إبراهيم الأمين
لجنة سياسيّة من الفريقين تستعين بقانونيين لتُقرَّ تعديلات المحكمة وتتولّى توسيع الحكومة وتوزيع الحقائب

حتى ساعة متأخرة من ليل أمس لم يكن فريق المعارضة قد تلقى جواباً من السفير السعودي عبد العزيز خوجة عن اقتراح “إعلان النوايا” الذي قدمه الرئيس نبيه بري باسم المعارضة. وظلت المؤشرات تأتي سلبية من أوساط فريق السلطة برغم ما أشيع عن تباين بين قواها الرئيسية. وقال مرجع قيادي في المعارضة: “مرة جديدة تظهر أصابع الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، ومع ذلك فإن المعارضة سوف تمنح الفريق الآخر المزيد من الوقت كما ستوفر كل ما يحتاج إليه الوسيط السعودي لإنجاز المهمة. لكن ذلك لن يعفي قوى المعارضة من القيام بما يلزم لأجل التعبير مجدداً عن رفضها للسلطة القائمة”.
وروى مصدر واسع الاطلاع لـ“الأخبار” ما حفلت به الأيام الماضية من اتصالات داخلية وخارجية مهمة، أبرزها ما نقله الرئيس سليم الحص إلى القيادتين السعودية والسورية في شأن وجود فرصة جدية للتوافق المحلي على ملفي المحكمة الدولية والحكومة، وسعيه في الوقت نفسه لترطيب الأجواء بين البلدين قبل اتخاذ دمشق قراراً في شأن مستوى تمثيلها في القمة العربية المقبلة في السعودية، حيث أكد المصدر أن سوريا لم تتلق بعد دعوة رسمية، وأن هناك كلاماً غير رسمي عن موفد سعودي رفيع المستوى يُرتقب وصوله إلى دمشق قريباً لنقل الدعوة إلى الرئيس بشار الأسد.
وفي ما خص “إعلان النوايا” أوضح المصدر أن الرئيس بري كان قد تلقى من السفير السعودي عبد العزيز خوجة والسفير الإيراني محمد رضا شيباني مؤشرات إيجابية عن التواصل بين طهران والرياض، من بينها القبول بمبدأ حصول المعارضة على 11 وزيراً، وإلحاح فريق السلطة على توازٍ واضح في البت بأمرَي الحكومة والمحكمة الدولية، حيث إن فريق 14 آذار يريد ضمانات بإقرار المحكمة قبل تأليف الحكومة الجديدة. وقد أخذ بري على عاتقه بعد مشاورات مع قيادات المعارضة إعداد اقتراح بهدف “اختراق الجمود القائم، آخذاً بعين الاعتبار المقايضة التي أعاد النائب سعد الحريري طرحها في مهرجان 14 شباط الماضي. كما عمد إلى إعداد ما سمّاه “إعلان النوايا” الذي يقوم على فكرة إنشاء لجنة سياسية مشتركة بين فريقي السلطة والمعارضة من دون البحث في عدد كل من الوفدين، بحيث تتولى البدء بمناقشة ملف المحكمة الدولية، ويكون لها حق الاستعانة بمن تراه مناسباً من قانونيين ورجال قضاء بغية التفاهم على ملف الملاحظات الخاصة بمشروع المحكمة، على أن يصار إلى إعداد ورقة بهذه الملاحظات التي تتحول إلى تعديلات على المشروع الموجود لدى الحكومة، ثم تقوم اللجنة نفسها بصيغة التوسيع المفترض للحكومة من خلال ضم عشرة وزراء جدد بحيث يكون لفريق السلطة 19 وزيراً وللمعارضة 11 وزيراً.
وفي أثناء عمل الرئيس بري على هذه الورقة، كان السفير السعودي في بيروت على تواصل دائم مع قيادات المعارضة، ولم يتوقف عن البحث مع الرئيس بري أو معاونه السياسي النائب علي حسن خليل. ثم جاءت زيارة النائب الحريري إلى السعودية لتعطي دفعاً جزئياً شجع بري على الطلب من خليل القيام بجولة على قيادات المعارضة بهدف جمع الملاحظات على مشروع المحكمة وتولي صياغتها ضمن ورقة واحدة قبل الشروع في عمل اللجنة. وعقد خليل اجتماعات عدة مع معاون الحريري النائب السابق غطاس خوري وعضو هيئة الحوار الإسلامي ــــــ المسيحي محمد السماك، ومن ثم طلب بري من خليل نقل هذه الصيغة إلى الحريري بواسطة خوري والسماك، وقد بقي الاتصال مستمراً حتى أول من أمس بين السفير السعودي وعين التينة، وحتى مع المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل. لكن الجواب الرسمي لم يصل إلى أحد.
في هذه الأثناء، كان بري يزداد غضباً، وخصوصاً بعدما نجح في انتزاع تنازلات جدية من قوى المعارضة بينها التوافق على المحكمة قبل البت بالوضع الحكومي، ومنها تأجيل البحث في انتخابات نيابية مبكرة مقابل إقرار القانون أولاً، ثم جاء من يبلغه أن هناك مشكلة مع النائب وليد جنبلاط، فرد أنه يعرف حجم مشكلة الأخير مع القوى الداخلية ومع سوريا، وهو يستطيع أن يساعد على حلحلة معظم هذه الأمور ولكن على الجميع السير بالحل أولاً، إلى أن جاءه من يبلغه أن النائب الحريري الذي يتجاوب مع المقترح يواجه مشكلة مع مسيحيي 14 آذار، وأن هناك اعتراضاً من جانب قائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع ثم هناك مشكلة أخرى تتعلق بتشكيلة اللجنة السياسية وإذا ما كانت تضم ممثلاً عن الرئيس أمين الجميل أو لا، وكلها أمور يعرف بري أنها تمثل تغطية لقرار ما أتى من جهة ما بعدم تسهيل الأمور، علماً بأنه دقق في المعلومات الواردة عن تراجع البحث الإيراني ــــــ السعودي بسبب انهماك رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني على لاريجاني بالمفاوضات المتعلقة بالملف النووي، لكن تأكد له من السعودية أيضاً أنه ليس هناك من مشكلة في هذا الأمر، فاضطر إلى إعلان تحذيره من أن سلوك فريق 14 سوف يوصل البلاد إلى أزمة سياسية وأن المعارضة تفكر بخطوات جديدة من بينها فكرة العصيان المدني.
وإذ تحدث قياديون في فريق 14 آذار عن عرقلة مصدرها سوريا لأنها لا تريد حلاً لمشروع المحكمة، ذكر المصدر الواسع الاطلاع لـ“الأخبار” أن الرئيس الحص بحث في الأمر صراحةً مع القيادة السعودية، وهو أبلغ الملك عبد الله أن الأمر يتعلق بتعديلات وملاحظات تهدف إلى منع تسييس المحكمة، وخصوصاً أن هناك شكوكاً حيال بعض الأمور التي جرت في التحقيقات الأولية، علماً بأن الحص ركز مع الملك السعودي على أهمية مناقشة مباشرة بين القيادتين السعودية والسورية، وسمع من عبد الله أنه عاتب على تصريحات الأسد الشهيرة عن أنصاف الرجال، علماً بأنه كان أول من احتضن الأسد الابن بعد وفاة الأسد الأب، وأن هذا الكلام لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، ولا بد من توضيحات سورية له. وقد نقل الحص هذا الكلام إلى الرئيس السوري الذي أشار إلى احترامه للقيادة السعودية، لكنه لفت انتباه الحص إلى أن في السعودية ودول أخرى من اتهمه بأنه “طفل مغامر” يوم كان العالم ودول عربية تتآمر على المقاومة ولبنان، وهو كان يوفر كل أشكال الدعم السياسي وغير السياسي للمقاومة خلال تصديها للعدوان الإسرائيلي، وأنه هو من يحتاج إلى اعتذارات من الآخرين، برغم أنه راغب وصاحب مصلحة في تحسين مناخ العلاقات العربية ــــــ العربية لمواجهة ما تمر به المنطقة. كما سمع الحص من الأسد كلاماً واضحاً عن أن مشكلة المحكمة الدولية تتصل أساساً بمواقف أطراف عدة بينها قوى لبنانية ترفض التسييس.
وحسب المصدر فإن معلومات مهمة تتعلق بهذا الملف وصلت إلى بيروت والرياض ومصدرها القاهرة، حيث تبلغت القيادة المصرية ملاحظات بريطانية هي الأولى من نوعها على مشروع المحكمة، أن هناك حاجة إلى عملية تدقيق لمواجهة الثغرات التي برزت خلال إعداد مشروع نظام المحكمة الذي “أقر على عجلة كما يبدو” بحسب ما نقلت المعلومات عن المصادر البريطانية، وهو أمر قيل إن الملك السعودي أبدى تفهمه الكامل له ودعمه لحوار يوصل إلى إقرار المحكمة بأفضل الطرق.
في هذه الأثناء صدر موقف عن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى حول اجتماعه الأخير بالرئيس السوري، وبدا أن الموقف جاء بشكل توضيح متأخر لمواقف سبق أن قالها موسى عند زيارته دمشق. وهو قال أمس إن لقاءه مع الأسد “كان إيجابياً وتركز على موضوع المحكمة الدولية وتأليف الحكومة. وقد وجدت موقفاً إيجابياً لدى الرئيس الأسد ونحن مستمرون في التشاور مع سوريا والسعودية ومصر والدول العربية المعنية بشأن لبنان التي ترى خطورة فى استمرار الأزمة هناك”.
وذكر موسى أنه اتصل أمس بكل من بري والرئيس فؤاد السنيورة ووزراء خارجية سوريا وليد المعلم والسعودية سعود الفيصل ومصر أحمد أبو الغيط والأردن عبد الإله الخطيب وكل الأطراف الإقليمية المعنية مثل إيران وتركيا بشأن لبنان والعراق.
وقالت مصادر دبلوماسية عربية إن دمشق كانت قد عبرت عن استيائها من تصريحات موسى التي أعطت الانطباع بأن دمشق تعارض التوصل إلى حل في لبنان. ونقلت هذه المصادر عن مسؤولين سوريين: لماذا لا يصرح موسى بعد لقاء الملك السعودي أو الرئيس المصري أو يتحدث بعمومية أقرب إلى التفاؤل، لكنه أفاض في الحديث بعد الاجتماع بالأسد ثم تحدث في دمشق عن تعقيدات؟ وأن الأسد كان مرتاحاً إلى ما نقله الرئيس سليم الحص عنه من عدم معارضته توافقاً لبنانياً على المحكمة الدولية أو على الحل في لبنان.