الحكومة تتحاشى الترقيات والمعارضة تستعدّ للتصعيد وباريس تتحرّك سوريّاً
دخل لبنان عطلة عيد رأس السنة، وبدأ الجمود يسود الوضع السياسي نتيجة تأجيل جلسة انتخابات الرئاسة التي كانت مقررة اليوم للمرة الحادية عشرة، الى 12 من الشهر المقبل. فجرى ترحيل الاستحقاق الرئاسي الى السنة الجديدة، مع كل الخلافات والنزاعات السياسية والدستورية الدائرة حوله بين فريقي الموالاة والمعارضة. وأعاد رئيس مجلس النواب نبيه بري رمي كرة الاستحقاق الرئاسي في ملعب الموالاة بعدما كانت رمتها إليه عبر مشروع قانون التعديل الدستوري الحكومي واقتراح القانون النيابي، إذ وضع بري الاستحقاق تحت المادة 74 من الدستور التي تتيح انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. وهو بذلك تجاوز عدداً من التحفظات والعقبات السياسية والدستورية أمام الاستحقاق، منها عدم استخدام صلاحيات رئيس الجمهورية لتعديل الدستور وعدم المرور بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة لإقرار التعديل والاستغناء عن العقد الاستثنائي لإقرار التعديل. لكنّ المهم في بيان بري أمس أنه أخرج الاستحقاق من المادة 73 التي تحصره بالمهلة الدستورية الى المادة 74 التي تتيح إجراء الانتخابات فوراً دون أي خطوات دستورية أخرى مسبوقة، متبنّياً اقتراح النائب بهيج طبارة بذلك، الذي عوّل على اجتهاد للدكتور إدمون رباط يعود الى عام 1987 يعتبر أنّ عدم انتخاب خلف لرئيس الجمهورية يقع تحت أحكام المادة 74.
وقد صدر مساء أمس عن الأمانة العامة لمجلس النواب البيان الآتي: «بما أن الوضع الدستوري بالنسبة لشروط انتخاب رئيس الجمهورية بعد شغور المركز بانتهاء الولاية السابقة وعدم انتخاب رئيس جديد لم يعد كما كان عليه خلال الفترة الدستورية المحددة بين 25 أيلول 2007 و24 تشرين الثاني 2007، وبالتالي يخضع الوضع الناشئ عن الشغور لأحكام المادة 74 من الدستور التي تنص: «إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس بحكم القانون». وبالتالي الشغور بالوفاة أو الاستقالة او بانتهاء الولاية له المفاعيل ذاتها التي تعفي المرشح للرئاسة من شرط الاستقالة المسبقة، الأمر الذي يوجب إبعاد أي فكرة لتعديل الدستور. والاجتماع «بحكم القانون» يجعل من فتح دورة استثنائية للانتخاب لزوم ما لا يلزم. هذا بغض النظر عن عدم الدستورية والشرعية والميثاقية للحكومة القائمة. لذلك قرر رئيس مجلس النواب تأجيل الجلسة التي كانت مقررة هذا السبت في 29/12/2007 (اليوم) الى يوم السبت الواقع فيه 12 كانون الثاني 2008 في تمام الساعة الثانية عشر ظهراً، وذلك لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية».
وإلى ذلك، أكد بري أنه «في حال التوصل الى تفاهم قبل التاريخ المحدد للجلسة سيصار الى تقريب موعدها».
وقد تزامن تأجيل جلسة انتخابات الرئاسة مع انعقاد مجلس الوزراء الذي تحاشى إقرار ترقيات ضباط الجيش التي هي من ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية، مكتفياً بإقرار ترقية شهداء الجيش الذين سقطوا في معارك مخيم نهر البارد، فتجنّب مواجهة مع المعارضة على هذا الامر نظراً لما يمكن لهذه الخطوة أن تسبّبه من إخلال بالتراتبية العسكرية. كما مارس المجلس صلاحيات رئيس الجمهورية المناطة به وكالة ووقع 100 مرسوم لم يوقّعها الرئيس إميل لحود خلال السنة الأخيرة من عهده بسبب اعتباره الحكومة غير شرعية نتيجة استقالة وزراء المعارضة منها.
وقال الرئيس فؤاد السنيورة خلال الجلسة إنه بعد إقرار مشروع قانون التعديل الدستوري في الجلسة السابقة، وبعد توقيع العريضة النيابية للغاية نفسها، «نجد أن كبسة زر تفصلنا عن انتخاب رئيس جديد. والذين يتباكون على صلاحيات الرئيس إذا وقفوا أمام أنفسهم يدركون أن العملية تتطلب وقفة ضمير، ولم يعد مقبولاً استمرار الموقف المانع لانتخاب رئيس الجمهورية لأنه يأخذ البلد الى مزيد من التوتر».
وفي هذه الأثناء أكد رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، بعد اجتماع استثنائي للتكتل، أن ممارسة الحكومة لصلاحيات رئيس الجمهورية هي «ممارسة خطرة أشبه بالسطو على السلطة» واصفاً إياها بـ«العملية الانقلابية على الدستور»، ومؤكداً أن «للمعارضة خطواتها التي ستعلن في الوقت المناسب». وجدد تأكيد أحقية مطلب المعارضة بـ«الشراكة في الحكم» مشدداً على ضرورة أن يكون الحكم «متوازناً بحيث يرجح الرئيس المقبل الأكثريتين»، قائلاً إن «التصوير للناس أن ما تطالب به المعارضة ثلث معطل هو نوع من التخريب النفسي». ووصف استنتاج البعض لمطالب المعارضة بأنها لتعطيل انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية بـ«الاستنتاج التافه».

تراجع فرنسي وعربي

إلى ذلك، قال مصدر مطلع على التحرك الفرنسي لـ«الأخبار» إن هذا التحرك تراجع إلى حدود كبيرة في ضوء دخول الولايات المتحدة مجدداً بقوة على الخط اللبناني من خلال زيارتَي مساعد وزيرة الخارجية الأميركية دايفيد ولش وما رافقهما من مواقف أميركية داعمة لفريق الموالاة، لعلّ أبرزها تلك التي صدرت عن الرئيس جورج بوش شخصياً. لكن المصدر كشف عن أن الاتصالات مستمرة بين باريس ودمشق من زاوية اقتناع القيادة الفرنسية بأهمية وجدوى الدور السوري في المساعدة على حل الأزمة اللبنانية.
ولم يستبعد المصدر أن تتناول القمة المنتظرة في القاهرة بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ونظيره المصري حسني مبارك، الوضع اللبناني في جانب أساسي منها، لكنه رجح عدم صدور أي قرارات عملية في هذا الصدد نتيجة الموقف الاميركي الذي بدأ يغرّد خارج ما سعت إليه باريس من خلال زيارات وزير خارجيتها برنار كوشنير الاخيرة لبيروت.
وأشار المصدر نفسه إلى أنه ليس هناك في الأفق أي تحرك عربي جديد، مشيراً إلى أن بعض الشخصيات التي التقت الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى خلال الأيام الماضية نقلت عنه استبعاده أن يقوم بأي تحرك جديد بسبب التعقيدات التي يشهدها الوضع اللبناني. وتوقع المصدر أن تطول الأزمة نتيجة «كباش» يدور حالياً على المستويين الإقليمي والدولي، الأمر الذي يشير إلى أن معالجة الأزمة اللبنانية ستتأخر لبضعة أشهر على الأقل.