بـرّي يخشــى التدويـــل ومــوسى يرجـــئ زيارتـــه وتحـــرّك مرتقــب للبرلمـــان الأوروبــي
أوحت المواقف التي صدرت أمس عن فريقي الموالاة والمعارضة أن الأزمة السائدة بينهما عادت إلى نقطة الصفر. وزاد الطين بلّة صدور موقف فرنسي مصري مشترك يخاطب سوريا بلغة زاجرة تحمّلها مسؤولية تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية، وتدعوها إلى ترجمة مواقفها إلى أفعال والضغط لتأمين انتخاب رئيس جمهورية جديد «بما لها من نفوذ في لبنان»، وتحذّر من مخاطر استمرار الفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية.
وجاءت الدعوة إلى اجتماع استثنائي لمجلس وزراء الخارجية العرب في الشهر المقبل في القاهرة بناءً على طلب مصر والسعودية، لتثير في أوساط المعارضة مخاوف من احتمال أن يكون هذا الاجتماع توطئة لتدويل الاستحقاق الرئاسي، وخصوصاً أن موعد هذا الاجتماع يتزامن مع بدء جولة الرئيس الأميركي جورج بوش في المنطقة.
وكشفت مصادر الموالاة لـ«الأخبار» أن هذا التحرك العربي تقرّر إثر غداء العمل بين الرئيس المصري حسني مبارك ونظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي في شرم الشيخ أول من أمس، حيث إن الأخير أحاط مبارك علماً بأنه «لم يعد يرى أي جدوى من التواصل مع الجانب السوري». وفي ضوء ذلك جرت اتصالات مصرية سعودية أثمرت اتفاقاً على الطلب من الأمانة العامة لجامعة الدول العربية الدعوة إلى اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب، وهذا ما فسّر كلام موسى عن أن لبنان بلد عربي وليس أوروبياً، في إشارة إلى المعطيات التي وضعها ساركوزي في تصرّف مبارك حول نتائج الاتصالات الفرنسية السورية. ولم تستبعد هذه المصادر انطلاق مجلس النواب الأوروبي قريباً في دعوات ومناشدات لإنجاز انتخابات الرئاسة اللبنانية، وذلك في موازاة التحرك العربي الجديد.
وقال أحد أقطاب 14 آذار لـ«الأخبار» إن الموقف الفرنسي المصري المتشدّد إزاء سوريا، هو بمثابة رسالة إليها لكي تبدأ بتنفيذ خطوات مساعدة على إنجاز الاستحقاق الرئاسي. وأشار إلى أن موقف ساركوزي يؤكد أن الجانب الفرنسي «توقّف فعلياً عن الحوار مع سوريا»، وأنه ليس في وارد الدخول في مفاوضات طويلة قد تخرج عن الهدف المطلوب، وهو المساعدة السورية على تسهيل انتخاب الرئيس اللبناني الجديد.
وقال القطب إن الخطوة العملية المطلوبة من الموالاة والمعارضة هي لبننة الاستحقاق الرئاسي وتوجه الجميع إلى مجلس النواب وانتخاب الرئيس المتفق عليه وهو العماد ميشال سليمان، «وبعدها نبدأ النقاش في تشكيل حكومة اتحاد وطني وفي قانون الانتخابات النيابية الجديد، وأي شيء آخر يقيّد الرئيس الجديد لن نقبل به». وأشار إلى أن العماد سليمان هو مرشح اللاغالب واللامغلوب، وفي إمكانه أن يؤدّي دور الحكم بين الجميع.

ساركوزي ومبارك

وكان ساركوزي قد أعلن في مؤتمر صحافي مشترك مع مبارك في ختام محادثاتهما تعليق الاتصالات الدبلوماسية مع سوريا إلى أن «ترى باريس دليلاًَ على أن دمشق تعمل للتوصل إلى رئيس توافقي في لبنان». وقال: «لقد سألت الرئيس مبارك اليوم إن كنت قد أصبت بإجراء اتصالات مع الرئيس (السوري) بشار الأسد... وأنا غير نادم على ذلك وأتحمل المسؤولية إذ كنت أريد أن أتعامل بكل حسن نية». وأضاف: «على سوريا أن تبدأ بأفعال ملموسة والتوقف عن الإدلاء بالخطابات وإثبات الأمور فعلياً، ولن أقوم بأي اتصالات أخرى مع السوريين ما لم نحصل على إثبات على وجود إرادة سورية لترك لبنان والسماح له بأن يتوصل إلى رئيس توافقي».
وأعرب ساركوزى عن قلق بلاده إزاء الوضع اللبناني وقال: «حان الوقت لكي تثبت سوريا بالأفعال ما لا تكف عن إعلانه بالكلام... إننا ننتظر من السوريين أعمالاً لا خطباً». وأضاف: «بالنسبة الى لبنان، المطلوب بسيط وهو أن يتم انتخاب رئيس جديد، لا يمكن أن يكون هناك بلد ديموقراطي بلا رئيس. هذا أمر غير مقبول. المحكمة الدولية ليست مزحة وفرنسا مستعدة لدفع الأموال اللازمة لإنشاء هذه المحكمة».
وأشاد ساركوزي بدور مصر والرئيس مبارك «الذي دعم دائماً المطالبة باحترام هوية لبنان واستقلاله»، مشدّداً على أن لبنان يجب أن يكون له رئيس توافقي.
وكرر ساركوزي: «لقد حان الوقت كي يبرهن السوريون عملياً ما يقولونه دائماً فى الخطابات»، مضيفاً أن فرنسا «تحمّلت مسؤولية حوار مشروط مع سوريا ونحن ننتظر الأفعال الآن من جانب السوريين، لا الخطابات والكلام». وأكد أن بلاده تشاطر مصر رؤيتها في ضرورة الوفاء سريعاً بمقتضيات الاستحقاق الرئاسي اللبناني. وأعلن أنّ فرنسا «ستعدّ وسائل كافية حتى يمكن لنا تسريع المحكمة الدولية».
وبدوره، قال مبارك «إنه ليس من المعقول أن يبقى لبنان، وهو دولة عربية فى منطقة الشرق الأوسط، بلا رئيس وبلا حكومة، ومشلولاً لفترة طويلة، وكلما يدعى البرلمان إلى اجتماع يغلق ويؤجل أسبوعاً». وأضاف: «أنا واثق بأنه سيتأجل من أسبوع إلى أسبوع ولا أعرف إلى متى. إن هذا الوضع خطير جداً ومصالح المواطنين اللبنانيين تتوقف والعمل يتوقف». ورأى أن عدم انتخاب رئيس للبنان حتى الآن يعد «مصيبة».
وطالب مبارك سوريا بـ«التدخل بما لها من نفوذ في لبنان بأن تعمل على إيجاد الوفاق حتى يمكن للبرلمان انتخاب رئيس للبنان». وأضاف: «إنني أنادي سوريا أن تعمل من أجل إيجاد حل لهذا الموضع لأن لها التأثير الأقوى على الأطراف المتصارعة».
وثيقة فرنسيّة سوريّة
في غضون ذلك، أعلن السناتور الأميركي أرلين سبكتر خلال زيارته دمشق أمس وجود وثيقة عمل سورية فرنسية تشكل «أساساً لإجراء الانتخابات في لبنان».
وقال سبكتر في ختام زيارته لدمشق التي التقى خلالها الرئيس السوري بشار الأسد ووزير الخارجية وليد المعلم إن المعلم «عرض علينا، على النائب (باتريك) كينيدي وعليّ، وثيقة أعدّها السوريون والفرنسيون تشكّل أساساً لحل الوضع وإجراء الانتخابات في لبنان». وأضاف أنه فهم أنه «لا يمكن أن تكون في لبنان ديموقراطية مشابهة لتلك الموجودة في الولايات المتحدة. نريد التوصل الى ديموقراطية توافقية. الاكثرية لا يمكنها حكم البلد بفاعلية من دون باقي الأطراف الاخرى. ومن هنا يجب أن يكون هناك توافق».
وذكر سبكتر أن من المهم أن تتعاون سوريا وفرنسا من أجل التوصل إلى حل للأزمة السياسية في لبنان.
وقال: «سوريا لها نفوذ هائل إن لم تكن سيطرة في لبنان. أقول مجدداً إنني لا أصدر حكماً. أنا أذكر ما أعتقد أنه المفهوم الدولي وسيكون مهماً جداً أن تنجح جهود سوريا وفرنسا متعاونتين معاً في التوصل إلى حل للمشكلة اللبنانية».

موسى وبرّي والسنيورة

وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الأخبار» إن موسى صرف النظر عن زيارة كان يعتزم القيام بها إلى بيروت خلال الأيام القليلة المقبلة، وكذلك عن إيفاد مَن يمثّله، وذلك في ضوء اتصالات أجراها خلال الساعات القليلة الماضية مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة، اللذين أظهرا من خلال أجوائهما المتناقضة أن لا شيء تبدّل في بيروت يشّجع موسى على زيارتها قبل اللقاء الاستثنائي لمجلس وزراء الخارجية العرب.
وقال الرئيس بري لـ«الأخبار» إنه أكد لموسى أنه لا يعارض أي اجتماع عربي، وإن الدعوة إلى جلسة لوزراء الخارجية العرب «أمر جيد». وقال له أيضاً: «تعرف رأيي منذ الأساس وهو أنه إذا تصالح العرب تنتهي الأزمة عندنا في لبنان». وأضاف: «نحن لسنا ضد الاجتماع العربي وهو أمر نريده، ولكن المفيد فيه أن تحصل مصالحة خلاله بين العرب».
ورداً على سؤال عن المخاوف من احتمال أن يؤدي الاجتماع العربي إلى تدويل انتخابات الرئاسة، قال بري: «ممكن جداً وأنا متخوّف من هذا الموضوع».
ورداً على سؤال آخر، قال بري: «إننا ما نزال نراهن على حصول اتفاق في ما بيننا». وأشار إلى أن التواصل مستمر بينه وبين رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، الذي لم يتغيّر موقفه الأخير حول الوضع الداخلي لجهة التوصل إلى تسوية بين الموالاة والمعارضة.
على صعيد آخر، كشف أحد أقطاب قوى 14 آذار لـ«الأخبار» أن مسعىً فرنسياً جديداً سُجّل خلال الساعات القليلة الماضية بدخول الأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيّان مجدداً على خط الأزمة إلى جانب القائم بالأعمال الفرنسي أندريه باران. وقال القطب إن قيادات 14 آذار أبلغت غيّان عبر باران رفضها البحث في أي تشكيلة حكومية تعطي المعارضة الثلث +1. وختم بالقول: إن المبادرة الفرنسية الجديدة لم تأت بجديد يستأهل البحث فيها، «وقد شبعنا من ورقة رايحة وورقة آتية بمضمون واحد غير قابل للتطبيق».