سقطت بنازير بوتو أمس صريعة انتحاري استهدف طموحها السياسي. طموح عنوانه «إعادة الديموقراطية» إلى باكستان. أدواته: «محاربة الإسلاميّين» ومواجهة العسكر. غايته: العودة إلى سدّة الحكم عبر صناديق الاقتراع خلال الانتخابات المقرّرة في الثامن من الشهر المقبل. حاضنته: تأييد غربي، أميركي خاصة.عملية اغتيال نالت منها خلال مهرجان انتخابي في روالبيندي، أعادت إلى الأذهان «لعنة الموت» التي تلاحق عائلتها، منذ إعدام والدها، ذو الفقار، عام 1979، ووفاة شقيقها شهنواز في ظروف غامضة في فرنسا عام 1980، ومقتل شقيقها الثاني مرتضى في اشتباك مع الشرطة في كراتشي عام 1996.
أمّا هي، فقد تلقّت رصاصتين من انتحاري قبل أن يفجّر نفسه بها. تفجير أدّى إلى مقتل 20 آخرين وجرح العشرات، نُقلت بوتو على أثره إلى المستشفى حيث فارقت الحياة.
بوتو، كانت قد أنهت للتوّ خطاباً حدّدت في خلاله معالم مشروعها السياسي الذي تزمع تطبيقه إذا انتُخبت بعد 12 يوماً، موعد الانتخابات التي ستُعيد تكوين الغالبيّة النيابيّة التي يملكها حاليّاً حزب الرابطة الإسلامية ــ جناح قائد أعظم الذي يدعم الرئيس برويز مشرّف.
وقال مستشارها الأمني رحمان مالك، إنّ «المهاجم أطلق عليها النار في عنقها وصدرها قبل أن يفجّر نفسه»، موضحاً «لقد طلبنا من الحكومة مراراً أن توفّر لها الحماية والأجهزة الأمنيّة اللازمة بما فيها أجهزة التشويش، لكنها لم تُصغِ».
وتوافد مناصرو بوتو إلى المستشفى بالمئات وهتف البعض «القاتل، مشرّف»، أمّا البعض الآخر، فعبّر عن غضبه من خلال أعمال الشغب وتكسير السيّارات المركونة على جانبي الطريق. وقد أثارت عملية الاغتيال أعمال شغب في مسقط رأسها يعقوب آباد حيث أُحرقت مباني المحكمة، وانطلقت التظاهرات الغاضبة في بقيّة شوارع روالبندي وبيشاور وأماكن متفرّقة ما لبثت أن فرّقتها الشرطة، بعدما أوقعت عشرة قتلى على الأقلّ، فيما رُفعت حالة التأهّب إلى مستوى «أحمر» في البلاد المضطربة.
وأعلن مصطفى أبو اليزيد الذي قال إنّه يتحدّث باسم تنظيم «القاعدة»، عن مسؤوليّة تنظيمه عن عمليّة الاغتيال. وقال أبو اليزيد «قتلنا الاحتياطي الأميركي الأغلى التي كانت قد تعهّدت بهزيمة المجاهدين».
وخاطب مشرّف الشعب الباكستاني، عقب اجتماع أمني عقده بشكل عاجل، معلناً الحداد الرسمي لثلاثة أيام، ومتّهماً «الإرهابيّين الذين يخوض ضدّهم الحرب بتنفيذ هذا الاعتداء»، ومتوعّداً بمضاعفة الجهود للقضاء عليهم.
وطلب مشرّف من الشعب أن «يقف صفّاً واحداً عقب هذا الحادث المأساوي، من أجل محاربة الإرهاب واستئصاله من الجذور»، فيما وعد رئيس وزرائه محمد سيان سومرو بـ «كشف المؤامرة ضدّ بلاده».
وسارعت عواصم العالم إلى إدانة الاعتداء، ولا سيّما أنّ بوتو كانت تمثّل مشروعاً للديموقراطيّة المعتدلة المتحالفة مع الغرب. وحضّ الرئيس الأميركي جورج بوش من مزرعته في تكساس، بعد اتصال هاتفي «مقتضَب» أجراه بمشرّف، الباكستانيّين على مواصلة العمليّة الديموقراطيّة، مُديناً العمل «الجبان» الذي قام به «متطرّفون قتلة يحاولون نسف الديموقراطية»، وهي العبارات نفسها التي وصف فيها رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون ومعظم قيادات دول العالم ومجلس الأمن الدولي، الاغتيال. أمّا وزيرة الخارجية الأميركيّة، كوندوليزا رايس، فاتّصلت بخليفة بوتو على رأس حزب الشعب، أمين فهيم، لدعوته إلى المشاركة في الانتخابات في موعدها المقرَّر في الثامن من الشهر المقبل، «لحفظ ذكرى السيدة بوتو في مواصلة العملية الديموقراطية في هذه البلاد»، على ما أعلن المتحدّث باسم الوزارة توم كايسي.
اغتيال أوّل امرأة تصل إلى مركز قيادي في دولة إسلامية، ستكون له بلا شكّ تداعيات على المشهد السياسي الباكستاني، الذي كانت بوتو قد بدأت بتكوين ملامحه منذ عودتها إلى بلادها في 18 تشرين الأوّل الماضي بعد 8 سنوات قضتها في المنفى. لعلّ أوّل هذه التداعيات ستطال حزبها، حزب الشعب الباكستاني. كما أنه يُرجّح أن يُثير اضطرابات في الشارع، الذي تمتلك بوتو حصّة كبيرة، تضع مشرّف أمام اختبار جدّي في قدرته على ضبطه، ولا سيما بعد عام شهد تراجعاً كبيراً في شعبيّته.
ومعروف أنّ بوتو (54 عاماً) ترأّست الحكومة الباكستانية مرّتين ما بين 1988 و1996، ورحلت عن البلاد بعدما لاحقتها قضايا فساد، لكنّها عادت في أعقاب مفاوضات سرّية مع مشرّف باشرتها في بداية العام الجاري وأدّت إلى اتفاق تقاسم سلطة، سرعان ما سقط مع إعلان «الجنرال» حالة الطوارئ في البلاد.
وكانت بوتو قد استُقبلت لدى عودتها إلى بلادها بتفجير انتحاري في كراتشي ذهب ضحيّته أكثر من 139 قتيلاً وصفتهم بـ«شهداء الديموقراطية». ووجّهت أصابع الاتهام حينها إلى أجهزة الاستخبارات الباكستانية وبعض أركان النظام الحالي الذي يوالي الجنرال السابق ضياء الدين الحق الذي أعدم والدها.
وما فتئت بوتو تذكّر بدور هذا «الجهاز التخريبي الذي يدعم الأصوليّة ويعمل من داخل أجهزة الدولة»، و«سمح بتوسيع نفوذ المتمرّدين» في كل أرجاء البلاد وصولاً إلى العاصمة إسلام آباد، في كلّ مهرجان انتخابي تُقيمه لمناسبة الانتخابات البرلمانية.
وكانت بوتو قد عزمت على خوض المعركة الانتخابيّة، طمعاً بولاية ثالثة في رئاسة الحكومة، رغم قرار تجمّع أحزاب المعارضة بمقاطعتها، ورغم محاولة رئيس الوزراء السابق نواز شريف، الذي نفى أن يكون الرابح الأكبر من رحيلها، إقناعها بالانسحاب من أجل التشكيك في شرعية الاقتراع.
وخوفاً من تعاظم نفوذ بوتو وكي لا تستفرد بحصّة الأسد ضمن كتلة المعارضة في البرلمان المقبل، قرّر شريف المشاركة، بحزبه، حزب الرابطة الإسلامية، رغم منعه وشقيقه شهباز من تقديم أوراق ترشّحهما. لكن بعد رحيلها، أعلن شريف قراره بمقاطعة الانتخابات.
وهكذا، تبدو الطريق نحو البرلمان معبّدة أمام أنصار مشرف: حزب الشعب فقد زعيمته والرابطة الإسلاميّة قرّرت المقاطعة لتنضمّ إلى باقي أطياف المعارضة.
ويبقى السؤال: ما سيكون عليه شكل التحالفات السياسية المقبلة؟ وهل هناك ما يكفي من الوقت لتشكّلها؟ وكيف سيترجم الشارع الباكستاني حزنه على بوتو في الشارع... وفي صناديق الاقتراع؟ هذا إذا جرت الانتخابات أصلاً.
(الأخبار)