ليال حداد
هنا «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» في دورته الحادية والخمسين. تتوزّع آلاف الكتب على الرفوف، في حين تحتلّ كتب الأبراج الطاولات الأمامية لدور النشر. ففي السنوات الأخيرة تغيرت المعادلة الثقافية في المعرض، وبدأت هذه الكتب تنافس الكتب السياسية والأدبية


«ماما، هون في كتاب كارمن». تهرول منى هرموش إلى جناح «دار أكاديميا». تحمل كتاب «كارمن والأبراج» وتتصفّحه. تبتسم ابتسامة رضى عما قرأته وتشتري الكتاب. «هذه هدية عيد الميلاد التي قررت إهداءها لنفسي» تقول هرموش، رافضةً التعليق على سؤال عن علاقتها بالأبراج وسبب شرائها كتب التنجيم: «هلّق العالم بفكروني مهووسة بالأبراج» تقول لنا، وتغادر الجناح سائلة ابنتها «شفتي وين في كتاب ماغي فرح؟».

للّهو فقط

«كل سنة الحالة نفسها»، يقول عمر فتى من «دار أكاديميا» في إشارة إلى نسبة البيع المرتفعة لكتاب «كارمن والأبراج»، ويكمل «هذا العام اختلف الوضع قليلاً، لأنّ المعرض جاء في فترة الأعياد، كما أنّ الأوضاع العامة في لبنان أثّرت بشكل كبير على حركة البيع». أما الفئة العمرية لقرّاء الكتاب فهي حسب فتى «الشباب والصبايا، لأنو بدن يعرفو هالبلد شو مخبيلن».
لا يقتصر انتشار ظاهرة شراء كتب التنجيم على هذا العام، إذ يجمع معظم المسؤولين عن دور النشر على أن هذه الكتب هي الأكثر مبيعاً في المعارض اللبنانية والعربية، ويقول صاحب إحدى تلك الدور: «يباع الكثير من كتب الأبراج لأنّ الشعب اللبناني والعربي عموماً يبحث عما يلهيه عن الكبت السياسي وربما الجنسي الذي يعيشه». أما عن رفض داره نشر هذه الكتب فيجيب ببساطة تلقائية: «لأننا دار نشر محترمة، نقدّر قرّاءنا».
هو احترام القارئ إذاً. ولكن الجمهور «مش عايز كده»، الجمهور «يريد معرفة الغيب، وقراءة المستقبل والشعور بأمان مفقود في لبنان» هذا ما تقوله مريم عبد المسيح التي اشترت أربعة كتب تنجيم وكتابي تفسير أحلام: «شو عنّا؟ منتسلى».
وللتسلية هذه درجات عدة، تراوح بين الفضول وصولاً إلى الهوس بهذا النوع من الكتب، كما هي حال منيرة عودة التي تعترف بأنها تعيش على ما تقوله لها «مدام ماغي» في إشارة إلى ماغي فرح: «لا أقرأ أي كتاب آخر، كلّهم يكذبون، والتوقعات الوحيدة الصحيحة هي توقعاتها».

الكتاب يستحق

كتب فرح تستريح على أحد الرفوف عند مدخل جناح مكتبة الآداب. تحمل إحدى الزائرات نسخة مغلّفة بالنايلون وتروح تقرأ ما كتب على غلافه الخلفي قبل أن تعلّق: «مش قليلة». تسأل عن سعر الكتاب فيأتيها الجواب صادماً: «سبعة وثلاثون ألفاً وخمسمئة ليرة لبنانية». تعلّق ساخرة «حق علبتين حليب وباكيت زبدة». تعيد الكتاب إلى الرف، وتغادر.
يقرّ المسؤول عن المكتبة بأن سعر الكتاب مرتفع، ويردف: «ولكن هذا الكتاب يباع بكميات كبيرة في الخليج وخمسة وعشرون دولاراً بالنسبة إليهم سعر قليل، فهناك يملكون المال، أما نحن فيا حسرة».
تنتقل هذه الحسرة كالعدوى بين مجموعة من ثلاث نساء «ستايلش» في الجناح. يبدأن الشكوى من الوضع الاقتصادي المتردي في لبنان «بس كتاب ماغي بيستحقّ، شو بدكن بهالحكي». تشتري هيام منذر ثلاث نسخ لها ولأمها ولأختها «التي تزوّجت منذ ثلاث سنوات وحتى الآن لم تنجب»، وهي تتمنّى أن يحمل برجها هذا العام الأخبار الطيّبة «وإذا أنجبت فتاة سأسمّيها ماغي».
غير أنّ الأهداف من شراء هذه الكتب تختلف بين قارئ وآخر. فبين من يريد أن يعرف المستقبل ومن يريد أن يتأكّد أنّ قراره بالهجرة صائب بعض الفرق.
تبحث لينا أبو خليل عن برجي الميزان والعذراء، أي برجها وبرج زوجها، لترى إشارة إلى أنّ الفلك يبارك «الفيزا» التي حصلا عليها أخيراً للهجرة إلى أوستراليا: «برج العذراء يقول إن أحداثاً كثيرة وتغييرات وتقلبات ستحصل هذا العام، أما برجي فيقول إني سأرسم طريقي وأتخذ قراراً مصيرياً»، وتشير بيدها إلى المعلومات التي أكّدت لها صوابية خيارها.
من جهتها، تصرّ ميراي عبده على أنها تشتري كتاب سمير طنب من المعرض كلّ عام بحكم العادة، فمنذ أربع سنوات أهدتها صديقتها كتاباً يعود لطنب وأحبّته: «كتب التنجيم تسلّي فقط لا غير، لا أصدّق الكثير مما كتب فيها. باختصار أعتبر أني أقرأ شيئاً كالرواية أو كتب الطبخ».

قلّة إدراك

وبعيداً عن الفضول والهوس بهذا النوع من الكتب، تنظر مجموعة من زوّار المعرض بازدراء إلى قراء هذه الكتب. يبحث عدنان رعد في كتاب محمود درويش الأخير «أثر الفراشة» في جناح رياض نجيب الريّس، ويدّعي في البداية عدم سماعه السؤال عن رأيه بكتب التنجيم، ثمّ يجيب بعصبية: «هبل، هيدا إسمو هبل وقلة إدراك». تتشابه الردود بين «المثقفين» ومدّعي الثقافة في المعرض، فيجمع القسم الأكبر منهم على أنّ الأبراج «ضحك على الدّقون». ولكن ماذا عن هذا العلم الذي يتجاوز عمره الأربعة آلاف سنة؟ يجيب مروان ابراهيم بلهجة ساخرة: «لو كان هذا العلم حقيقياً لدرّسوه في المدارس كالرياضيات والفيزياء».
قد يختلف الأشخاص على صحّة ما تقوله الأبراج، وقد تعلو الأصوات المُكذّبة للتنبؤات، ولكن الواقع أصبح واضحاً: باتت هذه الكتب جزءاً لا يتجزّأ من معرض الكتاب، واستطاعت في سنوات قليلة أن تحجز لنفسها المراتب الأولى في نسب المبيعات.