strong>ساركوزي يبحث مع رايس الملفّ اللبناني ومطالبة دولية بانتخاب رئيس «دون مزيد من التأخير»
لم يُخفِ تأجيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية إلى السبت المقبل، تعقّد الأمور بفعل التراجع العلني من جانب النائب سعد الحريري عن توافق مسبق على طريقة تأليف الحكومة العتيدة. وهو ما ترك الباب مفتوحاً أمام احتمالات متنوّعة، بينها احتمال تمدّد الفراغ إلى ما بعد رأس السنة، علماً بأنّ الرئيس نبيه برّي أبدى تفاؤلاً بإمكان التوافق خلال الأيّام القليلة المقبلة. ونقل عنه بعض زوّاره في عين التينة قوله: «خيراً إن شاء الله، من الآن وحتى السبت نحلّها».
لكن قطباً سياسياً مشاركاً في الاتّصالات السياسية أوضح لـ«الأخبار» أن معالجة الأزمة تتعثّر بسبب الخلاف على حصص فريقَي الموالاة والمعارضة في الحكومة الجديدة، وأن تعديل الدستور الذي يتيح انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان لم يعد عقبة، لأن الفريقين اتفقا على السير في أي آلية تعديل يقترحها رئيس مجلس النواب. وأضاف هذا القطب إن «اتّفاق كوشنير»، الذي كان برّي والحريري قد توصّلا إليه في حضور وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، يقضي بتأليف حكومة وحدة وطنية ثلاثينية على أساس إعطاء 17 وزيراً للموالاة مقابل 13 وزيراً للمعارضة، ولكن اتُّفق خلال المفاوضات على أن تكون لرئيس الجمهورية الجديد حصة تُقتطَع على أساس ثلاثة وزراء من حصة الموالاة لتصبح 14 وزيراً ووزيرين من حصة المعارضة لتصبح 11 وزيراً، فتصبح الحصص كالآتي: 14 وزيراً للموالاة و11 وزيراً للمعارضة وخمسة وزراء لرئيس الجمهورية. وفي هذه الحال، تحتفظ المعارضة بالثلث الضامن أو المعطّل. ولكن الحريري رفض أن يكون الثلث المعطّل من نصيب المعارضة، واقترح التوزيع الآتي: عشرة وزراء للمعارضة و14 وزيراً للموالاة وستّة وزراء لرئيس الجمهورية الذي يكون في يده، وفقاً لهذه الحصص، سلاح التعطيل أو عدمه.

برّي ونوّاب «التغيير»

وكان برّي قد عقد لقاءات عدّة في المجلس النيابي، وعندما وصل وفد نوّاب تكتّل «التغيير والإصلاح»، إبراهيم كنعان، شامل موزايا ونعمة الله أبي نصر، إلى مجلس النوّاب، كان برّي مجتمعاً بنحو ثلاثين نائباً من الموالاة والمعارضة. وإذ أبلغه الأمين العام للمجلس عدنان ضاهر بوصولهم، انتقل بري إلى غرفة مجاورة لمكتبه والتقاهم لمدة نصف ساعة، وشرح لهم آلية تفسير الدستور التي اقترحها ليجري في ضوئها انتخاب رئيس الجمهورية، فأبدوا تحفّظهم الشخصي على الاقتراح لأنه، في رأيهم، يُمثّل سابقةً في تخطّي الدستور عبر انتظار الفراغ في كلّ مرّة من أجل إيصال موظفٍ من الفئة الأولى إلى رئاسة الجمهورية. وأشاروا إلى أنه لا يُعقل أن يكون المشترع قد وضع مادةً يُمكن تجاوزها عبر الفراغ الدستوري. ووضع برّي الوفد في جو التفاهمات التي كان قد توصّل إليها مع الحريري خلال زيارات وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، وهي تأليف حكومة وحدة وطنيّة تتمثّل فيها الموالاة والمعارضة كل حسب حجمه النيابي، وإقرار قانون انتخاب على أساس اعتماد القضاء دائرة انتخابية.
لكن الوفد ذكَّر برّي ببنود مبادرة النائب ميشال عون وهي: حكومة الوحدة الوطنيّة، قانون انتخابات على أساس القضاء، انتخاب أعضاء المجلس الدستوري، رئيس حكومة توافقي، إنهاء ملف المهجّرين، وقيادة الجيش، فأكد برّي «التزامه التام» بمرجعيّة عون في التفاوض مع فريق الموالاة، وأنه سيبلغ الحريري هذا الأمر، إضافة إلى ضرورة أن يتطوّر الاتفاق الذي رعاه كوشنير ليضمّ مبادرة عون. وأكّد أنه لا يُمكن أن يوافق على أي طرح من دون الحصول على موافقة عون عليه.
وفي هذه الأثناء، دخل الحريري إلى الغرفة، وتبادل السلام مع نوّاب التكتل الذين استأذنوا على الفور بالخروج من دون أن يتحدّثوا معه. وعندما أنهى بري لقاءه مع الحريري بدا منزعجاً بشدة، فاجتمع بكنعان مجدداً في حضور النائب علي حسن خليل، وأبلغه أن الحريري تراجع عن الاتفاق الذي كانا قد توصلا إليه في حضور كوشنير، أي موضوعَي حكومة الوحدة الوطنيّة وقانون الانتخاب. وأضاف أنّه أبلغ الحريري أن التفاوض يجب أن يكون مع عون على المبادرة التي طرحها، ويجب أن يحصل اللقاء بينهما قبل يوم السبت في أي مكان، مؤكداً أنه جاهز لحضور هذا الاجتماع إذا رغب عون والحريري في ذلك.
وفي هذا السياق، قال مصدر مطّلع على موقف بري لـ«الأخبار» إن من العقَد التي تؤخر الحلول هي عدم تواصل فريق الموالاة مع العماد عون، إضافة إلى أنّ الضمانات المطلوبة لنجاح الحل لا تزال شفهية، وعلى الجانب الفرنسي أن يقدم هذه الضمانات ويثبتها. ولهذه الغاية، يُتوقع أن يزور الأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيّان بيروت خلال أيام.

اقتراح طبّارة

وأشار المصدر نفسه إلى أن صيغة التعديل الدستوري التي أعدّها النائب بهيج طبارة جرى الاتفاق عليها، وسُلّمت نسخة منها إلى بري والحريري. وأعلن طبارة لـ«الاخبار» أن اقتراحه ليس تعديلاً للدستور ولا تفسيراً له ولا تعليقاً لأحد مواده، بل هو تطبيق للمادة 74 منه التي تتيح انتخاب رئيس حتى من فئة موظفي الفئة الأولى من دون تعديل دستوري، لأن هذا التعديل يرتبط بالمادتين 49 و73، أي مع انتهاء طبيعي لولاية الرئيس وضمن المهلة الدستورية وليس في إطار ما نصّت عليه المادة 74، حيث يكون الانتخاب تحت تأثير أحداث غير متوقعة، كالوفاة أو الاستقالة أو سبب آخر الذي منه شغور سدة الرئاسة خارج المهلة الدستورية. واستند طبارة إلى رأي للدكتور إدمون رباط في كتابه عن الدستور اللبناني، عندما شرح المادة 74 في هذا الإطار، وكذلك إلى قرار لمجلس شورى الدولة عام 2002 عندما رأى أن القيود المتصلة باستحقاقات طبيعية تفسّر تفسيراً ضيّقاً ولا تنطبق على الحالات الاستثنائية. وقال طبارة إن اقتراحه الذي حظي بتأييد بري والحريري يمثّل المخرج الدستوري الطبيعي من خلال تطبيق المادة 74 من الدستور.
وذكرت معلومات أن جنبلاط انضمّ إلى موافقة بري والحريري، بمعزل عن التشنج الذي أبداه رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع والوزيرة نايلة معوض.

على هامش مؤتمر المانحين

ومن باريس، أفاد الزميل بسّام الطيارة عن مناخ «من الإحباط جرّاء ما يسمّيه البعض فشل الدبلوماسية الفرنسية في لبنان». ونقل عن مصادر فرنسية قولها إن الأمور تبدو أعقد من توزيع حقائب وزارية، فالخلاف يطال أموراً أكبر، بعضها يتجاوز القوى اللبنانية. وإذ ترفض المصادر تحديد مكان وجود سكرتير عام الإليزيه كلود غيان، فهي لا تؤكد توجهه إلى دمشق كما لا تؤكد أيضاً وجوده في المملكة العربية السعودية، حسب ما تسرّب من مصادر عدة في العاصمة باريس.
ولا يتردد مصدر دبلوماسي فرنسي في القول إن الأمور تسير على خط صعب، ولكن يمكن أن «نصل إلى هدفنا، وهو تحييد لبنان عن الفوضى التي قد تتحول إلى عنف».
وينفي المصدر الدبلوماسي كل ما كتب عن «إمكان أن تسعى باريس إلى ضغوط على دمشق»، ويؤكد أن «التواصل موجود» ويأخذ عدة مسالك، ولكنها بعيدة جداً عن الأبعاد التي تتحدث عنها بعض الصحف.
وكان بارزاً لقاء الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس على هامش «المؤتمر الدولي للأطراف المانحين لمساعدة الفلسطينيّين في باريس». وذكرت بعض المصادر أن اللقاء كان مناسبة لرفع كمٍّ من سوء التفاهم والتباين بين العاصمتين. فحسب هذه المصادر، «أدرك الفرنسيّون هشاشة التفويض الذي أُعطي لهم، وخصوصاً استعمال هذا الدور في إيصال رسائل إلى سوريا» كانت نتيجتها بدء حوار سوري أميركي من وراء ظهر باريس ودبلوماسيّتها، مما انعكس تراجعاً في «التقدم البسيط الإيجابي الذي توصل إليه كوشنير في زيارته الأخيرة بعد لقاءاته مع بري والحريري».
وقد علمت «الأخبار» أن ساركوزي استدعى عدداً من الصحافيين في اجتماع خاص تكلم فيه عن «الملف اللبناني وخطوات فرنسا المقبلة»، طالباً منهم «التكتم على مضمون حديثه حتى يوم الأربعاء». وهو ما حدا ببعض المراقبين إلى القول إن ساركوزي قد اتخذ ربما قرارات مهمة نتيجة مشاوراته مع رايس، وإنه بصدد القيام بخطوة تحرك الأمور خلال الأيام القليلة المقبلة قبل أن يذهب ليقضي عطلته على ضفاف النيل.
وعلى هامش مؤتمر المانحين، عُقد أيضاً اجتماع للدول المهتمّة بالشأن اللبناني، صدر عنه بيان يدعو مجلس النواب اللبناني إلى وضع حد للأزمة السياسية عبر انتخاب رئيس جديد «بدون مزيد من التأخير». وطلب البيان من «القوى الخارجية»، من دون أن يسميها مباشرة، «الاحترام الكامل لدستور لبنان ومؤسساته الديموقراطية». ودان البيان «بشدة الاغتيالات السياسية ومحاولات الاغتيال» في لبنان، متوقفاً عند اغتيال مدير العمليات في الجيش اللبناني اللواء الركن فرنسوا الحاج. وأبدت الدول دعمها «للحكومة الشرعية والمنتخبة ديموقراطياً» في لبنان، وللجيش اللبناني «في جهوده للحفاظ على سيادة لبنان واستقراره». ووقّع البيان ممثّلو مصر وفرنسا وإيطاليا والأردن والسعودية وإسبانيا والإمارات العربية المتحدة وبريطانيا والولايات المتحدة ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، التي اجتمعت في باريس برعاية الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.