة الدفاع في اليرزة، انفجرت سيارة مفخخة من نوع «بي. إم. دبليو» موديل 1978 زيتية اللون كانت متوقفة إلى جانب الطريق عند مفرق اليرزة. وأفادت مراجع أمنية بأن وضع العبوة التي تجاوز وزنها الثلاثين كلغ من مادة الـ«تي. أن. تي»، وتوجيهها المباشر ومكان تمركز السيارة المفخخة التي فُجِّرَت عن بعد، كل ذلك يشير إلى تشابه كبير بين عملية الأمس وجريمة اغتيال النائب جبران تويني في 12/12/ 2005.
وللمرة الأولى، سبقت القوى الأمنية الصحافيين والمدنيين في الوصول إلى مكان الانفجار، وضربت حوله طوقاً، علماً بأن المنطقة هي من أهم المربعات الأمنية بالنسبة إلى الجيش اللبناني، حيث توجد وزارة الدفاع وقيادة الجيش والثكن الأكثر أهمية، وقد اعتاد الحاج سلوك هذه الطريق يومياً. وأُفيد بأنه أُلقي القبض على شابين رجحت علاقتهما بالعملية، أحدهما ملتح وضخم البنية.
وقد أدى الانفجار إلى تطاير أجزاء سيارة الحاج إلى حوالى مئة متر عن مكان توقف السيارة المفخخة، ووجدت جثته بعد قرابة عشرين دقيقة من التفجير في حفرة خلفها القصف الإسرائيلي في حرب تموز 2006 مقابل بلدية بعبدا. كما أُصيب خمسة أشخاص بجروح عرف منهم رينيه نعمة، سامي فغالي، وسام سويدان، وسعاد الصيفي. كما ألحق الانفجار أضراراً بالغة في مبنى البلدية والمباني المجاورة على بعد حوالى 150 متراً وبعشرات السيارات.
وتفقد المكان مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد وباشر برفقة الضباط المتخصصين رفع الأدلة والكشف على ما بقي من السيارة المفخخة، فيما نفذت قوة من الجيش عملية انتشار واسعة في محيط مسرح الجريمة امتدت على نحو ألف متر تقريباً حتى أحراج اليرزة وبعبدا للبحث عن الأشلاء وعن الأدلة الجنائية، وقطع السيارة التي كان يستقلها العميد الشهيد.
ونعت قيادة الجيش العميد الحاج، فيما تفقد قائده العماد ميشال سليمان مكان الانفجار، ثم قدم التعازي لعائلة الشهيد، وأكد في كلمة له أن «الجيش اليوم هو أقوى من أي وقت مضى، لأن دماء الشهيد العميد الركن فرنسوا الحاج هي أمانة في عنق كل ضابط وعسكري، فالشهيد الذي انضم إلى قافلة شهداء الجيش منذ تأسيسه، وتحديداً الذين سقطوا خلال التصدي للعدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006، وفي مواجهة الإرهاب بالأمس القريب، كان بطلاً على امتداد مسيرته العسكرية».
ودعا «إلى عدم توظيف دماء الشهيد في السياسة أو في محاولة التشكيك بقدرة المؤسسة العسكرية»، مؤكداً أنه «مهما تمادى الإرهاب لن يستطيع إخضاع الجيش ولا الشعب اللبناني».

ردود فعل ودعوات إلى نبذ الخلافات
وقد أثارت الجريمة موجة استنكار عارمة أكدت الالتفاف حول الجيش ودعت إلى نبذ الخلافات وإنجاز الاستحقاق الرئاسي في أسرع وقت.
ورأى الرئيس نجيب ميقاتي أن استشهاد العميد الحاج «يجب أن يشكل في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ لبنان حافزاً لجميع القيادات والمسؤولين للوقوف وقفة ضمير تنقذ الوطن، فلا يجوز في كل مرة يسقط فيها شهيد أن تتكرر اللازمة ذاتها ويحاول كل فريق توظيف ما يحصل في خانة حساباته السياسية». ودعا القيادات السياسية «ولو لمرة واحدة» إلى وقفة على مستوى هذه الشهادة، والعمل «على لملمة تداعيات التباعد السياسي الخطير، من خلال إيجاد حل للأزمة الراهنة لإنهاض لبنان وتوحيد مؤسساته ولملمة جراحه».
وندد الرئيسان رشيد الصلح وسليم الحص بالجريمة، ورأى الأخير أنه «آن الأوان لأن يعي نجوم المسرح السياسي عندنا أنه لا طائل من ترفهم السياسي، والسجال الدائر على جنس الملائكة لا يبرر الانجراف إلى الهاوية»، محذراً من «أن مصير الوطن بات على المحك، ولا عذر لأحد في أن يقف حجر عثرة أمام أي تسوية مطروحة، لأن الثمن هو أرواح الناس ومستقبل أبنائهم ومعيشتهم».
ولفت الرئيس عمر كرامي إلى أن «تاريخ العميد الحاج وطني، وهو من بلدة رميش في الجنوب، ومعروف أن «الموساد» الإسرائيلي نسف سيارته، وهو ضابط أساسي ويقوم بمهمات أساسية ورئيسية في الجيش اللبناني الذي يرى في عقيدته الوطنية أن إسرائيل هي العدو، لذلك الظنون تتجه نحو الموساد الإسرائيلي» في الاغتيال «لأنه ليس هناك أي سبب ثان لهذا الاغتيال إلا إذا كان المقصود التشويش على الاستحقاق الرئاسي وزيادة البلبلة. وهذا الموضوع يدفعنا جميعاً إلى أن نتحمل مسؤولياتنا ونندفع نحو الحلول السريعة لهذه الأزمة».
وزار كرامي السفير السعودي عبد العزيز خوجه الذي دان بدوره الجريمة، وذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» أن الجانبين ركزا على «ضرورة ملء الفراغ الرئاسي والإسراع في انتخاب رئيس للبلد»، مؤكدين «أهمية التوافق على آلية التعديل الدستوري بالشكل القانوني وكما نص عليه الدستور اللبناني بعدما تم التوافق على العماد ميشال سليمان».
وشجب البطريرك الماروني نصر الله صفير الجريمة وتساءل: «هل الإنجازات التي حققها (الحاج) في معركة نهر البارد هي وراء هذا الاغتيال؟»، آملاً «ألّا تتأخر الانتخابات الرئاسية، لأن البلد لم يعد يحتمل المزيد من الخضات».
ورأى مجلس أساقفة الروم الكاثوليك أن «هذه الحادثة هي مساس بمؤسسة الجيش التي يراها اللبنانيون كافة الملاذ الآمين والضمانة بين مؤسسات الدولة».
وأشاد نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان «بالمناقبية التي تحلى بها العميد الحاج في مقاومته للاحتلال ولمحاولات التقسيم وتفتيت الوطن ومحاربته للإرهاب». ورأى مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني أن الجريمة «ليست موجهة إلى الجيش الوطني وقيادته الشجاعة وحسب، بل هي تطال كل لبناني يؤمن بإنقاذ لبنان». كما شجب شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ نصر الدين الغريب الجريمة.
وفيما رأى وزير الإعلام غازي العريضي أن اغتيال الحاج «محاولة لتعطيل الانتخابات وضرب التوافق والاستقرار في لبنان»، وضع وزير السياحة جو سركيس الجريمة «في سياق الجرائم التي ارتكبت في لبنان منذ ثلاث سنوات»، بينما لاحظ وزير الخارجية والمغتربين المستقيل فوزي صلوخ «أن استهداف الجيش في هذه اللحظة الحاسمة التي تتبلور فيها الإرادات لمشروع حل يكون قائد الجيش مدخلاً له، هو دليل على أن يد الإرهاب تأبى اتفاق اللبنانيين».
وندد التكتل الطرابلسي بالجريمة، ودعا القوى السياسية إلى تغليب المصلحة الوطنية فوراً واستئناف الاتصالات في ما بينها لتأمين انتخاب رئيس للجمهورية».
ورأى رئيس الكتلة الشعبية النائب إلياس سكاف أنه باستشهاد الحاج «خسرنا شعباً وجيشاً ومؤسسات بطلاً علّمنا خلال حرب تموز وفي معارك نهر البارد أمثولات في التضحية والشرف والوفاء والكرامة».
أما النائب جمال الجراح فقد رأى أن الجريمة جاءت «ترجمة فورية بالدم لتصريح فاروق الشرع»، فيما التقى النائبان أسامة سعد وقاسم هاشم على أن الجريمة تستهدف عقيدة الجيش الوطنية والدفع باتجاه تغييرها».
وأكد النائب آغوب بقرادونيان أن اغتيال الحاج يأتي «في مرحلة صعبة يمر فيها لبنان، الهدف من ورائها إضعاف الجيش اللبناني وزرع الشكوك حوله، ولا سيما في وقت تصب كل الجهود لإيجاد مخارج وحلول للأزمة اللبنانية». وأكد النائب أسعد حردان «أن هذه الجريمة الغادرة لن تحقق أهدافها مهما كانت الظروف والتضحيات».
ورأى رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال أرسلان «أن الجريمة الرهيبة تستدعي وضع حدّ لنهج التسويف والتخاذل والتواطؤ المتعمد من المولجين بمتابعة الملف الأمني الكامل، المتابعة القضائية كما المتابعة السياسية».
ورأى «حزب الله في الاغتيال استهدافاً واضحاً ومكشوفاً للجيش، قيادةً ومؤسسةً، واستهدافاً لدوره الوطني الكبير وحمايته للسلم الأهلي وعقيدته القتالية المقاومة للاحتلال والحريصة على الاستقلال»، ودعا «اللبنانيين إلى التضامن والالتفاف حول الجيش والإسراع في إنقاذ البلد من الحسابات الضيقة التي تفسح في المجال أمام العابثين والمجرمين ليزيدوا من أزمته».
من جهتها قالت رئاسة حركة «أمل» «إن استهداف العميد الحاج هو استهداف لكل لبنان، وخصوصاً جيشه الباسل». وأعلن «التيار الوطني الحر» في بيان أنه «صعق بالانفجار الجبان» الذي استهدف العميد الحاج، مشيراً إلى أن استشهاده «خسارة وطنية كبيرة ومؤلمة لجميع اللبنانيين، لا يعوض عنها ولا تقدر».
وإذ رأى «تيار المردة» في استهداف الحاج استهدافاً للمؤسسة العسكرية «لكونها الضامن الوحيد للسلم الأهلي»، تساءل عن توقيت اغتياله «وهو المرشح الأبرز لتولي قيادة الجيش». واستنكرت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان الجريمة.
وأشار الأمين العام للحزب الشيوعي الدكتور خالد حدادة إلى «أن استهداف العميد الحاج يختصر المستوى المتفاقم للأزمة الوطنية التي أشار حزبنا مراراً إلى تخطيها مستوى أزمة استحقاق رئاسي ووصولها إلى أزمة كيان وطني ووحدة وطنية».
ورأت الرابطة المارونية «أن الوضع السياسي المرتبك والملتبس يفسح في المجال أمام عودة مسلسل الإخلال بالأمن الذي يترعرع في ظل الانقسام ليضرب ضربته، مستهدفاً المؤسسة الوطنية».

لحود: لعلّهم يدركون كم أخطأوا
المأساة تُطلِق تقارباً بين برّي وجنبلاطوفوراً، تلقّف بري هذه الدعوة، مشيداً بموقف جنبلاط، «ولو في هذه المناسبة المأساوية لنا جميعاً»، وتمنى «لو أن بعض قيادات الرابع عشر من آذار الأخرى تعمل باطناً وعلناً بوحي هذا الكلام المسؤول». وقال: «إن موقفي هذا ليس تأكيداً على حوار معي لم أجن منه سوى التجنّي عليّ تقريباً من كل الأطراف، بل لأنه فعلاً طريق الخلاص الوحيد أو الجلجلة، وفقاً للتعبير المسيحي، حوار حقيقي بين 14 آذار و8 آذار على سلة المرحلة التي نحن لسنا على أبوابها، بل في عمقها، رئاسة وحكومة».
وأضاف: «كفى التسلل والتهرب بعضنا من بعض. وإنني باسم المعارضة أقول إنها على أتمّ الاستعداد لتلقّف أصوات عالية المسؤولية كصوت الأستاذ وليد جنبلاط وبمتحاورين جدد أيضاً».

السنيورة: الردّ على الجريمة مزيد من الصلابة كلام السنيورة جاء خلال ترؤسه، أمس، في السرايا الكبيرة، اجتماعاً أمنياً حضره وزير الدفاع إلياس المر، وزير الداخلية والبلديات حسن السبع، وأعضاء مجلس الأمن المركزي، باستثناء قائد الجيش العماد ميشال سليمان.
وبعد الوقوف دقيقة صمت حداداً على روح الحاج، ألقى السنيورة كلمة رأى فيها أن «هذه الجريمة واحدة من سلسلة جرائم استهدفت المؤسسات والقيادات اللبنانية»، وأن هدفها «إرهاب وزعزعة معنويات المؤسسة التي نجحت في القيام بمهمات وطنية كبرى»، مؤكداً أن «الرسالة واضحة والرد عليها هو المزيد من التماسك والصلابة».
وقال: «إن الأصوات التي بدأت ترتفع من هنا وهناك لتلقي الاتهامات جزافاً، دورها التعمية الفعلية على أهداف الجريمة، وهي بذلك تؤدي دوراً مكملاً للمجرمين».
وبعد الاجتماع، أكد المر أنه «إذا كان الهدف من هذه الجريمة الحد من عزيمة الجيش في ضبط الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب والأيادي المجرمة، فالعكس هو ما سيحصل، والجيش سيكون أكثر صلابة، ويقوم بمهماته لحماية السلم الأهلي»، مشيراً إلى «أن الوقت لا يزال مبكراً لإطلاق الاتهامات أو تبرئة الفاعلين».

عون: نشكّ في أنّ من يحمينا هو المعتديبهذه الجملة بدأ النائب ميشال عون مؤتمراً صحافياً رثى فيه العميد الحاج، وكشف أن اغتياله جاء في وقت «كنا على وشك الوصول إلى تفاهم لتنجح جلسة الاثنين وانتخاب رئيس جديد». واستغرب كيف أن مجلس الأمن «بشّرنا بالأمس بأن هناك مشكلات ستقع، واليوم (أمس) وقعت الجريمة. يعني صار التبصير على مستوى دولي». ورأى أن «التوظيف الدائم للجريمة وتهريب المسؤوليات يدلان على التآمر بين المستفيد والفاعل». وقال: «كانوا في السابق يتهمون سوريا دائماً، ولكن سوريا اليوم أصبحت على صداقة تامة مع العهد المقبل والحالي ومع الأكثرية التي كانت تتهمها، جميعهم صاروا بالأحضان، نريد أن نعرف هذا السر، ومن يعرقل المسيرة السلمية في لبنان؟».
ورأى أن مكان استهداف الحاج «يدل على أنها جريمة محمية»، مضيفاً: «نحن أمام كارثة أمنية، ونشك في أن من يحمينا هو من يعتدي علينا». وختم: «بعد التصريحات الأخيرة، ووقوع هذه الجريمة، أقول وللمرة الأولى في حياتي، إني متشائم».

الحريري: ضريبة الدفاع عن السيادة والاستقلال